يبدو أن الواقع السياسي في لبنان لا يبشر بخير في الأيام المقبلة؛ بدليل أن نخب البلاد السياسية باتت تناقش مسألة طرح الشغور الرئاسي بعد نهابة الرئيس ميشال عون، بدل أن تسعى لانتخاب رئيس جمهورية جديد خلفا لعون.

المناقشة هو حول من سيشغل المنصب بعد نهاية المدة الدستورية له في حال لم يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد، والاختلاف هو ما إذا كان عون نفسه يشغل المنصب آم رئيس ااحكومة نجيب ميقاتي، في وقت لا وجود لحكومة جديدة أصلا من الأساس.

وفق الدستور اللبناني، يتولى رئيس الحكومة مهام منصب رئيس الجمهورية في حال شغوره بعد نهاية ولاية الرئيس، إن لم يتم انتخاب أي شخص خلفا له، لكن الدستور لم يعالج قضية إن كان من حق رئيس حكومة تصريف الأعمال شغل المنصب من عدمه، وهنا يكمن النزاع الحالي.

وسط تلك النقاشات، رفض البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي، في قداس اليوم الأحد، طرح شغور منصب رئاسة ااجمهورية جملة وتفصيلا، فماذا قال الراعي في القداس؟

البطريركية ضد المساومات

الراعي دان بشدة، “محاولة جعلِ الآليات الديمقراطية ضد المؤسّسات الديمقراطية، وتحويل الأنظمة التي صنعت لتأمين انبثاق السلطة وتداولها بشكل طبيعيّ وسلميّ ودستوريّ إلى أدوات تعطيل”.

وقال الراعي: “باتت المسألة اليوم، وبكل اسف من يتولى مسؤولية الفراغ أو الشغور الرئاسيّ؟ أرئيس الجمهوريّة الذي شارف عهده على النهاية، أم الحكومة المستقيلة؟ نحن نعتبر أن تعمّد الشغور الرئاسي مؤآمرة على ما يمثّل منصب الرئاسة في الجمهوريّة، بل هو خيانة بحق لبنان، هذه الواحة الوطنية للحوار وتلاقي الأديان والحضارات في هذا الشرق العربي”.

كما أكد البطريرك الماروني في القداس، أن طرح الشغور الرئاسيّ أمر مرفوض من أساسه، فانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستوريّة هو “المطلب الأوحد”، بحسب تعبيره.

وتابع بقوله إن: “التلاعب برئاسةِ الجمهوريةِ هو تلاعب بالجمهورية نفسها، وحذار فتح هذا الباب. إن البطريركية المارونية المعنية مباشرة بهذا الاستحقاق وبكل استحقاقٍ يتوقف عليه مصيرُ لبنان، تدعو الجميع إلى الكف عن المغامرات والمساومات وعن اعتبارِ رئاسة الجمهورية ريشة في مهب الريح تتقاذفها الأهواء السياسية والطائفية والمذهبية كما تشاء”.

الراعي أوضح، أن رئاسة الجمهوريةَ هي عمود البناءِ الأساس الثابت الذي عليه تقوم دولة لبنان. وإذا تم العبث في هذا العمود، فكل البناء يسقط.

وأشار إلى أن البطريركية المارونية، تحافظ على الأمل بـحصول صَحوةٍ وطنيّةٍ لدى الأحزابِ والكتلِ النيابيةِ، فتبادر إلى فِعلِ الانتخابِ “وتَقي نفسها عار التاريخِ والمستقبلِ ونقمةَ الأجيالِ”.

تحدي الرئاسة والحكومة

لبنان يخوض تحديات متواصلة منذ الانتخابات الأخيرة في أيار/ مايو الماضي، نتيجة عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، يضاف لها عدم الاتفاق بعد على رئيس جديد للجمهورية، مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وضرورة انتخاب بديل له قبل نهاية المهل الدستورية.

ولا تفصل البلاد سوى أيام معدودة عن موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ لأن ولاية الرئيس الحالي تنتهي مع نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وحينها ستدخل البلاد في فراغ بمنصب الرئاسة ما لم يتم اختيار رئيس جديد للبنان.

https://twitter.com/sakher_yaarob/status/1566047075825074177?t=b11ipvPZkexN6wFkUV1ywQ&s=19

كما أن تحدي اختيار رئيس جديد للبلاد، يرافقه وجود تحدي تشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة تصريف الأعمال، التي يترأسها نجيب ميقاتي، المكلف بتشكيل حكومة جديدة في أواخر حزيران/ يونيو المنصرم، لكنه لم ينجح بعد بتشكيلها، نتيجة الصراعات السياسية على شكل الكابينة الوزارية.

تكمن ضراوة الخلافات على تشكيل حكومة جديدة بين المكلف ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي يطالب بتوسعة الكابينة الوزارية لتشمل 30 وزيرا بدلا من 24 وزيرا، في وقت يرفض ميقاتي تلك التوسعة.

مع أزمة الحكومة المقبلة، لا تقل أزمة رئاسة الجمهورية الحالية عن حدتها؛ بسبب عدم الاتفاق على مرشح توافقي للرئاسة، خصوصا مع تعدد الأسماء المطروحة، آخرها ترشح سفيرة لبنان السابقة لدى الأردن، ترايسي شمعون، حفيدة الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون، للسباق الرئاسي.

ويخوض رئيس “التيار الوطني الحر” اللبناني، جبران باسيل، في الخفاء والعلن معركة التوريث الرئاسية التي تقف على أعتابها لبنان، ويصارع لتوزيره أيضا؛ في حال فشله بالوصول لقصر بعبدا.

باسيل وفرنجية

باسيل متزوج من شانتال ابنة الرئيس اللبناني الحالي عون، الذي يسعى لتذليل العقبات أمام صهره لقبول الأحزاب الحليفة تزكيته للمنصب المخصص للمسيحيين المارونيين.

كذلك يتم طرح اسم رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، كمرشح لرئاسة الجمهورية المقبلة، خاصة وأن رئيس “حركة أمل” نبيه بري، عبر عن دعمه لفرنجية في انتخابات 2016، قبل أن يحسم “حزب الله” الأمر لصالح عون، إلا أن محللين يؤكدون أن هذا السيناريو لن يعاد في الانتخابات الرئاسية المرتقبة لصالح جبران باسيل.

وفي انتخابات 2016، انتخب “حزب الله” ميشال عون رغم أن حليفته الشيعية “حركة أمل” رفضته ودفعت باتجاه انتخاب فرنجية رئيسا للبنان، لكن “حزب الله” استطاع في نهاية المطاف تمرير رؤيته للشخص الأقدر على تأمين مصالحه في ذلك الوقت.

وتتوزّع الرئاسات الثلاث في لبنان على قاعدة طائفية، عبر منح رئاسة الجمهورية للموارنة من المسيحيين، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة.

وانتخب الرئيس الحالي ميشال عون في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 رئيسا للجمهورية بعد عامين ونصف من شغور المنصب، بدعم من “حزب الله”، القوة السياسية والعسكرية النافذة في البلاد، في إطار تسوية سياسية بين أبرز زعماء الطوائف.

ومن شأن الوضع في لبنان الغارق منذ 3 سنوات في انهيار اقتصادي غير مسبوق، أن يتدهور أكثر في حال حصول شغور في منصب رئاسة الجمهورية مجددا، كون ذلك سيزيد من شلل المؤسسات الرسمية المنهكة أساسا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.