قوى التغيير اللبنانية تبادر بشأن أزمة رئيس الجمهورية وتهدد باللجوء للشارع

في الوقت الذي تستمر فيه مشكلة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان تمثل عقبة كبيرة لتجاوز أزمة البلاد السياسية، قدم تكتل نواب “قوى التغيير”، ما اسموه بالـ “المبادرة الرئاسية الإنقاذية” حول استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية المقبل.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده النواب للحديث حول المبادرة، وحضره مراسل موقع “الحل نت”، في “بيت بيروت”، وقالوا: “إننا نواب قوى التغيير​، انتخبنا الناس في أيار 2022، كنواب عن الأمة، فتكتلنا ضمن تكتل، وصممنا أن نقارب الشأن العام بطريقة مختلفة منتجة لنخرج الناس والوطن من هذه المشهدية الأبوكاليبتية”.

وأضافوا “نحن مواطنون- كسائر المواطنين- غاضبون مقهورون معذبون؛ نسمع أنين ووجع اللبنانيين؛ ونشعر بهدير انتفاضتهم وثورتهم، وقد وصل صراخ وجعهم الى كل أصقاع الأرض، بعدما نهبت أرزاقهم وأموالهم ومدخراتهم، وبعدما أوصلتنا المنظومة السياسية الحاكمة إلى تحطيم سيادة الدولة على ذاتها وعلى قراراتها، لا سيما في مسألة الحرب والسلم، وإلى تدمير مؤسساتها وإلى استباحة القانون وتمريغ القضاء وقيام دويلات ضمن الدولة، واغتيال علاقاتها بعالمها العربي والأجنبي وزج لبنان في المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، وكل ما نشهده من أزمات قيمية معيارية سياسية اقتصادية مالية اجتماعية معيشية صحية وبيئية غير مسبوقة في تاريخ البلاد حتى في زمن الحرب الأهلية البغيضة”.

“لقد أصبح لبنان دولة بوليسية أمنية منتهِكة لكل أنواع حقوق الإنسان وممتهِنة لكل أنواع الترهيب والتخويف والوعيد؛ وتعطل عمل القضاء واستبيحت العدالة وتحوَلت أروقة قصور العدل والمحاكم الى مذبحة لاستقلالية القضاء والى مهزلة الانحراف في تطبيق القوانين والاستنكاف عن إحقاق الحقوق، ومُنع كشف الحقيقة في أكبر عملية تفجير شبه نووية استهدفت العاصمة ومرفأها وبيوتها وأهلها وحياتها”، تابع النواب.

وأشاروا إلى أنه “لقد استهدفت أساليب المنظومة الحاكمة لكل ركائز لبنان، وهذا يضعنا أمام خيار تاريخي في إعادة تكوين السلطة من طريق استرداد الدولة، بعد الانتخابات النيابية التي جرت على أساس قانون مليء بالشوائب والعلل، لكنها حملت نوابا إلى المجلس يصلون إلى الندوة النيابية بطريقة ديموقراطية تمثل الوجدان الجمعي، وهي تجربة غير مسبوقة في تاريخ لبنان منذ الاستقلال، إلا أن هذا لا يكفي”.

نواب التغيير أكدوا، أن “الخطوة الكبرى الفاصلة الحاسمة التغييرية هي في الاستحقاق الرئاسي المقبل؛ بانتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية على قدر آمال وتطلعات اللبنانيات واللبنانيين”، مبينين أن “مسار التغيير يبدأ من هنا، ومن خلال هذا الرئيس الجديد نبدأ صفحة جديدة وننطلق معه في استرداد الدولة بمفاهيمها الواسعة، وإن هذا الاستحقاق يرتب علينا- كنواب تغييرين-ا لمسؤولية الجمة، لمواكبة هذا الاستحقاق بشكل حثيث وبكل تفاصيله ومراحله”.

أما في المقاربة، فشددوا على ضرورة أن “يتحول هذا الاستحقاق، من كونه لحظة تسويات بين أطراف السلطة، إلى مناسبة للتفكير في أي بلد نريد وكيف نريده، ومحطة من محطات حماية الجمهورية استعادة الدولة، ومناسبة للنواب أن يختاروا رئيسا في ظل فرصة جدية هذه المرة لاختيار رئيس بناء لإرادة الناس وتقليص دور القوى الإقليمية كما جرت العادة في الاستحقاقات الماضية”.

اقرأ/ي أيضا: لبنان والعراق ضمنها.. اضطرابات مرتقبة بـ100 دولة

مفصلا تاريخيا

فيما تابعوا: “لقد شكلت لحظة 17 تشرين الأول مفصلا تاريخيا في الحياة السياسية اللبنانية وأحدثت تحولات كبيرة في الحياة الاجتماعية أيضا في الاجتماع السياسي اللبناني وأطلقت العنان للخيال السياسي والحق في الحلم، وأصبح الجيل القادم في لبنان يمتلك حيوية وسلم قيم مختلفا عمن سبقه”، مشيرين إلى أنه “ثمة حل وطني واحدٌ لا مفر من التوصل إلى عقلنته، هذا الحل يحتاج إلى حماية مطلقة، بتضافر جهود العقلانيين من كل صوب، وبتخلي جميع الأطراف عن المشاريع الفئوية أو الاستئثاريّة. إذا أردنا خلاص لبنان، فليس علينا إلإ بكتاب الدستور، وبتطبيقه وفق معاييره وآلياته”.

واستدركوا، أنه “ليس هناك حل آخر للبنان سوى هذا الحل من خلال تطبيق الدستور، وبه، للخروج من قعر الهاوية الأخلاقية والوطنية والسياسية والقانونية والوجودية والاقتصادية والمعيشية، هاوية احتقار الكرامة والسيادة والاستقلال والقانون والحق والعدل والحرية والديموقراطية والاستقامة، لا أحد، لا فريق، لا جهة يستطيع-تستطيع أن يمتلك-تمتلك لبنان، وأن يضع-تضع يده-يدها عليه”.

 بناء عليه “تقوم مكاشفتنا هذه على رفض الاستمرار في هذه المغامرة الماجنة، مغامرة امتلاك لبنان ووضع اليد عليه. كما تقوم على رفض منطق الاصطفاف الأرعن، ورفض أن نكون رقمًا إضافيًّا في هذه المعادلة الظلاميّة النكراء، التي لن تفضي في أيّ حالٍ من الأحوال إلّا إلى مفاقمة الهول الأعظم وصولًا إلى التحلّل والزوال والاندثار”.

وردفوا أنه “كي لا تبقى هذه المبادرة حبرا على ورق، يطرح السؤال الآتي: كيف تتبلور هذه المبادرة وتعبر عن ذاتها عشية الاستحقاق الرئاسي الذي يكتنفه الغموض، وتزرع في طريقه الألغام الشتى، من خلال تفاقم الاصطفافات، وتأجج المواقف المتناحرة، والشروط والشروط المضادة”.

واستطردوا “نحن مشروع سياسي جديد، مشروعنا، مشروع الكتلة التاريخية العابرة للاصطفافات ​الطائفية والمناطقية والزبائنية، ومقاربتنا تستند، أولا، إلى مكاشفة الآخرين-كلّ الآخرين- بالواقع الذي سردناه، مهما كان قاسيا الكلام مع هؤلاء، ثانيا، الى الانفتاح عليهم ومد اليد لهم توصلا لانتخاب رئيس للجمهورية وفقا لمعايير دستورية لا حياد عنها، ضمن المهل الدستورية”.

واعتبروا أن “المعادلة بسيطة: تفاديا لأي فراغ، واستباقا له، تفرض المسؤولية الوطنية علينا جميعا أن يكون هذا الانتخاب لبنانيا بحتا، تأمينا برئيس يؤمن بالدولة، بالدستور، بالقانون، ويكون فوق الأحزاب والأطراف، فوق الاصطفاف، فوق الغلبة، فوق الفئوية، فوق الاستئثار، فوق المصادرة والتبعية، متحررا من كل التزامٍ مسبق سوى قسمه، واعيا التناقضات والتنوعات والاختلافات والصراعات الداخلية والخارجية، ملتزما كتاب الدستور، متسلحا بثقافة القانون، متحصنا بالعقل والحكمة، وواعيا انتماء لبنان العربي، وعلاقاته الجوهرية مع  الدول العربية  وإيمانه المطلق بالقضية الفلسطينية، والتزاماته الدولية”.

نواب قوى التغيير، أضافوا أيضا: “بالإضافة إلى المعايير التي سنحددها أدناه، إذا لم يؤت برئيسٍ هذه صفاته ومواصفاته، فليعلم الجميع أن قطار الإنقاذ والخلاص، لا ينتظر أحدا، وأن التاريخ سيلعننا، وسيلعننا أبناؤنا وأحفادنا، والعالم كلّه، هذه الرؤية، هذه المقاربة، هذه المواصفات، ليست مستحيلة، بل هي أرض لبنانية مشتركة، يمكن أن يقف فوقها جميع المعنيين بخلاص لبنان”.

اقرأ/ي أيضا: لبنان مهدد بالانقطاع عن العالم.. ما القصة؟

مواصفات الرئيس

عن معايير الرئيس، لفن النواب إلى أنه “عرف الدستور اللبناني رئيس الجمهورية اللبنانية بصفته رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وهو يتمتع بدور مركزي في السلطة الإجرائية، لا سيما في مسار  تشكيل الحكومة​، إذ إنه يوقع مرسوم تسمية رئيس الوزراء المكلف، والأهم يوقع مع رئيس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة، كما وله أن يطلب إعادة النظر في قانون أقره مجلس النواب، ويعود له أن يطعن في القانون لمخالفته الدستور أمام المجلس الدستوري، ويحق له الطلب من مجلس الوزراء إعادة النظر في مقررات اتخذها سابقا، كما يحق له توجيه رسائل إلى مجلس النواب عندما تقتضي الضرورة ليتوجه عبره إلى الرأي العام اللبناني”.

وشددوا على أنه “انطلاقا من أهمية هذا الموقع، ان البلاد بأمس الحاجة الى رئيس يكون عن حق رمزا لوحدة الوطن في ظل الظروف الصعبة التي نمر فيها وخارج الانقسامات السياسية والحزبية، يحافظ على استقلال وسيادة لبنان، داخليا وخارجيا، ووحدته وسلامة أراضيه، مستقلا عن المحاور الإقليمية والاستقطابات الدولية من جهة، وقادرا على أن يستعيد موقع لبنان الخارجي؛ يؤمن بضرورة تكريس دولة المواطنة بعيدا عن الطائفية، تكون مسؤولة عن كل مواطنيها تحميهم وتدافع عنهم، تمارس عبر مؤسساتها الدستورية سيادتها الفاعلة وسلطتها الحازمة بعدالة على كامل أراضيها وتصون حدودها بكل المعايير الوطنية، وتمتلك السلطة العليا المطلقة على أرضها ومؤسساتها وخياراتها ومواقفها”.

وعن المبادرة، اعتبر النواب أنه “لأننا نرفض أن نوضع بين فكي الخيار السيئ من جهة وشبح الفراغ من جهة أخرى، حان الوقت لأن نثبت قدرة اللبنانيين على العمل معا، وأن التغيير يحتاج إلى رؤية، وإلى تخطيط، والى قوى مجتمعية مؤمنة بقدرة المجتمع على صناعة البديل، ومنحازة للتغيير، هنالك فرصة جدية اليوم من أجل انتخاب الرئيس الذي يستحقه الشعب اللبناني في هذه المرحلة، وبناء عليه، نؤكد التزامنا بالرؤية والمقاربة والمعايير التي حددتها هذه المبادرة”.

وأكدوا أنه “من أجل ذلك، سوف نبدأ بعقد سلسلة من المشاورات الشعبية والسياسية لعرض هذه المبادرة، في لبنان وفي الاغتراب، بدءا بالأحزاب والمجموعات والشخصيات التي تؤمن بمرجعية 17 تشرين، وصولا إلى كافة القوى، بهدف الوصول إلى اتفاق على اسم الشخصية الإنقاذية التي تتوافر فيها المعايير والشروط المطلوبة، وتحظى بأوسع دعم نيابي ممكن، وبالتالي تحظى بفرصة جدية للوصول الى سدة الرئاسة وإنقاذ الدولة والوطن والناس، ونحن على أتم الاستعداد للتواصل مع الشخصيات التي تتوافق مع المعايير والأهداف التي حددتها هذه المبادرة”، مشيرين إلى أنه “سنقيم مؤتمرا صحافيا آخر بعد فترة، لمفاتحة الناس بنتيجة المشاورات التي سنجريها مع جميع الفرقاء، وبما حققناه من خلال هذه المبادرة”.

وأشار نواب قوى التغيير، إلى أن ” المبادرة تبقى قائمة وعملانية حتى اليوم ما قبل العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، أي حتى ليل يوم 20/10/2022 وفي حال انقضاء هذه المهلة من دون انتخاب رئيس للجمهورية وفاقا لمندرجات هذه المبادرة، سنلجأ لوسائل الضغط الشعبية المشروعة بكل أشكالها وأساليبها، ابتداء من صباح 21/10/2022 توصلا لفرض انتخاب رئيس الجمهورية المنشود وفاقا لمضمون هذه المبادرة، وقبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي في 31/10/2022، على أن يعلن عن مواقف وخطوات محددة، كلما دعت الحاجة لذلك”.

نواب قوى التغيير ختموا بالقول: “إننا واثقون كقوى تغيير بأن هذه المبادرة موضوعية وواقعية، وليس من سبب يحول دون إجماع كل القوى حولها، مبادرتنا هذه لا يستطيع أن يرفضها حتى أكثر الجهات تطرفا أو فئوية من هذه الجهة أو تلك، وكل رفضٍ لها، هو رصاصة في رأس لبنان، فليفكروا فيها جيدا، وليفككوها بندا بندا وفكرة فكرة وجملة جملة، قبل إطلاق العنان لردود فعل متسرعة، وعندما يحين الموعد، موعد اقتراح أسماء المرشحين الذين تتلاءم مواصفاتهم مع مضامين هذه المبادرة، فإننا لن نتأخر عن إعلان هذه الأسماء، كما إن مصلحة لبنان الوطنية العليا لن تبخل علينا بمثل هذه الأسماء”.

حيثيات الأزمة

يخوض لبنان تحديات متواصلة منذ الانتخابات الأخيرة في أيار/مايو الماضي، نتيجة عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، يضاف لها عدم الاتفاق بعد على رئيس جديد للجمهورية، مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وضرورة انتخاب بديل له قبل نهاية المهل الدستورية.

ولا تفصل البلاد سوى أيام معدودة عن موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ لأن ولاية الرئيس الحالي تنتهي مع نهاية تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وحينها ستدخل البلاد في فراغ بمنصب الرئاسة ما لم يتم اختيار رئيس جديد للبنان.

كما أن تحدي اختيار رئيس جديد للبلاد، يرافقه وجود تحدي تشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة تصريف الأعمال، التي يترأسها نجيب ميقاتي، المكلف بتشكيل حكومة جديدة في أواخر حزيران/ يونيو المنصرم، لكنه لم ينجح بعد بتشكيلها، نتيجة الصراعات السياسية على شكل الكابينة الوزارية.

وتكمن ضراوة الخلافات على تشكيل حكومة جديدة بين المكلف ميقاتي وجبران باسيل، الذي يطالب بتوسعة الكابينة الوزارية لتشمل 30 وزيرا بدلا من 26 وزيرا، في وقت يرفض ميقاتي تلك التوسعة.

مع أزمة الحكومة المقبلة، لا تقل أزمة رئاسة الجمهورية الحالية عن حدتها؛ بسبب عدم الاتفاق على مرشح توافقي للرئاسة، ومع تعدد الأسماء المطروحة، آخرها ترشح سفيرة لبنان السابقة لدى الأردن، ترايسي شمعون، حفيدة الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون، للسباق الرئاسي.

وتتوزّع الرئاسات الثلاث في لبنان على قاعدة طائفية، عبر منح رئاسة الجمهورية للموارنة من المسيحيين، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة.

وانتخب الرئيس الحالي ميشال عون في تشرين الأول/أكتوبر 2016 رئيسا للجمهورية بعد عامين ونصف من شغور المنصب، بدعم من “حزب الله”، القوة السياسية والعسكرية النافذة في البلاد، في إطار تسوية سياسية بين أبرز زعماء الطوائف.

ومن شأن الوضع في لبنان الغارق منذ 3 سنوات في انهيار اقتصادي غير مسبوق، أن يتدهور أكثر في حال حصول شغور في منصب رئاسة الجمهورية مجددا، كون ذلك سيزيد من شلل المؤسسات الرسمية المنهكة أساسا.

اقرأ/ي أيضا: تحديات مختلفة في لبنان.. تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.