بعد سحب قوات روسية من سوريا خلال الشهور الماضية، اعتبر الكثير من المراقبين أن ذلك سيعني إضعاف التواجد الروسي في سوريا، وتشكيل ضغوط إضافية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الوقت الذي يتكبّد الجيش الروسي في أوكرانيا خسارات مدوية على الأرض، ما يعني بأي حال من الأحوال أن روسيا باتت تحت ضغط أكبر في مختلف مناطق نفوذها. فبالمقام الأول روسيا خاسرة غير معلنة حتى الآن في أوكرانيا، وقد تحمل الأيام المقبلة خسائر أثقل لبوتين. لكن ماذا عن سوريا؟

شروخ داخلية جديدة

كان الانسحاب العسكري الجزئي السابق من سوريا، أولى المؤشرات التي تدلل الآن بعد الخسارات الروسية، إلى ضعف الحضور الروسي في سوريا، والذي سيكون في الفترة المقبلة أضعف وأضعف، إذ إن الخسارات المتلاحقة للجيش الروسي في أوكرانيا، أدت إلى تزايد إضعاف الحضور الروسي في سوريا.

موقف روسيا في سوريا خلال الفترة المقبلة على وقع الخسارات المتلاحقة للروس في أوكرانيا، بدا واضحا داخل مجلس “الدوما” الروسي، والذي انعكس على الشأن المحلي، بحسب ما يرويه الخبير والمحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، لـ”الحل نت”.

إن الانتكاسات الروسية في ميدان المعركة في أوكرانيا، أدت إلى زعزعة التأييد لإدارة فلاديمير بوتين، للحرب بين المؤيدين، إن لم يكن دعم الغزو نفسه، وهو ما سينعكس على دخلات روسيا خارجيا.

مجمل ما يتم تداوله، أن الدعاية التي وجهتها روسيا للعالم، وللمجتمع المحلي خلال السنوات السابقة بأن إمكاناتها العسكرية هي هدف العديد من الدول لشرائها، إلا أن الواقع مختلف تماما، لأن التقارير القادمة من أوكرانيا تظهر أن الجيش الروسي بأكمله، اختفت من جعبته أجهزة التصوير الحرارية، والسترات الواقية من الرصاص، وحتى معدات استطلاع، وصولا لانعدام الاتصالات الآمنة، ومجموعات الإسعافات الأولية في الجيش.

وهذا بدوره انعكس على رأي الشارع الروسي، الذي بات يردد مقولة “سنتوقف عن الثقة بوزارة الدفاع وقريبا بالحكومة ككل”، إذ يمكن وصف الأحداث بنظرهم في خاركيف، بـ”كارثة”، وهذا أدى في سابقة لم تحدث منذ تولي بوتين، للحكم. أن يتقدم 35 نائبا روسيا في مجلس “الدوما- الهيئة التشريعية الروسية”، للتوقيع على عريضة تطالب بوتين، بالاستقالة بسبب “الضرر” الذي لحق “بمستقبل روسيا ومواطنيها بسبب الغزو”، وفقا لماتوزوف.

ضرب طموحات موسكو في سوريا

من المحتمل جدا أن تكون الخسائر غير المعلنة للجيش الروسي في أوكرانيا، مؤشرا على فشل المجمع الصناعي العسكري الروسي وبالتالي السياسية الروسية، والذي من المحتمل أن يكون له جذور عميقة وتداعيات خطيرة للغاية على نفوذ موسكو في سوريا.

طبقا لحديث ماتوزوف، كان الهجوم الأوكراني الحالي، الذي استعادت فيه القوات مساحة كبيرة من الأراضي من القوات الروسية في شمال شرق أوكرانيا، نتيجة مزيج من ثلاثة عناصر ميزت المقاومة الأوكرانية: وصول صواريخ متوسطة المدى جديدة ودقيقة من حلف “الناتو” والولايات المتحدة، والتي تكون قادرة على تحديد الأهداف؛ ومعلومات استخبارية متفوقة قدمها “الناتو”، حول تحركات القوات الروسية؛ وستة أشهر من المقاومة الشديدة للتقدم الروسي.

وبرأي المحلل السياسي، أن روسيا جعلت من سوريا ساحة لصراعها ضد القوى الإقليمية والعالمية، بهدف إعادة تأكيد نفسها كقوة عظمى مرهوبة الجانب، وبسبب الخسائر الحالية في أوكرانيا، وفي حالة هزيمة روسيا في أوكرانيا نهائيا؛ وخروجها دون تحقيق أهدافها المعلنة سيكسر شوكة قوتها الصاعدة عالميا، وسيغري هذا الغرب بمواجهتها في سوريا كجزء من العقاب.

ويعتقد ماتوزوف، أن مصلحة روسيا الاستراتيجية في الحفاظ على قواعدها الجوية والبحرية في سوريا، لأنها تدعم الوجود العسكري الروسي في شرق البحر المتوسط، حيث بات هذا الوجود في خطر بعد الخسائر التي تلقتها روسيا في أوكرانيا، ولاحقا سيقوض وضعها العسكري الرسمي في سوريا، فضلا عن دورها السياسي في المسارات التي أوجدتها.

تراجع مفاجئ للروس

وضعت أوكرانيا نصب عينيها تحرير جميع الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية بعد دفعها للتقهقر في هجوم مضاد سريع في شمال شرق البلاد، ففي كلمة له مساء أمس الثلاثاء، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن قوات بلاده حررت نحو 8 آلاف كيلومتر مربع حتى الآن هذا الشهر، وكلها على ما يبدو في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية.

وأضاف زيلينسكي، أن “إجراءات إعادة الاستقرار” اكتملت في نحو نصف تلك الأراضي، و” لا تزال جارية في منطقة محررة بالحجم نفسه”.

من جهتها، ذكرت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، هانا ماليار، أمس الثلاثاء، أن الهجوم المضاد الخاطف الذي شنته أوكرانيا على القوات الروسية، حرر أكثر من 300 تجمع سكاني، ويقطنها نحو 150 ألفا من السكان حاليا.

وكان للهجوم الأوكراني المضاد في منطقة خاركيف، وقع الصدمة على روسيا التي غزت أوكرانيا يوم 24 شباط/فبراير الفائت، وأثارت أنباء الهزائم الميدانية تذمرا غير معتاد على شاشات القنوات التلفزيونية الروسية الرسمية.

الجدير ذكره، أنه منذ أن تخلت موسكو عن معقلها الرئيسي في الشمال الشرقي، السبت الفائت، في أسوأ هزيمة لها منذ الأيام الأولى للحرب، استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على عشرات البلدات في تحول مذهل في مسار القتال، ومن شأن ذلك أن ينعكس على الحضور الروسي في سوريا، والذي سيكون في الفترة المقبلة أضعف وأضعف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة