نقص في الكوادر التدريسية في الجامعات السورية، نتيجة لهجرة عدد كبير من أساتذة الجامعات، وتوجه قسم آخر نحو الجامعات الخاصة، قد ترك فراغا في الجامعات الحكومية، وذلك على ما يبدو دفع لإيجاد بدائل من بينها الإيفاد الداخلي من جهة، ورفع سن التقاعد لأساتذة آخرين من جهة أخرى.

جدل حول رفع التقاعد

تساؤلات وجدل وانقسامات عدة بين الأساتذة، أثارها مشروع القانون التي يعمل عليه مجلس الوزراء لتعديل قانون تنظيم الجامعات، ورفع سن التقاعد لأساتذة الجامعات خمس سنوات لتصبح في المشروع الجديد (الأستاذ 75 سنة، الأستاذ المساعد 70 سنة، المدرس 65 سنة، وإضافة أعضاء الهيئة الفنية من مرتبة مشرف على الأعمال ومدير الأعمال لتصبح 65 سنة بدلا من 60 حاليا)، بحسب تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الخميس.

حيث يرى عدد من الأساتذة في الفروع النظرية، أن المشروع فرصة للحصول على التعويضات وخاصة تعويض التفرغ الأول والثاني حتى نهاية العمر، بينما رأى البعض في الفروع العلمية، ممن يعملون في الجامعات الخاصة، ولديهم أعمال واستشارات خارجية أنه من غير منطقي أن يدخل أستاذ جامعي بعمر 70 عاما إلى مدرج يضم 600 طالب وطالبة في ظروف وأدوات تعليم لا تخدمه، وبرأيهم من الأجدى ترك المجال مفتوحا أمام جيل الشباب ليقدموا إبداعاتهم.

التقرير نقل عن أحد الأساتذة (يبلغ من العمر 67 عاما) وهو خبير طبوغرافي، بأنه يستمتع عند تقديم محاضرة لطلاب الماجستير أو الدكتوراه بأعدادهم الصغيرة (حوالي 20 طالبا)، ومبينا أن قرار التمديد له مبرراته من النقص في أعضاء الهيئة التدريسية، لكنه في المقابل يجب أن يترافق مع خطة عمل للاستفادة من هذه الخبرات المعمرة وليس التمديد لمجرد التمديد، وهناك الكثير من الأفكار، وعلى وزارة التعليم العالي التحرك للاستفادة من هذه الخبرات، وقد يكون التعليم عن بعد إحدى هذه الأفكار أو إحداث قناة تعليمية وجلسات حوار مفتوحة مع هذه الخبرات للاستفادة من تجربتها.

من جهة أخرى، يرى أساتذة آخرون، أن مشروع التمديد يحرم الشباب من أخذ فرصتهم وخاصة كون العلوم في تسارع مستمر وخاصة التقنية منها والبرمجية واللغات، فمن الأجدى الاستفادة من طاقات الشباب وخبراتهم والإسراع في الإعلان عن مسابقات لأعضاء الهيئات التدريسية وسد النقص الكبير الحاصل، والعمل على تحسين أجور الأستاذ الجامعي في الجامعات الحكومية أسوة بالأستاذ غير المتفرغ في الجامعات الخاصة، والاهتمام بالبحث العلمي ورفع تعويض الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه، ورفع تعويض تأليف كتاب، ووضع ضوابط صارمة للتحول إلى مرتبة البروفيسور، وأن يكون تعويض من ينتقل إلى هذه المرتبة مجزيا جدا يغنيه عن الحاجة بعد التقاعد.

أستاذ آخر يرى أن معالجة النقص في الكوادر التدريسية تجري من خلال فتح الإيفاد الداخلي، وعدم الاعتماد على الإيفاد الخارجي فقط، إذ أن الكثير من الشباب يذهبون بإيفاد خارجي ولا يعودون، مشيرا إلى أن التسجيل في درجة الماجستير والدكتوراه مفتوح، ومن الممكن أخذ كمية كبيرة من المعيدين، وخاصة من الاختصاصات ذات النقص الكبير لحل مشكلة النقص.

من جهتها، تساءلت أستاذة جامعية عبر صفحتها على “فيسبوك“، “هل رفع سن التقاعد لأعضاء الهيئة التدريسية هو الحل؟”، وأضافت “إن عدد أعضاء الهيئة التدريسية بحسب بيانات التعليم العالي انخفض بنسبة 20 بالمئة بين عامي 2011 و2020، وعلى الرغم من هذا النقص الكبير لم يعلن إلا عن مسابقة واحدة فقط لتعيين أعضاء الهيئة التدريسية خلال العشر سنوات التي شابها الكثير من الأخطاء”.

وبحسب الأستاذة، فإن الانخفاض الأكبر كان لدى فئة المدرسين التي قاربت ربع الأعداد، إذ انخفض عدد المدرسين بنسبة 23.4بالمئة بين عامي 2011 و2020، والأرقام الأكبر لدى شريحة المعيدين التي بلغ فيها نسبة الانخفاض 26.84بالمئة، معتبرة أن الجامعات الحكومية لم تعد قادرة على إقناع شريحة الشباب بالتعين فيها، بل تؤدي دور المنفر للاستمرارية والبقاء فيها.

إقرأ:رفع أقساط الجامعات الخاصة في سوريا

نقص في كوادر الجامعات

لم تكن الجامعات معفاة من الآثار الضارة للنزاع في سوريا، لأن غالبيتها فقدت جزءا كبيرا من كوادر التدريس لديها بسبب السفر خارج البلاد أو التقاعد أو لأسباب أخرى. ونظرا لتفضيلهم للجامعات الخاصة، التي تقدم أفضل العائدات المالية، قد تكون هناك فجوة كبيرة بين عدد الكوادر اللازمة وعدد الكوادر المتاحة. وقد يؤثر ذلك على مدى جودة العملية التعليمية في الجامعات، والتي قد يكون لها أثر على كيفية تصنيفها.

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل عن رئيس قسم هندسة التصميم الميكانيكي في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، خالد شرف، أن العوامل المادية هي السبب الأساسي التي تساهم في نقص الكوادر التعليمية في الجامعات، والتي تتمثل في الظروف المعيشية الصعبة وتدني الأجور ونزوح أعضاء هيئة التدريس للعمل في المؤسسات والمنشآت الخاصة. وبسبب الظروف القاسية وارتفاع معدلات الفقر وارتفاع تكاليف المعيشة، هناك معدل كبير من هجرة العقول والكوادر إلى بلدان أخرى.

وبحسب شرف، فإن غالبية طلاب الدراسات العليا من جامعة دمشق الذين أوفدتهم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للدراسة في الخارج، لم يعودوا.

هذا النقص في الكوادر أثر سلبا على تصنيف الجامعات السورية، فمن المعروف جيدا أن الجامعات تصنف وفقا لمعايير عديدة، بما في ذلك نسبة هيئة التدريس إلى عدد الطلاب، وجودة التعليم، ومستوى أعضاء هيئة التدريس سواء المستوى الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، والبحث العلمي المنشور، ومدى حضور الجامعة في البحث على شبكة الإنترنت، إلا أن النقص في كوادر التدريس، أدى إلى تراجع الجامعات السورية وتصنيفها على نطاق عالمي.

كما شكل نقص الكوادر والموظفين في الجامعات، تأخرا واضحا في إصدار النتائج والوثائق للطلاب والمصدقات الجامعية وترك أثرا واضحا على الطلبة في سوريا.

وفي السياق ذاته، خلصت دراسة لمركز “حرمون” للدراسات، حول التعليم العالي ومستقبله، إلى أن تدمير البنية الأساسية للجامعات السورية بسبب الصراع المدني في البلاد؛ اتسم التعليم الجامعي في سوريا بعد العام 2011 بالتفسخ والانهيار في معظم الجامعات السورية، ولاسيما في المناطق التي شهدت معارك عسكرية مدمرة؛ حيث دمرت بعض الكليات والمرافق التعليمية التابعة للجامعات تدميرا جزئيا، ودمر بعضها تدميرا تاما؛ فضلا عن خفض واضح في ميزانية الإنفاق الحكومي على التعليم العالي خلال السنوات السابقة.

قد يهمك:جامعة حلب: مشاريع بقيمة 1.5 مليار ليرة.. والجامعات في مستويات متدنية

جامعات عن بعد وقضية الاعتراف

في سياق الاعتراف بالجامعات عن بعد، أُثير الجدل مؤخرا في سوريا، حول قانونية افتتاح الجامعة البريطانية للتعليم عن بعد لتصدر تصريحات رسمية تؤكد أن هذه الجامعة غير معترَف بها في سوريا، وأنها لم تُرخص من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وإنما المعترف بها فقط هي الجامعة الافتراضية السورية التابعة لوزارة التعليم العالي، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

وفي نهاية الشهر الماضي، أعلن حسان النوري، وزير التنمية الإدارية السابق، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، عبر مقطع فيديو عن انطلاق برنامج الدكتوراه في إدارة الأعمال من خلال التعليم عن بُعد في الجامعة الأمريكية للقيادة في فلوريدا بالتعاون مع أكاديمية “إم أتش آر”، مؤكدا على إمكانية تسجيل الطلاب الراغبين بشهادة الدكتوراه في سوريا.

ولكن القائمين على هذه الجامعة، بيّنوا بأنه غير معترف فيها في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى حينه، ولكن معترف فيها في عدة دول في الخارج، حسب تعبيرهم، إضافةً إلى الاعتراف بالشهادة من قِبل الشركات في القطاع الخاص داخل سوريا.

من جهته، أوضح مدير البحث العلمي بوزارة التعليم العالي، ياسر خضرا، أن الاعتراف بأي مؤسسة تعليمية غير سورية يتم وفق قواعد محددة صادرة عن مجلس التعليم العالي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقرار رقم 339 تاريخ 16/7/2020، بحسب التقرير.

إقرأ أيضا:الجامعات السورية.. استمرار مهزلة أسئلة الامتحانات

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فبعد 2011 آلت حال الجامعات السورية إلى تدهور ملحوظ وباتت في أدنى المستويات نتيجة لتزايد مستوى الفساد، وقلة الموارد وجمود المناهج التعليمية، وعسكرة الحرم الجامعي وهجرة الأدمغة، وبالتالي تدمير نظام التعليم العالي برمته، وفق ما أكده العديد من الباحثين في جامعات عالمية من بينها جامعة “كامبريدج”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.