مع توسعة الخلافات بين رئيس جمهورية لبنان ورئيس الحكومة، تتراجع فرص تشكل حكومة جديدة في البلاد على الرغم من مضي نحو 11 شهرا على انتهاء الانتخابات التشريعية في البلاد، ما يعزز فكرة الابتعاد عن ملف الحكومة والتركيز على قضية انتخاب رئيسا جديدا للجمهورية لاسيما مع اقتراب دخل المهلة الدستورية.

ما يعزز ذلك، توسع رقعة الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف نجيف ميقاتي، خصوصا بعد لقائهما الأخير، الأربعاء الماضي، الذي وصفه رئيس البرلمان نبيه بري بأنه من “أسوأ الاجتماعات، وقد أعاد النقاش حول تأليف الحكومة إلى المربع الأول”.

بالمقابل، أوساط بري تؤكد أن الحماسة لم تعد موجودة للتدخل حكوميا في ظل العقبات الكثيرة الموجودة، وتمسك عون بالحكومة الموسعة بزيادة ستة وزراء دولة على تشكيلة الـ 24 وزيرا، مقابل إصرار ميقاتي على الصيغة التي تقدم بها، وانفتاحه على بعض التعديلات الطفيفة.

كما يضع بري ضمن أولوياته تحديد موعد دعوة البرلمان الذي بدأت مهلته الدستورية في مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، والتي لن تتم قبل اكتمال المشاورات مع الفرقاء السياسيين وتعبيد طريق التفاهم، وإقرار المجلس النيابي جملة مشاريع إصلاحية، على رأسها إقرار الموازنة.

اقرأ/ي أيضا:قوى التغيير اللبنانية تبادر بشأن أزمة رئيس الجمهورية وتهدد باللجوء للشارع

اجتماع يلقي بظلاله على تشكيل حكومة لبنان

رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كان قد استقبل، مساء أمس الإثنين، رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، في دارته في بيروت، حيث تركز محور الحديث على “الهموم المعيشية”، وفق تعبير ميقاتي.

وحرص ميقاتي، في تصريح له عقب اللقاء، على تأكيد وجهات النظر المتطابقة بينه وبين جنبلاط في أغلب الأحيان حول ملفات عديدة، في محاولة يظهر فيها الدعم الذي يلقاه وسيعززه اليوم بلقائه الرئيس بري.

في غضون ذلك، مرر ميقاتي رسائل مباشرة إلى الرئيس عون عبر تأكيده أنه “لا يوجد ما يسمى بفراغ رئاسي بل شغور، والدستور واضح في هذا الموضوع، وهذه الحكومة تنتقل إليها صلاحيات الرئيس في حال حصول أي شغور رئاسي”.

وقال إن “كل الآراء والاستشارات الدستورية التي صدرت حتى الآن أكدت أن الدستور نصّ على انتقال الصلاحيات إلى الحكومة، ولم يحدد ما إذا كانت حكومة تصريف أعمال أم لا، وما من شيء يُسمّى بفراغ، إنّما شغور رئاسي”، مؤكداً حرصه على أن يُجرى الاستحقاق المنتظر في موعده.

بدوره، أشار جنبلاط إلى أن اللقاء بحث الأمور العملانية، مثل الكهرباء وترسيم الحدود، وشؤوناً تربوية، قائلاً في المقابل: “الأمور الكبرى أتركها لغيري، هم يمسكون باللحظة التاريخية، أنا أهتم بالأمور الصغرى بكل تواضع”.

اقرأ/ي أيضا: لبنان مهدد بالانقطاع عن العالم.. ما القصة؟

انشغالات بعيدة عن تشكيل حكومة لبنان

مصدر مقرب من ميقاتي اكتفى القول لـ “العربي الجديد”, وتابعه موقع “الحل نت”: “الهم اليوم حل المشاكل الاقتصادية، والإضرابات التي تشل البلد، على رأسها المرتبطة بالاتصالات، هناك ملفات كثيرة تقتضي البحث الجدي، ولا وقت للمناكفات، الحكومة قائمة، ومستمرة بالعمل”.

في السياق، يقول عضو كتلة “اللقاء الديمقراطي” (يرأسها تيمور وليد جنبلاط)، النائب بلال عبد الله، لـ “العربي الجديد”، إن “هناك مبالغة في الموضوع الحكومي. التفكير الأساسي يجب أن ينصبّ على رئاسة الجمهورية، إلّا في حال كانت هناك نوايا لتطيير الاستحقاق، وهذا بحد ذاته انتحار للبلد”، مؤكداً أنّ “الطبيعي أن ننتخب رئيساً للجمهورية، لا أن نتسلّى”.

ويحذر عبد الله من أن “تعطيل وتأجيل الاستحقاق الرئاسي من شأنهما تدمير ما تبقى من هيكل الدولة ومؤسساتها، في ظل الخنقة الاقتصادية والمعيشية”.

وحول الدور الذي يلعبه جنبلاط إلى جانب بري لتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة وتقريب المسافات بين عون وميقاتي، يؤكد عبد الله “أننا كنا مسهلين للعملية، وعبرنا صراحة عن عدم مطالبتنا بأي حقيبة وزارية، ونحن نرى اليوم أن الأهم انتخاب رئيس جديد للجمهورية والابتعاد عن كل الاجتهادات والنظريات والجدل الدستوري الحاصل حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال”.

رسائل مبطنة ولبنان ينتظر

هذه الأحداث ينظر إليها مصدر مقرب من الرئيس عون على أنها “رسالة واضحة بأن ميقاتي لا يريد تشكيل حكومة جديدة، ولا ينوي التأليف، وهذا واضح من خلال التشكيلة الوزارية التي قدّمها لرئيس الجمهورية، والذي يعرف سلفاً أنها لن تلقى قبولا، كما وإصراره على موقفه في بعض الوزارات ولا سيما المهجرين والاقتصاد”.

لبنان يخوض تحديات متواصلة منذ الانتخابات الأخيرة في أيار/ مايو الماضي، نتيجة عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، يضاف لها عدم الاتفاق بعد على رئيس جديد للجمهورية، مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وضرورة انتخاب بديل له قبل نهاية المهل الدستورية.

ولا تفصل البلاد سوى أيام معدودة عن موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ لأن ولاية الرئيس الحالي تنتهي مع نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وحينها ستدخل البلاد في فراغ بمنصب الرئاسة ما لم يتم اختيار رئيس جديد للبنان.

كما أن تحدي اختيار رئيس جديد للبلاد، يرافقه وجود تحدي تشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة تصريف الأعمال، التي يترأسها نجيب ميقاتي، المكلف بتشكيل حكومة جديدة في أواخر حزيران/ يونيو المنصرم، لكنه لم ينجح بعد بتشكيلها، نتيجة الصراعات السياسية على شكل الكابينة الوزارية.

تكمن ضراوة الخلافات على تشكيل حكومة جديدة بين المكلف ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي يطالب بتوسعة الكابينة الوزارية لتشمل 30 وزيرا بدلا من 24 وزيرا، في وقت يرفض ميقاتي تلك التوسعة.

اقرأ/ي أيضا: رفض طرح الشغور الرئاسي في لبنان

لبنان وصراع الرئاسات

مع أزمة الحكومة المقبلة، لا تقل أزمة رئاسة الجمهورية الحالية عن حدتها؛ بسبب عدم الاتفاق على مرشح توافقي للرئاسة، خصوصا مع تعدد الأسماء المطروحة، آخرها ترشح سفيرة لبنان السابقة لدى الأردن، ترايسي شمعون، حفيدة الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون، للسباق الرئاسي.

وتتوزّع الرئاسات الثلاث في لبنان على قاعدة طائفية، عبر منح رئاسة الجمهورية للموارنة من المسيحيين، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة.

وانتخب الرئيس الحالي ميشال عون في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 رئيسا للجمهورية بعد عامين ونصف من شغور المنصب، بدعم من “حزب الله”، القوة السياسية والعسكرية النافذة في البلاد، في إطار تسوية سياسية بين أبرز زعماء الطوائف.

ومن شأن الوضع في لبنان الغارق منذ 3 سنوات في انهيار اقتصادي غير مسبوق، أن يتدهور أكثر في حال حصول شغور في منصب رئاسة الجمهورية مجددا، كون ذلك سيزيد من شلل المؤسسات الرسمية المنهكة أساسا.

اقرأ/ي أيضا: الدولار الأميركي يشعل أسعار المحروقات في لبنان

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.