في أقل من 24 ساعة، اعتقل ضابط كبير في جهاز الأمن الوطني العراقي متلبسا بتلقي رشوة، فيما قتل آخر بمحافظة ميسان جنوبي البلاد، لتتضارب المواقف الحكومية حول الحادثتين.. فما القصة؟

في ساعات متأخرة ليلة الاثنين، انتشر مقطع فيديو مصور للحظة اعتقال الضابط الذي سيتبين فيما بعد أنه مدير عام جهاز الأمن الوطني في ميسان، داخل مكتبه من قبل قوة أمنية خاصة واستخراج مبلغ مالي تقاضاه رشوة من أحد المواطنين، بحسب بيان لهيئة النزاهة تلقاه موقع “الحل نت”.

السلطة الرقابية في بغداد التي تتولى مهام مكافحة جرائم الفساد وتمتلك أذرعاً تنفيذية وقضائية مخولة دستوريا أعلنت، اعتقال ضابط كبير في جهاز الأمن الوطني، متلبسا بتلقي رشوة، خلال كمين تم إعداده مسبقا له في ميسان، وذكرت في بيان أن “دائرة التحقيقات في الهيئة، نفذت بناء على مذكرة قضائية، وبناء على معلومات تفيد بإقدام مدير جهاز الأمن الوطني في ميسان بمساومة ذوي أحد المتهمين، إذ طلب منه مبلغا من المال؛ لقاء تسليمهم إحدى السيارات نوع -بيك أب-، التي تم ضبطها من قبل قوات الأمن”.

النزاهة وفور تلقيها المعلومات “ألف فريق عمل من مكتب التحقيق التابع لها في محافظة ميسان، للتحري والتقصي عن تلك المعلومات، بينما استحصلت على الموافقات الأصولية بالتواصل والتنسيق مع قاضي التحقيق المُختص بغية ضبطه”، وهو ما حدث بالفعل، إذ تم “نصب كمينٍ محكم للإيقاع بالمتهم، خلال تسليم مبلغ الرشوة البالغ7500  دولار، حيث تم ضبطه بالجرم المشهود متلبسا بتسلّم مبلغ الرشوة”، بحسب البيان.

وبين أنه “تم تنظيم محضر ضبط أصولي بالعملية، وعرضه رفقة المتهم والمبرزات المضبوطة، على قاضي التحقيق المُختص الذي قرر توقيفه وفق أحكام المادة 307 من قانون العقوبات”، فيما دعت الهيئة “المواطنين كافة إلى التعاون معها من خلال الإبلاغ عن حالات الفساد والمساومة والابتزاز التي قد يتعرضون لها أثناء مراجعتهم مؤسسات الدولة، وذلك عبر الاتّصال بمنافذها المخصصة لذلك”.

اقرأ/ي أيضا: من هو صباح الكناني الذي اعتقله الأمن الوطني العراقي؟

اعتراض جهاز الأمن الوطني

كما أشارت إلى “حث رئيسها القاضي علاء جواد الساعدي على تصعيد وتيرة عمليّات الضبط بالجرم المشهود، والولوج إلى العمل الميداني من خلال الحضور الدائم داخل مؤسسات الدولة”.

لكن جهاز الأمن الوطني، عبر عن رفضه لآلية تنفيذ عملية اعتقال مدير الجهاز في محافظة ميسان في قضية فساد، من خلال بيان ورد لموقع “الحل نت”، اليوم الاثنين، وذكر إن “جهاز الأمن الوطني دأب على الثبات والشجاعة في أداء مهامه لحفظ أمن الوطن وسلامة مواطنيه، ولقد كان لصولات الجهاز وعملياته النوعية في مقارعة الإرهاب ومواجهة رؤوس الجريمة المنظمة والفساد الدور المشهود في إرساء ركائز الاستقرار الأمني الذي شهدته محافظات عراقنا الأبي مؤخرا”.

مديرية الإعلام في جهاز الأمن أضافت بحسب البيان، أن “جهود الجهاز كانت حازمة في إحالة المخالفين من منتسبيه إلى التحقيق والقضاء المختص بطريقة مهنية منصفة، وبغض النظر عن مناصبهم أو مسؤولياتهم”، مبينا أن “ما تم نشره وتداوله مؤخرا في منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي من تصرف فردي لا يمثل في حال ثبوته إلا من تورط به، ومع أن هذا التصرف لا يمثل نهج الجهاز ولا يعكس مستوى الإيثار والتضحية لدى ضباطه ومنتسبيه، فإننا نؤكد وجود مخالفات واضحة في آلية تنفيذ وتصوير ونشر العملية بصورة أسهمت في الإساءة لسمعة جهازنا وجهوده وإنجازاته”.

بيان الأمن الذي لم يتطرق لمدى صحة المعلومات حول تورط أحد مدرائه الحساسين في عملية فساد، اكتفى بالتنويه إلى أنه “في ضوء توجيهات المراجع الأمنية العليا فإن الجهاز يؤكد على التزام التعاون الوثيق مع السلطات القضائية لمكافحة الجريمة وإحالة المتهمين وفقا للسياقات المعتمدة، حرصا على تطبيق وسيادة القانون”، مشيرا إلى أن “جهاز الأمن الوطني يعرب عن شكره وتقديره لمساندة القائد العام للقوات المسلحة، فضلا عن تثمينه إنصاف ووعي شرائح المجتمع كافة وفي مقدمتهم الإعلاميون والمدونون”.

وفي سياق منفصل وذات الرقعة الجغرافية، قتل اليوم الاثنين، ضابط كبير في جهاز الأمن الوطني وسائقه، فضلا عن إصابة شخصين مدنين أخرين بمحافظة ميسان، في كمين نصبه مسلحون مجهولون، فيما أعلنت شرطة المحافظة أن دوافع الحادثة “جنائية” وهذا ما لم يتوافق مع إعلان مستشار جهاز الأمن قاسم الأعرجي.

جهاز الأمن الوطني يبين الموقف

شرطة المحافظة قالت في بيان أطلع موقع “الحل نت” عليه، إن “ضابط برتبة عميد مع مواطنين اثنين يسكنون جميعهم العاصمة بغداد تعرضوا، إلى حادث جنائي، أثناء سلوكهم طريق عمارة – بصرة، وذلك بعد تعرض عجلتهم لإطلاق نار مباشر من أشخاص مجهولين، مما أدى إلى مقتل الضابط المنسوب إلى جهاز الأمن الوطني في بغداد مع مواطن وإصابة الشخص الثالث بجروح”.

كما بينت أنه “فور وقوع الحادثة وجه قائد شرطة ميسان اللواء ناصر لطيف الأسدي، بتشكيل فريق عمل مختص والتوجه فورا إلى موقع الحادث لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة، والتحفظ على الشخص المصاب لغرض التحقيق والتعمق بالتفاصيل والكشف على العجلة التي يستقلونها”.

وتابع البيان، أنّ “المعلومات الأولية أشارت إلى وقوع الحادث بدافع الحصول على الأموال، حيث كان المجني عليه (العميد) ينوي شراء عجلة من محافظة البصرة، ويحمل مبلغا من المال أثناء سفره، والذي عثر عليه داخل العجلة، وكما ورد في إفادة الشخص المصاب”، مبينة أن “أجهزة الأمن المختصة تواصل العمل وإجراء التحري والتحقيق لكشف ملابسات الجريمة”.

وموقف الشرطة يتضارب مع تغريدة قاسم الأعرجي على موقع “تويتر” الذي قال فيها، إن العميد قاسم داوود سلمان قتل “أثناء الواجب”، وإن هذا الحادث سيعزز من إصرار جهاز الأمن الوطني على مواصلة العمل الدؤوب لمواجهة العصابات الإجرامية وتجار المخدرات، وهذا ما اتفق معه موقف هيئة “الحشد الشعبي” التي عزت في بيان رسمي جهاز الأمن بمقتل العميد داود “أثناء الواجب”.

وقالت: “إذ ندين جريمة اغتيال الشهيد، ونشد على أيدي الأجهزة الأمنية البطلة، ومنها جهاز الأمن الوطني، لمواصلة جهوده الكبيرة في ملاحقة عصابات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات في البلاد”.

اقرأ/ي أيضا: قرارات بلا قوانين.. الأمن الوطني العراقي يطرح خطة لمكافحة المخدرات

من هو ضابط جهاز الأمن الوطني العمد داود؟

وفقا لمصادر مطلعة، فأن العميد داود هو مسؤول قسم المخدرات في جهاز الأمن في محافظة ميسان المحاذية لإيران التي تشهد بين حين وآخر، توترات أمنية بسبب النزاعات العشائرية وتصفية حسابات سياسية وانتشار تهريب المخدرات.

حادثة العميد داود، تأتي بعد أن اغتيل القاضي فيصل خصاف الساعدي المتخصص في قضايا المخدرات برصاص مسلحين بميسان في شباط/فبراير الماضي.

ومؤخرا، تنامت تجارة المخدرات في العراق بشكل غير معقول، حتى تحولت إلى آفة تنخر المجتمع وأحد أسباب انتشار الجريمة في البلاد، وبحسب تقارير، فأن جهات سياسية والميليشيات المسلحة الموالية لإيران هي من تقف خلف تجارة المخدرات في البلاد، لاسيما الأخيرة التي باتت تعتمدها كمصدر تمويل رئيسي لمشاريعها.

وتعتبر محافظتي البصرة وميسان بحسب وزارة الداخلية العراقية، الاولى بتهريب وتعاطي المخدرات في العراق والمحافظات الجنوبية على وجه الخصوص، بينما تتصدر الأنبار المحافظات الغربية بتعاطي وتجارة وتهريب المخدرات.

وفي آيار/ مايو الماضي، أكدت لجنة الأمن والدفاع النيابية، أن العراق تحول في السنوات الأخيرة إلى نقطة مهمة في حركة المخدرات بالشرق الأوسط.

اقرأ/ي أيضا: الأمن العراقي يقيد مستشاره مهند نعيم بسبب مقال “فيسبوكي”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.