المشاكل الاجتماعية، ولا سيما الزوجية منها، كانت أبرز أوجه الحرب السورية، نتيجة تدهور الواقع الاقتصادي وتدني مستوى الرواتب والمداخيل، فضلا عن رداءة الأوضاع الخدمية والأمنية في البلاد بشكل عام. لكن، المسبب الأول لتزايد الخلافات الزوجية، بالإضافة إلى حوادث العنف وارتفاع معدل الطلاق خلال العامين الماضيين، هو تدهور الأحوال المعيشية، والانخفاض “الهائل” في قيمة الرواتب.

تفكك المجتمع

تواجه العلاقات الزوجية تحديات كبيرة في ظل نقص الدخول والتضخم الكبير الناتج عن الوضع الاقتصادي الصعب، إذ يتطلب التكيف مع الوضع الاقتصادي لعائلة من 4 أشخاص دخلا شهريا لا يقل عن مليون و500 ألف ليرة سورية، ما يتطلب العمل في أكثر من وظيفة، هذا إن وجدت.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور، مطيع أبو مرة، إن آثار الوضع الاقتصادي واضحة على الوضع العائلي سواء بالنسبة للأسر القائمة، أو لمشاريع الزواج التي يفشل معظمها بسبب ارتفاع التكاليف المرتبطة بالزواج، بحسب ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

كما وأن الوضع المعيشي المتردي بات سببا رئيسيا للخلافات العائلية التي قد تؤدي أحيانا لتفكك العائلة، أو اضطرار رب الأسرة إلى البحث عن أكثر من مصدر للدخل وبذلك لا يتوفر له الوقت الكافي للاهتمام بالعائلة، وتلبية احتياجاتها الاجتماعية.

إضافة إلى ما ذُكر، فقد انعدمت الزيارات الاجتماعية بسبب ارتفاع تكاليفها، التي كانت تشكل متنفسا لتخفيف الهموم، وللترفيه أحيانا أخرى، وفق تقرير الصحيفة المحلية.

بدورها، قالت الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة، سمر علي، إن غلاء المعيشة يضع الأسرة في مهب النزاعات التي تتطلب المواجهة، وتتأثر الحياة الزوجية وتتراكم الضغوط والقلق، وعدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية في ظل عدم القدرة على مواجهة التحديات بصبر ووعي من الزوجين، وتتفاقم الخلافات لتصل إلى الانفصال.

وأكدت علي، أن للأطفال نصيبا كبيرا في المشكلات الاقتصادية للأسرة، وأوضحت أن غياب الأب والأم لفترة طويلة قد يسبب مشكلات تربوية، ونفسية وضعف العلاقة الوالدية، كما يعرض العائلة للصراعات، خاصة في مرحلة المراهقة التي تتطلب تقرب الأهل من أبنائهم.

ولفتت علي أيضا، إلى أن الأزمات المالية قد تدفع الأسرة إلى إرسال أبنائها للعمل في سن مبكرة (عمالة الأطفال)، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على حياة الأطفال ودراستهم ونموهم البدني وحالتهم النفسية، ويجعلهم عرضة لمواجهة ظروف قاسية لا تناسب أعمارهم.

قد يهمك:  ظاهرة زواج القاصرات ترتفع إلى الضعف في سوريا

العزوف عن الزواج

من ناحية أخرى، ونتيجة للظروف المعيشية الصعبة، الأمر الذي يدفع الشباب إلى الامتناع عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية، والتي من المفترض أن تمكنهم من الحصول على فرص عمل لائقة وتزويدهم بدخل كافٍ للمعيشة، إلا أن التضخم المرتفع والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل الرواتب والأجور أدى إلى فجوة كبيرة يصعب التغلب عليها، بحسب قول الخبير الاقتصادي مطيع أبو مرة.

وفي إطار الحلول، أكد الخبير الاقتصادي أنه لا توجد حلول سحرية يمكن أن تتغلب على هذه المشكلة دون آثار جانبية، خاصة وأن المشكلة معقدة إلى حد ما، حيث أن أحد الحلول، هو زيادة الرواتب من قِبل الحكومة السورية.

ولكن زيادة الرواتب يعني ضخ كتلة نقدية إضافية لشريحة متعطشة للإنفاق، وبالتالي مزيد من الطلب على السلع والخدمات، وبالنتيجة ارتفاع جديد بالأسعار وتآكل في القوة الشرائية لليرة السورية، وفشل الهدف المطلوب من زيادة الرواتب.

ووفق تقدير الخبير أبو مرة، فإن الحل يكمن في برنامج اقتصادي غير تقليدي يقوم بالدرجة الأولى على إصلاح نظام الرواتب والأجور، وتأمين فرص عمل لائقة تلغي البطالة المقنعة، وتؤمن مصدر دخل كاف للمواطنين، وتسهم في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال برامج توظيف يتيح وصول الشخص المناسب إلى المكان المناسب مع نظام حوافز وترقية نوعي مرتبط بالإنتاجية، أو بمعايير أداء مثالية وعادلة، إلى جانب محاربة الفساد، على حد تعبيره للصحيفة المحلية.

وضمن هذا الإطار، رأى العديد من الأهالي في تصريحات صحفية سابقة، أن مسألة تقديم الذهب في مناسبات الزواج، تُعد نسبية وتختلف من بيئة لأخرى وتخضع للظروف المادية للعريس، وأن قيمة الذهب كثرت أم قلت لن تجلب معها السعادة.

وأضافوا، “في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة صار الزواج عبئا على الكثير من الشباب الذين لم يعودوا قادرين على مجاراة ارتفاع الأسعار”.

قد يهمك: “الشراء على قد الجيبة“.. من الحبة إلى الغلوة!

غياب السعادة والفرح

بحسب الاختصاصيين الاجتماعيين، نتيجة الوضع الاقتصادي المأزوم وعدم قدرة الرجل على تحمّل تكاليف معيشة أسرته، أن “هذا الحال ينعكس على الترابط الأسري أيضا، لأن الثقافة السائدة تفرض على الرجل أن يتحمل مسؤولية تأمين المصاريف، ولأنه يعجز عن ذلك تشعر الزوجة في الغالب بعدم الرضى عن الحياة معه. فضلا عن الضغوط الاقتصادية التي جعلت اللغة السائدة بين الزوجين هي لغة الصراخ بعد غياب الحوار، وهذا أيضا تسبب في رفع نسبة المشاكل الاجتماعية.

كذلك، غياب حالات الفرح، والعيش في الهم اليومي، بسبب الخشية من زيادة المصاريف المعيشية، مما يجعل الأسرة ملازمة دائما للمنزل، تجلس في العتمة بالتزامن مع انقطاع الكهرباء الطويل، ما يسبب ظلمة في القلوب، ويحول الحياة إلى انتظار دائم، وفي بعض الأحيان تصل الأضرار إلى المعايير الأخلاقية، وتجاوز الخطوط الحمر، بحسب اخصائيين اجتماعيين.

وعلى الرغم من أن المشكلات الاجتماعية من الحالات البديهية في أي مجتمع، إلا أن العامل الاقتصادي له دور رئيسي في إثارة هذه المشكلات وتفاقمها، إضافة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية، حيث ينتج عنها مواقف عدوانية، أو غير أخلاقية في السلوك الاجتماعي للفرد، وهو النتيجة المتوقعة التي تؤكد حجم الضغوط والأزمات التي يمر بها المجتمع سوري كَـكُل.

قد يهمك: تخفيفاً لأعباء الزواج.. هل يختفي “المهر” من المجتمع السوري؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.