“شهر بلا عمل“، يختصر أمير نجار، معاناته في البحث عن عمل في ريف حلب الغربي، الواقع تحت سيطرة فصائل المعارضة، وذلك في ظل ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع قيمة الليرة التركية المستخدمة في التعاملات التجارية في الشمال السوري.

الفقر والبطالة في أعلى مستوياتهما

ووصلت معدلات الفقر والبطالة، إلى أعلى مستوياتها في مختلف المناطق السورية، في حين يعتمد معظم الأهالي في مناطق سيطرة المعارضة على المساعدات الإنسانية، لتغطية النسبة الأكبر من احتياجاتهم الغذائية وغيرها.

نجار، أكد في حديث خاص مع “الحل نت“: أنه يعمل كعامل بناء في قطاع الإنشاءات، وفي أفضل الأحوال لا يتجاوز أجره اليوم 75 ليرة تركية، وفي حال حصل على أيام عمل كاملة خلال الشهر، فإن دخله الشهري لا يتجاوز 1800 ليرة (مئة دولار أميركي).

وأضاف نجار، في معرض حديثه عن فرص العمل شمالي سوريا: “معظم الأيام نعمل بأجر خمسين ليرة، وقد لا نحصل على أيام عمل كافية في كل أيام الشهر، بعض الأشهر لم أحصل فيه على دخل يتجاوز ألف ليرة، وهو المبلغ الذي يتجاوز فيه أجر المنزل الشهري والفواتير الدورية“.

من جانبه أرجع وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة” المعارضة، عبد الحكيم المصري، ارتفاع نسبة الفقر بين سكان مناطق شمال غربي سوريا، إلى زيادة البطالة، وتدني الأجور وغلاء الأسعار.

وقال المصري في تصريحات نقلها موقع “العربي الجديد“، إن متوسط أجر العامل لا يزيد عن 1500 ليرة تركية شهريا، في وقت تزيد مصاريف الأسرة عن أربعة آلاف ليرة تركية، وفق دراسة نفذتها الوزارة.

قد يهمك: هل تشهد أسعار الغاز المنزلي في سوريا ارتفاعات جديدة؟

ولفت المصري، إلى وجود بعض استثناءات لأجور مرتفعة، للعاملين مع منظمات دولية والتجار “والذين لا تزيد نسبتهم عن 10 بالمئة“، مشيرا إلى أن نحو 90 بالمئة، من السوريين في مناطق سيطرة المعارضة يعيشون تحت خط الفقر.

وأضاف وزير الاقتصاد، أن ارتفاع الأسعار يرجع إلى “التضخم الذي يجتاح العالم، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث زاد التعامل بالليرة التركية، من مستوى ارتفاع الأسعار“.

بلغ التضخم النصف سنوي هذا العام بالقياس على الليرة التركية، 51 بالمئة، في حين لم يزد عن 14 بالمئة بالنسبة للدولار، وذلك بحسب الأرقام الواردة في دراسة للحكومة المؤقتة.

ضعف الاستجابة

وكان فريق “منسقو الاستجابة”، قد أكد أنه بسبب ضعف الاستجابة من قبل المنظمات والمؤسسات الإنسانية، ووصول العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية إلى 60.7 بالمئة، ارتفع حد الفقر والجوع في منطقة شمال غربي سوريا، خلال شهر آب/ أغسطس الفائت، إلى 4354 ليرة تركية، وارتفع حد الفقر المدقع إلى قيمة 3218 ليرة تركية.

وأشار الفريق خلال بيان مؤخرا، إلى أنّ الزيادات في الأجور نتيجة تغير أسعار الصرف، لم تكن بحسب زيادات الأسعار، بل بقيت محدودة مع انخفاض واضح عن الشهر السابق.

تقف مشكلة البطالة كإحدى أكبر المشكلات التي يعاني منها السوريون وخاصة في السنوات الأخيرة، لتشمل أيضا المحافظات والمناطق الواقعة تحت إدارة حكومة دمشق، حيث كشفت تقارير اقتصادية سابقة عن تراجع معدل النمو في سوريا إلى معدلات قياسية، مع ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد إلى نحو 878 في المئة، ووصول معدل البطالة إلى 31.4 في المئة.

ونهاية أيار/مايو الماضي، كشف مدير “مكتب الإحصاء المركزي” السابق، شفيق عربش، أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 في المئة، بين عامي 2020 و2021، وفقا لإحصائيات رسمية لم تنشر نتائجها الحكومة السورية.

رواتب لا تكفي

ويعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

غادة عبد اللطيف (أم لخمسة أولاد تعيش في دمشق منفصلة عن زوجها)، تؤكد في حديثها لـ“الحل نت“، أن راتبها من عملها في مؤسسة الإسكان لا يكاد يكفي إيجار المنزل التي تعيش فيه، بعد قطع تكاليف المواصلات.

وتقول في حديث مع “الحل نت“: “الأسعار في الأسواق غير معقولة، ولا تتناسب مع الأجور أبدا، نعتمد بشكل كبير على الحوالات التي يرسلها لنا ابني في ألمانيا، وأحاول أن أعمل في التدريس بعد دوامي في الإسكان، لكن هذا ليس متوفر بشكل دائم“.

“لا تكاد نخرج من أزمة حتى ندخل بأخرى“، تضيف غادة، في إطار حديثها عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتزيد بالقول: “من أزمة المحروقات إلى أزمة الكهرباء، وفقدان العديد من الأصناف الغذائية من وقت لآخر، وأي صنف يعاني من أزمة يعود بأسعار مرتفعة أكبر، الوضع الاقتصادي أصبح لا يطاق، لا نستطيع العيش على وعود الحكومة“.

فشل حكومي

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على تنفيذ وعودها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية بأسعار معقولة، حيث فشلت وزارة التموين السورية، في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وذلك تزامنا مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد النفطية، والتكاليف التشغيلية على المنتجين، فضلا عن الانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية.

قد يهمك: الفواكه الاستوائية على البسطات في سوريا.. الحبة بـ10 آلاف

تقرير سابق لصحيفة “البعث” المحلية، تحدث قبل أيام عن آلية “المتسوق السري“، لمراقبة أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق، وذلك عوضا عن تسيير الدوريات التموينية، التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، سامر السوسي، أشار إلى وجود عوائق تواجه تطبيق آلية “المتسوق السري“، تكمن باعتمادها على عقود لفترات زمنية قصيرة، ومهمات محدودة للمراقبين المؤقتين لا تمكنهم من القيام فعليا بمهام الضابطة التموينية التي تحظى بسلطات الضابطة العدلية، على حد تعبيره.

ولفتت الصحيفة، إلى أن الآلية تخالف قانون وزارة التموين، “حيث تمت دراسة تطبيق هذه الطريقة سابقا وأخذ رأي الجهات القانونية، التي أشارت وقتها إلى أن حالة “المتسوق السري”، تندرج تحت بند استجرار المخالفة، وهو ما يعني التغرير بالبائع وإيهامه بطلب السلعة لتوقيع مخالفة عليه، الأمر المخالف قانونا” حسب مصدر في الوزارة.

أزمات أرهقت السوريين

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف.

ساهمت أزمة المحروقات التي تعيشها البلاد، في ارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات، وذلك في وقت لا يحصل فيه أصحاب المِهن والمنشآت على مخصصات كافية من المحروقات لإنجاز عملهم.

وفضلا عن غلاء المواد، تنتشر البضائع والمواد المغشوشة والمهرّبة في الأسواق السورية، وسط غياب الرقابة الحكومية، وتحذيرات من مخاطرها على صحة المستهلكين، تزامنا مع ارتفاع مستوى خطر الأمن الغذائي في البلاد، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين أمام المواد الغذائية.

ومما ساهم بتفاقم معاناة الطبقة الفقيرة، وصول الغلاء إلى الأطعمة والمأكولات الشعبية، حيث بلغ سعر سندويشة البطاطا في المطاعم 4500 ليرة، حيث تجاوزتْ سعر كيلو البطاطا في الأسواق، فبعد أن تراجع سعر كيلو البطاطا إلى حدود 1600 ليرة، ما يزال ثمن السندويشة العادية مرتفعا، وثمن السندويشة المدعومة سبعة آلاف ليرة.

كما وصل سعر سندويشة الفلافل إلى 3 آلاف ليرة سورية، ومن الممكن أن ترتفع أكثر، إذا كان خبز الصمون من مكوناتها، في حين سجّل قرص الفلافل سعر 250 ليرة.

قد يهمك: كيلو المتة بـ 18 ألف.. ارتفاع الأسعار يرهق السوريين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.