“خمس حبات من الموز بسعر 10 آلاف” هي الحصة التي اشتراها سامر الحكيم، من سوق الخضار والفواكه، وذلك بعد انتشار ظاهرة الشراء بـ“الحبة” للفاكهة، بسبب الارتفاعات المتكررة في الأسعار خلال السنوات الماضية، فضلا عن ضعف القدرة الشرائية للسوريين.

الفاكهة بالحبة

الموز والتفاح وغيرهما من أصناف الفاكهة، أصبح من المعتاد لدى الباعة في الأسواق، بيعها بـ“الحبة“، ليصل الأمر في بعض الأحيان إلى أنواع الخضار أيضا كالليمون، فأسعار تلك المواد تجاوزت قدرة السوريين، الذين عادة يشترونها بـ“الكيلو“.

يؤكد سامر الحكيم (أب في عائلة مكونة من خمسة أفراد يعيش في دمشق)، أن شراء الخضار والفاكهة أصبح يشكل عبئا اقتصاديا إضافيا على دخله المحدود، فهو يعمل كسائق لسيارة أجرة في دمشق.

ويقول الحكيم، في حديث مع “الحل نت“: “في السابق لم نكن نفكر في أسعار الخضار، فأسعارها كانت تتناسب إلى حد ما مع الدخل، لكن الآن يتوجب عليك تخصيص مبلغ شهري لاستهلاك الخضار، مع المحافظة على استهلاك هذه المواد بأدنى كمية ممكنة، لذلك نضطر في كثير من الأحيان، لشراء الليمون ومختلف أنواع الفاكهة بالحبة“.

الشراء بكميات محدودة، ظاهرة لم يعتد عليها السوريون، لا سيما أنها تجاوز الفاكهة والخضار، لتصل أيضا إلى مختلف السلع الاستهلاكية كالزيوت والسكر والقهوة والشاي، وغيرها من المواد الغذائية.

رئيس لجنة سوق البزورية في دمشق، محمد نذير السيد حسن، وصف واقع المستهلك السوري بـ“المزري والمهترئ“، وقال: “بل أكثر من ذلك فالوضع صعب ولا يمكن مقارنة المرحلة الحالية بأي مرحلة سابقة“.

قد يهمك: الضرائب تسحب ما تبقى في جيوب السوريين

وأوضح السيد حسن، في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية الأربعاء، أن: “المستهلك لا يملك النقود الكافية، في وقت ترتفع فيه أسعار مختلف المواد، فالسكر كمادة غير متوفر، وإن توفر فسعره يتجاوز أربعة آلاف، في السوق وحتى يصل للمستهلك يبلغ سعره أكثر من خمسة آلاف، أي إن السعر أعلى من إمكانات المستهلك بما يقارب عشر مرات، وكذلك الزيت والسمنة وحتى البرغل فكل أسعار السوق مرتفعة، وبعضها تضاعفت أسعارها مرات ومرات ليست بقدرة المستهلك”

ويؤكد السيد حسن، أن انتشار ظاهرة الشراء بالحبة والأوقية من المواد الاستهلاكية، تدل على صعوبة الواقع الاستهلاكي التي وصل إليها المواطن السوري.

ولفت حسن، إلى أن هذه الظاهرة، تسببت بتراجع كميات الاستهلاك، ما يعني أن التّجار أصبحوا عاجزون عن تصريف بضائعهم بالشكل المعتاد، وحول ذلك أضاف: “البضاعة التي كان تاجر نصف الجملة قادرا على تصريفها في يومين أصبحت تبقى في محله 15 يوما، أي إن عمله قد نقص تقريبا إلى الثلثين، ومثله بائع المفرق الذي كان يشتري من سوق نصف الجملة بثلاثة، أو أربعة ملايين ليرة، لا يكاد حجم مشتريات الأغلبية يصل إلى المليون. لذا فإن نسبة التراجع في حركة السوق التجارية تتجاوز 50 بالمئة“.

وبحسب آخر التقارير المحلية التي تحدثت عن الأسعار، فقد وصل سعر كيس السكر وزن 50 كغ، إلى 207 آلاف ليرة، وبلغ سعر “تنكة” السمنة وزن 16 كغ، وسطيا 236 ألف ليرة، وسعر تنكة الزيت النباتي وزن 16 كغ، وسطيا 213 ألف ليرة، وبلغ سعر 10 كغ، برغل 53 ألف ليرة.

“القهوة بالغلوة”

“أمس أرسلت ابني لشراء 50 جرام من البن“، تقول لين بابلي، في إطار حديثها عن أسعار القهوة، التي أضحت من المشروبات الكمالية، يتم شراؤها في المناسبات وبالـ“الغلوة” بالنسبة للأسر محدودة الدخل.

وتضيف بابلي، في حديث مع “الحل نت“: “ارتفاع جنوني في أسعار البن خلال الفترة الأخيرة، لقد اضطررت إلى إلغاء القهوة كمشروب اعتيادي، وأصبحنا نشربها في أوقات معينة، ونشتريها بكميات محدودة، فقد تراوح سعر كيلو غرام البن، نوع روبستا، منشأ هندي، أو فيتنامي بين 16000 ليرة، و 17500 ليرة، من دون تحميص، والبن البرازيلي، حبة قياس 15- 16 وصل سعره إلى 24000 ليرة، بينما البن البرازيلي حبة قياس 17-18 تراوح سعره بين 28500 ليرة، و 30000 ليرة، وارتفع سعر البن الكولومبي الذي يعد من أنواع البن الفاخرة من 36500 ليرة، ليصل إلى 38000 ليرة“.

وبحسب تقرير سابق بـ“الحل نت“، فقد تراوح سعر الهيل بين 50 و 70 ألف ليرة، حسب نوع الحبة، وأن سعر أوقية القهوة تباع بما لا يقل عن 6 آلاف ليرة، و ترتفع إلى 6800 ليرة، إذا كانت تحتوي على الهيل.

وتسببت القرارات الحكومية، في تعميق الأزمات الاقتصادية للسوريين في مواجهة الصعوبات المعيشية، لا سيما بعد رفع أسعار المحروقات، التي انعكست على أسعار مختلف السلع والخدمات، فضلا عن رفع الدعم الحكومي عن المزيد من شرائح المجتمع، وزيادة الضرائب على مختلف الفعاليات التجارية.

رواتب لا تكفي

يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف.

وفضلا عن غلاء المواد، تنتشر البضائع والمواد المغشوشة والمهرّبة في الأسواق السورية، وسط غياب الرقابة الحكومية، وتحذيرات من مخاطرها على صحة المستهلكين، تزامنا مع ارتفاع مستوى خطر الأمن الغذائي في البلاد، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين أمام المواد الغذائية.

فشل حكومي

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على تنفيذ وعودها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية بأسعار معقولة، حيث فشلت وزارة التموين السورية، في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وذلك تزامنا مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد النفطية، والتكاليف التشغيلية على المنتجين، فضلا عن الانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية.

تقرير سابق لصحيفة “البعث” المحلية، تحدث قبل أيام عن آلية “المتسوق السري“، لمراقبة أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق، وذلك عوضا عن تسيير الدوريات التموينية، التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، سامر السوسي، أشار إلى وجود عوائق تواجه تطبيق آلية “المتسوق السري“، تكمن باعتمادها على عقود لفترات زمنية قصيرة، ومهمات محدودة للمراقبين المؤقتين لا تمكنهم من القيام فعليا بمهام الضابطة التموينية التي تحظى بسلطات الضابطة العدلية، على حد تعبيره.

ولفتت الصحيفة، إلى أن الآلية تخالف قانون وزارة التموين، “حيث تمت دراسة تطبيق هذه الطريقة سابقا وأخذ رأي الجهات القانونية، التي أشارت وقتها إلى أن حالة “المتسوق السري“، تندرج تحت بند استجرار المخالفة، وهو ما يعني التغرير بالبائع وإيهامه بطلب السلعة لتوقيع مخالفة عليه، الأمر المخالف قانونا” حسب مصدر في الوزارة.

كذلك تقف مشكلة البطالة كإحدى أكبر المشكلات التي يعاني منها السوريون وخاصة في السنوات الأخيرة، لتشمل أيضا المحافظات والمناطق الواقعة تحت إدارة حكومة دمشق، حيث كشفت تقارير اقتصادية سابقة عن تراجع معدل النمو في سوريا إلى معدلات قياسية، مع ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد إلى نحو 878 في المئة، ووصول معدل البطالة إلى 31.4 في المئة.

ونهاية أيار/مايو الماضي، كشف مدير “مكتب الإحصاء المركزي” السابق، شفيق عربش، أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 في المئة، بين عامي 2020 و2021، وفقا لإحصائيات رسمية لم تنشر نتائجها الحكومة السورية.

قد يهمك: بطالة وانعدام قيمة الليرة.. “الفقر في سوريا بكل مكان”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.