“بالشافعات ممَشّينها”. لم يعد يستغرب الصحفي الذي يسير في الأسواق العراقية من تلك الجملة، حينما يسأل الناس عن كيفية تدبير أمورهم مع غلاء أسعار المواد الغذائية، وعدم وضع تسعيرة ثابتة لها.

“كلشي صعد للضعف، ومحد يعاين بعين الله. حتى الطماطة صارت صعبة علينا”، يقول المواطن العراقي عباس خضير، تلك العبارات باللهجة المحلية الدارجة، وهو يضرب كفا بكف، ومتشائما من القادم.

تجول مراسل “الحل نت” في أسواق الكرادة وسط بغداد، وسأل الناس الذين يبتاعون المواد الغذائية، عن الأسعار، فكانت إجابة الكل، بأنها قفزت إلى الضعف عمّا كانت عليه قبل جائحة “كورونا”، وتغيير سعر الصرف.

ضعف السعر السابق

الطماطم التي تعد عمود أساس بيت العائلة العراقية، هي الأغلى من بين الخضروات، يضاف لها سعر بطل الزيت، الذي قفز لأكثر من الضعف، فبعد أن كان سعر البطل الواحد 1500 دينار عراقي، أمسى سعره اليوم، 3500 دينار عراقي.

سعر كيلو الطماطم الواحد، يبلغ اليوم 2000 دينار، في وقت كان يبلغ 1000 دينار سابقا، ونصف كيلو من الطماطم سعره 1000 دينار، وهو ضعف السعر السابق، عندما كان 500 دينار.

“الفقير إله الله. محد يفكر بحالنا. صرت أمشي حالي آنه وعيالي ببطل زيت وكيلو طماطمة وأجرجرها ليومين والنوبات 3 ليالي؛ لأن العيشة صعبة وفلوس ماكو”.

باللكلمات أعلاه، يعبّر عباس خضير، وهو مواطن متقاعد، عن حالته اليوم، بعد تغير سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، في وقت لديه 3 بنات وولد واحد، ومعهم زوجته الخمسينية أيضا.

نهاية عام 2020، قررت الحكومة العراقية، تغيير سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ليصبح سعر 100 دولار 145 ألف دينار، بدل أن كان سعرها يبلغ 120 ألفا، الأمر الذي انعكس سلبا على المواطنين، بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق.

حاجة العائلة شهريا

خضير يعيش على راتبه التقاعدي الذي لا يتجاوز 600 ألف دينار يستلمه كل شهرين، ناهيك عن عيش جزء من عائلته معه على ذلك المرتب البائس. يقول: “بعدها ما عابرة أول 10 أيام من الشهر وتخلص الفلوس، ونجرها لنهاية الشهر بالشافعات”.

كانت إحصاءات شبه حكومية، قالت إنه لكي تعيش العائلة العراقية المكونة من 4 أشخاص بحياة طبيعية اقتصاديا، ينبغي أن يكون مردودها الشهري مليون ونصف المليون دينار عراقي، في وقت يعد مثل ذلك الرقم هو نصيب الموظف بدرجة عليا.

“النوب كل يوم متغير السعر. يا صاعد يا نازل. كلمن يلعب بالسعر بكيفه بالسوگ، وإحنا ما نعرف نحك راسنا من رجلينا”، يقول خضير، الذي يفتح الباب على عدم وجود تسعيرة حكومية ثابتة تفرض على تجار وأصحاب الأسواق في العراق.

منذ عام 2021، صرّحت الحكومة العراقية في العديد من المرات، بآوقات تتباعد أحيانا وتقترب في أحايين أخرى، عن فرضها تسعيرة ثابتة لأسعار المواد الغذائية، ومحاسبة من يخالفها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث قط حتى اليوم.

التجار وأصحاب الأسواق، يبررون رفعهم للأسعار، إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية من الأساس، عندما يشترونها من الدول المصدرة لها أو من المزارعين المحليين، وهو ما يضطرهم بحسبهم لرفع السعر في السوق، الأمر الذي يدفع ثمنه المواطن.

للخبز والصَمّون حكاية

“حتى الخبز والصمون زاد سعرهم وصغر حجمهم”، يقول المواطن الكرادي، سامر أحمد في حديث مع “الحل نت”، وهو الذي اعتاد على شراء الخبز والصمون كل يوم من الأفران، نتيجة مرض زوجته وعدم قدرتها على صنع الخبز في البيت.

يشتهر العراق بنوع من الصمون يكاد يكون نادرا في العالم، يعرف بـ “الصمون الحجري”، وتتم صناعته في الأفران حصرا، عكس الخبز الذي يصنع في البيت والأفران معا، في وقت يلازم كليهما -الخبر والصمون- كل طبق رئيسي، في الفطور والغداء والعشاء.

“الحل نت”، قام بجولة سريعة على بعض أفران الكرادة، ووجد تفاوتا في الأسعار، فبعضها تبيع 5 أرغفة خبز بـ 1500 دينار، وبعضها تبيعها بـ 1250 دينارا، وذات الأمر يحدث مع الصمون الحجري، الذي تبيع بعض الأفران 4 “صمونات” بـ 500 دينار، وبعضها تبيع 3 “صمونات” بذات السعر.

“ست صمونات صارن بألف دينار بدل ما چانن 8 صمونات بألف، والخبز صار 4 گرص بألف بدل ما چانن 6 گرص بنفس السعر قبل. الوضعية بعد ما تنراد”، على حد قول أحمد، وهو موظف في بلدية الكرادة، ويبلغ راتبه الشهري، 400 ألف دينار فقط.

في النهاية، لا يمكن تحسّن أسعار المواد الغذائية وعودتها إلى سابق عهدها، إلا بخفض قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي، وذلك يستلزم مرور 5 سنوات على أقل تقدير من تاريخ رفع سعر الصرف نهاية عام 2020، بحسب تصريحات حكومية سابقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.