بعد أن عاد رفعت الأسد (عم الرئيس السوري بشار الأسد) في تشرين الثاني/أكتوبر من العام الماضي الى سوريا، وهو الذي قضى 36 عاما في المنفى (فرنسا)، أصدرت بعد ظهر اليوم، الأربعاء الموافق 7 أيلول/سبتمبر 2022، محكمة النقض الفرنسية تؤيد بحكم نهائي، إدانة رفعت بجرم الاختلاس وتبييض الأموال، وتؤكد العقوبات المنصوصة بحبس الأسد 4 سنوات ومصادرة أملاكه في فرنسا بقيمة 90 مليون يورو.

ومن هنا تبرز عدة تساؤلات حول جدوى هذا الحكم بحق رفعت الأسد، الهارب من فرنسا ومن المرجح أنه مقيم في مسقط رأسه في الساحل السوري حاليا، رغم عدم وجود معلومات تؤكد مكان إقامته بالضبط في سوريا، بالإضافة إلى تساؤلات أخرى حول ماهية هذا الحكم وما سيؤول إليه لاحقا.

“فضح منظومة الأسد”

محكمة التمييز في باريس، أصدرت اليوم الأربعاء، حكمها في المسعى القانوني الأخير المتاح أمام رفعت، بحكم نهائي والتي تؤكد بحبس رفعت، 4 سنوات إلى جانب مصادرة أملاكه، وفق موقع “فرانس بالعربي”.

هذا وأدين رفعت، البالغ 85 عاما، في الاستئناف في 9 أيلول/سبتمبر 2021 بتهمة غسل أموال عامة سورية، في إطار عصابة منظمة بين عامي 1996 و2016، وثُبت الحكم عليه بالسجن أربع سنوات، الصادر عن محكمة البداية.

كما دانته المحكمة الفرنسية بتهمة لاحتيال الضريبي المشدد وتشغيل أشخاص في الخفاء، وأمرت بمصادرة جميع العقارات التي اعتبرت أنه حصل عليها عن طريق الاحتيال.

وأثناء المحاكمتين السابقتين، اللتين لم يحضرهما رفعت الأسد، لأسباب صحية، قال محامو الدفاع، إن ثروته جاءت من تبرعات عبد الله ولي العهد، الذي صار لاحقا ملك السعودية، وليس من خزائن الدولة السورية.

في هذا السياق يرى زيد العظم، وهو محام سوري مقيم في فرنسا، أن “أهمية هذا الحكم يكمن في رمزيته المعنوية، خاصة وأن رفعت الأسد، كان أحد أعمدة النظام السوري على مدى 50 عاما. بل وأحد أركان نظام الأسد الأب والابن أيضا”، وبحسب اعتقاد العظم، فإن رفعت “لم يكن يوما معارضا للنظام السوري، بل كان يمثل على أنه معارضا، وهو نوعا من تبادل الأدوار”.

وبحسب العظم، الذي تحدث بشكل خاص لـ “الحل نت”، فإن الحكم النهائي الصادر بحق رفعت، اليوم زاد من أهميته أيضا “في فضح النظام الحاكم في دمشق، واليوم لدينا مصدر حكم قضائي يشير إلى أن أنه نظام فاسد بكل معاييره”.

وأضاف العظم، أن هناك معاتبة من قبل الحقوقيين السوريين لـ “أجهزة الشرطة الفرنسية”، على تقصيرها وسماحها لرفعت الأسد بالهروب إلى سوريا، لأنه من الأفضل لرفعت أن يقضي عقوبته في فرنسا ماديا وجسديا (قضاء أربعة سنوات في السجن). وأشار العظم، إلى أن “مصادرة ممتلكاته ستشكل ضربة قاصمة له ولأسرته من قضاء عقوبته في السجن”.

الجدير ذكره أنه بعد أن جرت التحقيقات وبجهود منظمات دولية ووصلت إلى مراحل متقدمة ضد رفعت الأسد، بعد عام 2021 عاد رفعت إلى سوريا التي كانت ممنوع دخوله إليها، وذلك بشكل مباغت.

وفي خبر مقتضب نشرته صحيفة “الوطن” المحلية، في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أفادت إن “الرئيس بشار الأسد سمح لعمه رفعت بالعودة إلى سوريا”.

ونوّهت الصحيفة آنذاك أنه “ومنعا لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي ومصادرة ممتلكاته، ترفع الرئيس الأسد عما فعله وقاله رفعت، وسمح له بالعودة إلى البلاد مثله مثل أي مواطن سوري آخر، ولن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي”.

قد يهمك: لماذا انتهت سريعاً محاولات الجزائر لإدخال دمشق إلى الجامعة العربية؟

ما الخطوات القادمة؟

رفعت الأسد نائب الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، والذي كان أحد أعمدة السلطة الحاكمة في سوريا نهاية القرن الماضي، وقاد “سرايا الدفاع” في الجيش السوري الذي ساهم في إخماد “انتفاضة” في مدينة حماة عام 1982.

غادر رفعت الأسد البلاد عام 1984، بعد محاولة انقلاب فاشلة على شقيقه حافظ، متوجها إلى سويسرا، ثم إلى فرنسا مع عائلته.

في إطار الخطوات القادمة، والتي تقع على عاتق الحقوقيين في سبيل تحقيق العدالة ضمن هذه القضية، أضاف العظم، أن “جهود الحقوقيين سيكون الاستمرار من خلال مطالبة الإنتربول الدولي وبالتنسيق مع السلطات الفرنسية على اعتبار أنه أصبح بين أيديهم حكم قضائي نهائي بإدانة رفعت، وذلك لجلبه من سوريا إلى فرنسا لقضاء حكمه الجسدي، وهو قضاء 4 سنوات في السجون الفرنسية، حتى وإن كان هذا الأمر صعبا للغاية، لكنه يبقى الخيار الوحيد تقريبا أمام الحقوقيين”.

وأشار العظم، في ختام حديثه لـ”الحل نت” إلى أهمية جهود منظمة “شيربا” الفرنسية، التي حملت ملف رفعت، على عاتقها منذ اليوم الأول، والتي أخذت على عاتقها مقاضاة رفعت، وحضرت جميع الجلسات القضائية، وقدمت العديد من الملفات والوثائق التي تثبت إدانة رفعت، بتهمتي الاختلاس وغسيل الأموال وأخرى، بما في ذلك مستندات التهرب الضريبي وممتلكات رفعت العقارية، كما قدمت شهودا للمحكمة، من الشخصيات السورية المقربة من الحكومة السورية، منهم مصطفى طلاس، بالإضافة إلى ضحايا رفعت.

حافظ الأسد وشقيقه رفعت عام 1984 “أ ف ب”

هذا وزعم سوار ابن رفعت الأسد، في وقت سابق أن ممتلكات والده العائدة إلى عامي 1984 و1986، اقتنيت بطريقة “شرعية” بفضل “دعم أصدقائه” الذين كانوا “يثقون في حركته المعارضة”، وأنها “ليست أموالا عامة سورية المصدر”، وفق وسائل إعلام فرنسية.

الجدير ذكره، أن صيت رفعت، ذاع عندما كان قائدا لفرق “سرايا الدفاع” العسكرية التي كان لها الدور الأساسي في قمع “انتفاضة”، في مدينة حماة السورية سنة 1982، مما أدى إلى مقتل عشرات آلاف الأشخاص.

قد يهمك: كيف سينتهي سيناريو القصف الإسرائيلي للمطارات السورية؟

عقارات هائلة

رفعت الأسد، لم يكن لديه ثروة شخصية في سوريا، لكنه تمكّن من بناء إمبراطورية عقارية في أوروبا عندما استقر فيها خلال الثمانينيات والتسعينيات، وخاصة في إسبانيا وكذلك في فرنسا وبريطانيا.

وبعد شكاوى رفعتها منظمة الشفافية الدولية وجمعية “شيربا”، فتح القضاء الفرنسي تحقيقا عام 2014 تمت خلاله مصادرة قصرين، وعشرات الشقق في أحياء غنية بالعاصمة ومكاتب.

وحصل رفعت الأسد على وسام جوقة الشرف، في فرنسا عام 1986 عن “الخدمات التي أداها”، وهو مهدد بدعوى قضائية في إسبانيا بسبب الاشتباه “بمكاسب غير مشروعة”، تتعلق بنحو 500 عقار تم شراؤها مقابل 691 مليون يورو. كما تلاحقه العدالة في سويسرا على جرائم حرب ارتُكبت في الثمانينيات.

كذلك، ومن بين الممتلكات المجمدة في إطار القضية ملكية تبلغ مساحتها حوالي أربعين هكتارا فيها قلعة، ومزرعة خيول في بيسانكور بمنطقة باريس، بالقرب من غابة.

وما زال قرابة 80 سوريا، هم موظفون سابقون لدى رفعت الأسد، يعيشون في المزرعة. وإلى وقت قريب لم يكن لديهم لا ماء ولا كهرباء بعد توقفه عن تسديد الفواتير.

رفعت الأسد مع حفيدته “شمس” في سوريا 2021

وبحسب وسائل الإعلام الغربية، فقد قال جان كريستوف بوليه، رئيس بلدية بيسانكور، “إذا صودرت الممتلكات نهائيا، فستحيلها الدولة إلينا ومع مدينة تافيرني، سنقترح مشروعا مخصصا للغابة”.

وأضاف، أن “من يسكنون في العقار حصلوا على عدادات كهرباء، لكنه وضع مؤقت، وسنقترح حلولا لإعادة إسكانهم مع مراعاة النواحي الإنسانية قدر الإمكان”.

قد يهمك: كيف سينتهي سيناريو القصف الإسرائيلي للمطارات السورية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.