“استحقاق العودة للمدارس، هو شوق طفولي وكابوس أسري”، هكذا يصف مدرس مادة الفرنسية للمرحلة الإعدادية، سامر المصطفى، بعد تنهيدة طويلة من حالة الارتباك والإحباط، وهو  يحاول حل معادلة تأمين بقية لوازم أولاده المدرسية على راتبه المتواضع.

بينما يسأل أولاد المصطفى، يوميا، “بابا، ايمتى حنشتري الكتب؟”، يراوح مكانه دون هدف لفترات طويلة من الزمن، خصوصا وأن التعليم الرسمي مضى على بدايته 19 يوميا، بينما الارتفاع غير المسبوق في أسعار المستلزمات المدرسية والكتب مؤخرا تكبل يديه اللتان لا تجدان سبيلا لشراء أهم عناصر الدراسة وهي الكتب.

المصطفى، كغيره من أرباب أسر عديدة في سوريا، يجدون في كل عام صعوبة بتأمين مستلزمات أبنائهم المدرسية، على أن هذا العام قد يبدو أصعب بعد ارتفاع متواصل على أسعار كافة المستلزمات ومنها مستلزمات الدراسة.

أسعار الكتب بالدولار

قبل بدء الفصل الدراسي الجديد في سوريا والذي بدأ في مطلع أيلول/سبتمبر المقبل، فإن مؤسسة المطبوعات باغتت السوريين بأسعار كاوية جديدة، حيث وصل سعر نسخة الكتب لطلاب البكالوريا مثلا للعام الدراسي 2022-2023 إلى نحو 50 ألف ليرة، أي ما يعادل نصف راتب شهري للكثير من العاملين في الدولة.

يقول المصطفى، المنحدر من مدينة تلكلخ بريف حمص، ولكنه يعمل منذ سنوات في تدريس مادة  الفرنسي بمدرسة في ريف دمشق، لـ”الحل نت”، إنه رغم شكاوى الأهالي من ارتفاع كلفة اللوازم المدرسية، إلا أن أسعار الكتب المدرسية التي أقرتها المؤسسة العامة للمطبوعات لم تواكبها، مضيفا “وكأن حديث الأهالي على وسائل الإعلام كان غائبا عن أعين المسؤولين”.

بين أوجاع الأسر وقرارات وزارة التربية والتعليم، يبدو أن التعليم المجاني بات حبرا على ورق، رغم أنه في هذه المرحلة وفق الدستور السوري هو مجاني وإلزامي تتحمل الدولة تكاليف التعليم في أثناء هذه المرحلة، فوفقا للمصطفى، فإن تكلفة شراء الكتب لأولاده الثلاثة، تبلغ حوالي 100 ألف ليرة سورية، أي راتب شهر.

المؤسسة العامة للمطبوعات، رفعت أسعار الكتب المدرسية للمرحلة التعليمية الأولى (الابتدائي)، وبحسب نشرة الأسعار الجديدة، وصل سعر نسخة صف الأولى إلى 34800 ليرة سورية، إذ ارتفع سعر كتاب اللغة العربية من 1000 ليرة إلى 4600 ليرة، ونسخة الصف الثاني وصل سعرها إلى 35300 ليرة، ونسخة الصف الثالث 36300 ليرة، ونسخة الصف الرابع 31400 ليرة، ونسخة الصف الخامس 38500 ليرة، ونسخة الصف السادس 41800 ليرة.

كما بلغ سعر نسخة الكتب للصف السابع 52 ألف وللصف الثامن تتجاوز الـ 55500 ل.س، وللصف التاسع 57300 ليرة سورية، فيما بينت المؤسسة وفق لائحة الأسعار الموقعة من مدير عام المؤسسة أن هذه الأسعار يعمل بها منذ منتصف الشهر الجاري.

رقابة على عيون الأطفال

ارتفاع أسعار مستلزمات الأدوات المدرسية، أثقل كاهل بعض الأسر في مجمل المحافظة السورية، خاصة من لديها أكثر من 3 أو 4 أطفال على مقاعد الدراسة.

رفع أسعار الكتب المدرسية لم يقف عند هذا الحد، بل رفعت المؤسسة أسعار المطبوعات الأخرى لـ 144 نوع من المطبوعات والكتب المستخدمة في التعليم لمرحلة التعليم الأساسي، ومن هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر أصبح سجل لا مانع من قبل التلميذ للتعليم الأساسي 2500 ليرة والورقة الامتحانية بـ50 ليرة، وبطاقة تقويم طفل روضة 1000 ليرة، ودفتر الأنشطة والتدريبات 2800 ليرة، والبطاقة المدرسية 800 ليرة، ودفتر علامات المدرس 1300 ليرة.

تصف إسراء، وهي أم لولدين يرتادون مدرسة عامة في دمشق، أنها أثناء وقوفها أمام رف إحدى المكتبات علت الصدمة على وجهها من أسعار المستلزمات الأساسية، وتقول بدهشة: “أرقام ولا في الخيال، هناك حقائب مدرسية يصل سعرها إلى 250 ألف ليرة ومليون ليرة، أما الشنطة الأرخص فيتجاوز سعرها 50 ألف ليرة”، مضيفة “صرت راقب عيون ولادي وين بتروح، حرام الأطفال صاروا يشوفوا ويشتهوا أغراض العلم اللي لازم توفرها الدولة بالمجان”.

الأسواق السورية شهدت هذا العام، مضاعفة أسعار المستلزمات المدرسية، إذ سيجد المتسوق في أسواق جميع المحافظات السورية المشهد نفسه؛ وهو تشكيلة واسعة من الملابس المدرسية التي حرص أصحاب المحلات على إبرازها، والتركيز على ما يسمى بالموديل الجديد لهذا العام؛ ما سيكون بلا شك تبريرا لرفع سعر القطعة بآلاف إضافية، والأمر ينطبق أيضا على الحقيبة المدرسية، حيث تبدأ الأسعار من 20 ألف ليرة سورية، وتصل إلى 30 ألفا في المناطق الشعبية.

يتراوح سعر البنطال المدرسي، بين 25 إلى 60 ألف ليرة، وكذلك القميص، لتتجاوز أقل تكلفة للباس المدرسي مع الحذاء 150 ألفا، وتصل أحياناً إلى 300 ألف، وتختلف الأسعار بين الصعود والهبوط تبعا للأسواق، وتصنيفها إما شعبية أو غير شعبية، إضافة إلى المولات والماركات.

وبلغ سعر “دزينة” أقلام الرصاص 4500 ليرة، وأقلام الحبر تراوح سعرها بين 7-10 آلاف ليرة، أما أسعار المقلمة فتراوحت بين 2500-20000 ألف ليرة، وقد تراوح سعر الممحاة، والمبراة بين 500-800 ليرة، وسعر علبة الهندسة بين 5-15 ألف ليرة.

لا حبر ولا ورق

لا ينقص السوريين المزيد من أخبار رفع الأسعار، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمستقبل أبناءهم، يواجه التعليم في سوريا العديد من العوائق، فقد أكد مركز “حقوق الطفل العالمي”، في نهاية عام 2021، أن النزاع في سوريا أثر سلبا على جميع جوانب حياة الأطفال السوريين؛ بما في ذلك تعليمهم. حيث أصيب التعليم في سوريا بالشلل بسبب تضرر المدارس، أو تدميرها. وقتل أو جرح أطفال ومعلمون أجبر بعض منهم على الفرار، فضلا عن تغيير المناهج الدراسية لملايين الأطفال.

وبحسب منظمات دولية، فإن هناك نحو 2.5 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما – ثلث السكان في سن الدراسة – خارج المدرسة. وهم غير قادرين على ممارسة حقهم الأساسي في التعليم على النحو المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل عام 1989.

المشوار التعليمي للأطفال في سوريا، أصبح يشكل عبئا اقتصاديا إضافيا على الأهالي، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لدفع مبالغ مالية بشكل سنوي، من أجل حصول الأطفال على حقهم في التعليم، في البلد التي لطالما تغنّت حكومتها بمجانية التعليم على مدار العقود الماضية.

 المدير العام للمؤسسة المطبوعات، علي عبود، في تصريحات سابقة نقلها موقع “أثر برس” المحلي، ذكر أن رفع أسعار الكتب هذا العام جاء “لكي يحافظ الطالب عليها، ويكون لها قيمة علمية“، حسب قوله.

وبرر عبود هذا الارتفاع، بـ“قلة المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة خلال اليوم، ما دفع أصحاب المطابع لشراء المازوت من السوق الحر، فضلا عن قلة الورق والكرتون اللازم لإنتاج الكتاب المدرسي، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل والطباعة“. ونتيجة لارتفاع أسعار الكتب، يلجأ بعض الأهالي، لشراء الكتب المستعملة، بتكاليف منخفضة إلى حد ما.

بالمقابل، أقساط المدارس الخاصة، شهدت خلال الفترة الماضية هي الأخرى، ارتفاعات كبيرة، حيث ارتفعت الأقساط من 2 إلى 5 ملايين ليرة وسطيا، وقسط رياض الأطفال، من 600 ألف إلى أكثر من 1.5 مليون ليرة.

بالمقابل، وفي إطار ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، ونظرا لتدني مستوى الرواتب والمداخيل في البلاد، بدأت صفحات التواصل الاجتماعي بنشر أخبار عن بيع الملابس المدرسية المستعملة، حيث تلقى رواجا كبيرا لانخفاض أسعارها عن الجديدة المتواجدة في الأسواق.

إجراءات خجولة

بحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“، تداول مجلس الوزراء في شباط/فبراير الماضي، موضوع ما أسماه الدعم الحكومي لقطاع التربية، حيث تم بحث دعم الحكومة لقطاع التعليم والمليارات التي تتكبدها عليه، حيث أن أكثر من 3.6 ملايين تلميذ، وطالب يتلقون التعليم المجاني في مدارس، ومعاهد وزارة التربية بمختلف المحافظات، موزعين على 13660 روضة ومدرسة ومعهدا.

بيان مجلس الوزراء في ذلك الوقت، جاء بعد يوم واحد على قرار رفع الدعم، ما أثار العديد من المخاوف من رفع الدعم عن قطاع التعليم الحكومي، وفي هذا السياق، توقع خبراء وحقوقيون، أن يكون بيان مجلس الوزراء، هو أحد احتمالين، إما التمهيد لرفع الدعم عن هذا القطاع بطريقة ما، كأن يصبح ثمن الكتاب المدرسي والجامعي فلكيا، أو التمهيد لفرض رسوم دراسية باهظة على أبناء الفئات التي رفع عنها الدعم الحكومي.

وفي سياق متصل، اعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق“، الدكتور شفيق عربش، أثناء حديثه لصحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا، أن تقصير الحكومة يتمثل في عدة جوانب، إحداها، أنها تصدر قراراتها التي تمس معيشة المواطن وفق ما يرفع لها من تقارير غالبا تبيّن لها أن الوضع بخير. وأردف عربش، أن الحكومة “ضائعة بين أن تعمل كحكومة تدير ملفات الشعب، أو أن تعمل كتاجر“.

ووفق تقدير عربش، فإن المطلوب من الحكومة في المرحلة الحالية أن تنسحب من هذا الدور، وأن توجِد المناخات والقوانين الاقتصادية السليمة، وخلق منافسة في السوق ما يدفع الأسعار للتوازن.

يبدو أن معاناة المصطفى وإسراء تنطبق على جميع أهالي الأطفال في سوريا، وهذا يثبت من دون شك أن قطاع التعليم في سوريا يعاني من تدهور كبير على صعيد المستوى التعليمي الحكومي بعد هجرة الكثير من الكوادر من جهة، وعلى صعيد التأمين المجاني لمستلزمات الدراسة، فبعد إقرار أسعار مرتفعة للكتب لم يعد هنالك فرق بين التعليم الحكومي أو الخاص، إلا إن الخيرر بات مفضلا للعديد من الأسر رغم غلائه لما يقدمه من خدمات تعليمية ترضي الأبناء والأبناء على حد سواء، ولو أن ذلك يجعله يبدو أقرب إلى التجارة منه إلى التعليم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.