نتيجة لضعف دور هيئات الرقابة والتموين في ضبط الأسعار في الأسواق السورية وسياسة تسعير التموين التي تتبعها وزارة التجارة الداخلية السورية، التي لا تأخذ جميع التكاليف ولا سيما غير المرئية بعين الاعتبار، فقد تنامت ظاهرة الغش في الأسواق بشكل عام، بما في ذلك انتشار البضائع الرديئة والفاسدة، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن تباين الأسعار مقارنة بالسلع المسجلة والموثوقة.

سياسات حكومية “خاطئة”

الضبوط التموينية خبر شبه يومي، وحالات الغش بالعشرات من مختلف الأنواع، يصل بعضها إلى الكبائر كالغش الذي يصل إلى تقديم لحومات غير صالحة للاستهلاك، والغش في المواصفة والوزن والتسعيرة.

من جانبهم، منتجون يتحدثون عن حلقة أساسية تفرض انتشار ظاهرة الغش وهي سياسة التسعير المتّبعة من قِبل وزارة التجارة الداخلية، التي لا تأخذ كل التكاليف خاصة غير المنظورة منها بالاعتبار، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الثلاثاء.

ويرى عضو في جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها، الدكتور أدهم شقير، ورئيس لجنة الرصد والمتابعة في الجمعية أن المشكلة الأساسية في تسعيرة التموين، أنها لا تأخذ جميع التكاليف بعين الاعتبار، وأنه عند تقديم أي صاحب منتج أسعاره لوزارة التجارة الداخلية يطلبون منه تعديلها، لذلك لا أحد يستطيع الالتزام بتسعيرة التموين، ولكن يتجنبون خرقها لتجنب المخالفات، وتكون النتيجة بتغيير المواصفات وجودة المواد لتحقيق الأرباح أو تغطية التكاليف.

بيّن شقير، إلى وجود تكاليف غير منظورة تدفع الكثيرين إلى العمل على تغطيتها بوسائل مختلفة، منها تغيير المواصفات من أجل تحقيق بعض الوفر حيث يبحث صاحب المنشأة عن طرق أخرى لتسديد التكاليف تلك، على حد تعبيره للصحيفة المحلية.

من ناحية أخرى أضاف شقير، أن هناك أسبابا أخرى لانتشار ظاهرة الغش مثل هذا السلوك من قبل الدخلاء الذين يريدون تحقيق الربح، وأشار شقير إلى أنه عندما يقدم صاحب مطعم وجباته من لحوم غير جيدة، فهذا ينتهك إضافة للجانب الأخلاقي جانبا قانونيا أيضا، إذ إن المخالفة التي يفترض دفعها لا تعادل سوى جزء بسيط من الأرباح التي يحققها.

وشدد شقير على ضرورة التشديد في تطبيق العقوبات التي تحتاج أيضا بيئة عمل واضحة وشفافة، تنصف أصحاب الفعاليات والمنتجين في تأمين حقوقهم.

اعتراف بالفشل

في المقابل، تحدث عضو غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، عن أسباب الغش، فقال إن الأمر مشمول نظريا، لكن عمليا هناك الكثير من التكاليف العالية جدا، وهناك الكثير من التكاليف والنفقات.

واعترف الحلاق، بأن قطاع الأعمال لا يؤمن بما يسمى التسعير والتكاليف الموضوعة على الورق، وبغض النظر عن مقدار النسب المحددة للتسعير، فإن السوق ووفرة المواد وقدرتها التنافسية يظلان هو القاعدة، حيث المنافسة قد تخفّض سعر المنتج من السعر.

ولفت الحلاق، إلى أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تحدد هوامش ربحية، وتطلب العمل بموجبها، وهذا الأمر معقّد جدا، إذ لا يوجد شيء اسمه هوامش ربحية في كل دول العالم.

ونوّه الحلاق، إلى أنه لا يمكن التدخل في موضوع تسعيرة التموين، وعندما يحصل ذلك لمنتج استراتيجي مثلا، يجب أن تكون المعايير حقيقية، ويجب أن توضع التكاليف الحقيقية لا نسب لا تسمح بالاستمرار بالعمل، حسبما أوردته صحيفة “تشرين” المحلية.

وبيّن الحلاق أنه كلما تم التدخل في التسعير، فإن هذا الأمر ينعكس سلبا على التنافسية وعرض السلع وتصبح المواد تباع بأساليب غير مشروعة، وأماكن غير مرخصة، وهناك فرق كبير بين ثمن المنتج الحقيقي والقدرة الشرائية حيث إن كلّ محور يختلف عن الآخر، ويجب أن تتناسب القدرة الشرائية مع الحد الأدنى المطلوب من أجل تأمين احتياجات الأسرة.

في غضون ذلك، لم تقدم مديرية الأسعار في الوزارة، التي يتهمها الجميع بأنها السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الغش في السوق السورية، أي إجابات للصحيفة المحلية.

قد يهمك: منظفات مغشوشة وبأسعار كاوية في سوريا

بضاعة رخيصة لكن فاسدة

انتشار البضائع الرديئة والفاسدة في سوريا ليس بجديد. وقد نمت بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فضلا عن تباين الأسعار مقارنة بالسلع المسجلة والموثوقة. لذلك يعبّر المواطنون اليوم عن استغرابهم من المواد غير الفعالة المنتشرة بكثرة في الأسواق المحلية، وخاصة المنظفات التي تباع أجزاء منها في المحلات، والأخرى على الأكشاك والبسطات، بالكيلو، وبالأكياس وبالعبوات التي لا تحمل بيانات، وإذا كانت تحمل، فإنها لا تحمل سوى اسم وتقليد للماركات المحلية الأصلية والمعروفة، وهي ليست رخيصة ولكنها مقبولة نسبيا، وربما هذا ما يجعل المواطنين يقبلون على شرائها، بينما يمتنع آخرون عن تكرار التجربة مرة أخرى.

مواطنون بعدة مناطق من محافظة حماة، أفادوا لصحيفة “الوطن” المحلية، إن المنظفات التي تُباع على البسطات ضعيفة الفعالية والتأثير، وبشكل خاص سوائل الجلي ومساحيق الغسيل والمعقمات من أنواع الجل العديدة. بينما أوضح بعضهم الآخر، أنهم يشترونها لكون أسعارها مناسبة لمداخيلهم المحدودة جدا.

نسبت الصحيفة المحلية في تقريرها المنشور مؤخرا، عن آخرين قولهم: “لقد وقعنا ضحية إغراء أسعار هذه المواد لمرة واحدة فقط، والآن لم نعد نشتريها مرة أخرى لأن شرائها خسارة حقيقة، لذا فإن المواد الغالية أفضل وذات فعالية أكثر”، على حد تعبيرهم.

وبيّن مواطنون آخرون، أن هذه المواد الفاقدة للفاعلية لا تقتصر على المنظفات فقط، بل هناك مواد أخرى، مثل الغذائية كالأجبان والألبان، وحتى الأدوية، وقال بعضهم: “نعم، وصل الغش للأدوية، فيجب عليك أن تشتري ثلاث علب من الدواء كي تتحسن بدلا من علبة واحدة، ويجب أن تتناول ثلاث حبات دفعة واحدة بدلا من حبة واحدة كي يسكّن ألمك، وحديثنا هنا عن أدوية الضغط، والسكري، والالتهابات المزمنة، والمسكنات وغير ذلك كثير”، يضيف المواطنون للصحيفة المحلية.

من جانبه عزا أستاذ الاقتصاد بالجامعة الوطنية بحماة، إبراهيم قوشجي، ذلك بانخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتناقص الطلب على السلع الضرورية، لذا اتجهت بعض المصانع لتخفيض تكاليفها، من خلال تغيير مواصفات المنتجات والتقليل من المادة الفعالة، وطرح المنتج بأسماء تجارية توصف بالشعبية.

وأوضح قوشجي في تصريحات صحفية سابقة، أنه من الممكن أن يكون هذا الإجراء حلّا على مستوى المصنع أو المعمل، ولكنه مشكلة كبيرة على مستوى الاقتصاد الكلي.

حيث أن المنتجات، بالمواصفات الضعيفة تشكل عبئا كبيرا على المستهلك، فبعض المنظفات والأدوية والأغذية غير الفعالة، يضطر المستهلك صاحب الدخل المحدود إلى إعادة شراء المنتجات نفسها لأكثر من مرة، وهذا تبديد وهدر لدخل المستهلكين.

تاليا، فإن المشكلة في هذه الظاهرة ليست مجرد شراء الناس لمواد تنظيف فاسدة ضارة أو مغشوشة وبأسعار رخيصة؛ بل إن الجانب الآخر الذي لم يتطرق إليه أي مسؤول من صانعي القرار في حكومة دمشق، هو أن الناس وصلوا إلى نقطة تدهورت فيها ظروفهم المعيشية إلى درجة أصبحت فيها الصحة والسلامة خارج قائمة الاهتمامات الرئيسية.


قد يهمك: في سوريا.. مزيلات العرق والعطور “مغشوشة” والأسعار مزاجية!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.