بعد استعادة القوات الأوكرانية لزمام المبادرة العسكرية على مدار الأسبوعين الماضيين، وتراجع القوات الروسية، يبدو أن روسيا على موعد مع معركة طويلة، ستؤدي إلى استنزافها عسكريا، فضلا عن الاستنزاف الاقتصادي والداخلي، مع تصاعد وتيرة الحضور الغربي في المعركة، فما تأثير النجاح العسكري الأوكراني على مسار لغزو الروسي؟.

أوكرانيا تستعيد المبادرة

القوات الأوكرانية تمكنت خلال الأسابيع القليلة الماضية، من استعادة مساحات واسعة، وإجبار القوات الروسية على التراجع، لا سيما في المناطق الواقعة شمال شرقي أوكرانيا، ذلك في وقت تصاعد فيه الدعم الغربي للجيش الأوكراني، لا سيما على المستوى الاستخباراتي والتكنولوجي.

مطلع الشهر الجاري بدأت أوكرانيا، هجوما ضد المناطق التي تقدمت إليها القوات الروسية في إقليم خاركيف، وتمكنت من استعادة السيطرة على أغلب مناطقه، بعد أسبوع فقط على بدء الهجوم.

وعلى مدار الأسابيع الماضية، شهدت خطوط التماس بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، تطورات ملفتة، تمثلت باستعادة أوكرانيا لمبادرات الهجوم باتجاه المناطق التي سيطرت عليها روسيا، في إطار غزوها للأراضي الأوكرانية، ما يثير التساؤل حول نجاح أوكرانيا في تحقيق مزيد من خطوات استعادتها للمناطق التي غزتها روسيا منذ شباط/فبراير الماضي.

الدعم الغربي

الكاتب والمحلل السياسي باسل معراوي، يرى أن الدعم الغربي للجيش الأوكراني، لعب دورا هاما في قلب موازين المعركة في أوكرانيا، ذلك ما سيساهم في تحجيم روسيا، واستنزافها على مختلف الأصعدة لا سيما العسكرية والاقتصادية.

ويقول معراوي، في حديث خاص مع “الحل نت“: “حاليا ما يجري هو استنزاف للاقتصاد الروسي، الحرب ستستمر غالبا لفترة طويلة، وبالتالي سيتمكن الغرب من شل قدرة روسيا والعسكرية ومنعها من النهوض مجددا“.

ويعتقد معراوي، أن هزائم الجيش الروسي مؤخرا في أوكرانيا، ساهمت إلى حد كبير في إضعاف القبضة الروسية، في دول الاتحاد السوفييتي، وبالتالي ضرب الخاصرة الروسية من الخلف وإضعاف ثقل موسكو بين الدول المجاورة لها.

قد يهمك: الاحتجاجات تدخل مدن إيرانية كبرى

وحول تطورات المعركة يضيف معراوي: “الغرب يتحكم بسير المعركة، عبر دعم القوات الأوكرانية، التكنولوجيا الغربية كانت لها كلمتها في ميدان المعركة، وساهمت في قلب الموازين في بعض الأحيان، أتوقع خسارة مستمرة لبوتين، لكن ستكون المعركة بطيئة وبالتالي استهلاك روسيا عسكريا واقتصاديا“.

وعن أسباب ومعاني تقدم القوات الأوكرانية، يوضح معراوي أن: “استمرار الانتصارات لصالح أوكرانيا خلال الفترة القادمة، هو أمر متوقع لكن ليس بوتيرة سريعة. التقدم الآن في الشمال الشرقي، روسيا أصبحت تستعين بمسيرات إيران، وصواريخ كوريا الشمالية، كما بدأت بالمعاناة من نقص الموارد البشرية، ما أجبر القيادة الروسية على إعلان التعبئة الجزئية داخل روسيا“.

يختم معراوي، حديثه بالقول: “التعبئة الجزئية، ستستنزف المورد البشري الروسي، وستفاقم المعاناة الاقتصادية مع العقوبات المفروضة على موسكو، الروس خسروا 15 جنرال مؤخرا، وهذا رقم كبير مع استمرار غرق روسيا في مستنقع غزو أوكرانيا“.

تقرير لمركز “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة، تحدث عن تقدم عسكري أوكراني في إقليم “خاركيف“، حيث رصدت القوات الأوكرانية نقطة ضعف في الخطوط الدفاعية الروسية بالقرب من مدينة بالاكليا، التي كانت في أيدي الروس منذ مطلع آذار/مارس الماضي، ولذلك قامت بشن هجوم عليها، كما تقدمت القوات الأوكرانية شرقا عبر فولوخيف يار، وشيفتشينكوف، وأخيرا نحو مدينة كوبيانسك، وهي مركز رئيسي للسكك الحديدية، والتي كانت تُستخدم لتزويد القوات الروسية في الدونباس، بالأسلحة والمعدات.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كان قد أعلن أواخر شهر آب/أغسطس الماضي، أن الحرب بدأت بشبه جزيرة القرم، وستنهي بها، متعهدا باستعادة شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، بينما بدأت التحركات العسكرية الأوكرانية باتجاه خيرسون، والتي تقع في طريق القرم، في 29 أغسطس.

ودفع ذلك الوضع الجيش الروسي إلى سحب أغلب قوات النخبة، وإعادة نشرها إلى الجنوب، وذلك لمنع الجيش الأوكراني من تحقيق أي تقدم على هذه الجبهة.

كذلك يرى تقرير المركز، أن الدعم الاستخباراتي الغربي، والأميركي لأوكرانيا، ساعد في نجاح الهجوم المضاد الذي بدأه الجيش الأوكراني خلال الفترة الماضي، ويضيف التقرير: “قامت القوات الأوكرانية بشن هجوم متزامن على أكثر من جبهة من خاركيف والدونباس، وصولا إلى زابوروجيا، وخيرسون، وذلك في محاولة لتحديد نقاط الضعف في الدفاعات الروسية، وشن هجوم ضدها، ثم استخدام الصواريخ الغربية دقيقة التوجيه، على غرار راجمة الصواريخ الأمريكية هيمارس، وضربات المدفعية لتدمير مستودعات الذخيرة الروسية والقواعد اللوجستية، ومراكز القيادة خلف الخطوط الأمامية للقوات الروسية“.

سعى الجيش الأوكراني من خلال الانتصارات العسكرية في خاركيف، إلى التأكيد على قدرته على القيام بعمليات هجومية ضد الجيش الروسي، وتحقيق انتصارات ميدانية، وذلك بعدما ظل طوال الفترة الماضية في وضع دفاعي.

تأكيد معقولية الأهداف الأميركية

وفق تقرير مركز الأبحاث فإن: ” الولايات المتحدة تعلن أن أحد أهدافها من مساندة أوكرانيا عسكريا، هو طرد روسيا من كامل الأراضي الأوكرانية، وكانت الدول الأوروبية تعتقد أن مثل هذا الهدف غير واقعي، وأنه يمكن التوصل إلى حل وسط للأزمة عبر التفاوض المباشر مع روسيا. وبعد الانتصارات الأخيرة لكييف، سوف تسعى واشنطن إلى التأكيد على معقولية أهدافها في أوكرانيا، وأنها قابلة للتحقيق“.

حول هذه التطورات الجديدة على الساحة الأوكرانية، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن قبل أيام، إن نشر موسكو تعزيزات يظهر أن روسيا تدفع “ثمنا باهظا“.

هذا ويتوقع مراقبون وخبراء أن تعلن القوات الأوكرانية انتصارات جديدة في منطقة خاركيف، المحاذية لروسيا والتي سيطر عليها الجيش الروسي أو قصفها بالمدفعية على مدى شهور. وضمن هذا الإطار، قال أستاذ دراسات الحرب بكلية “كينغز لندن”، السير لورانس فريدمان، “إنها ذات أهمية تاريخية“.

وقال مسؤول أميركي رفيع لم تكشف “سي إن إن” عن هويته، إن القوات الأوكرانية حققت بعض النجاح في مهاجمة خطوط الإمداد الروسية، بقصد قطع وعزل القوات الروسية غربي نهر دنيبرو.

ووفق تقارير غربية، فإن أوكرانيا فتحت جبهة جديدة ضد الدفاعات الروسية على حدود منطقتي دونيتسك، ولوغانسك، ولفت رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية في لوغانسك، سيرغي غايداي، إلى أن مدينة ليسيتشانسك، كانت هدفا للهجوم الجديد.

الجدير ذكره، أن ليسيتشانسك، آخر مدينة في منطقة لوهانسك بشرق أوكرانيا، تقع تحت السيطرة الروسية في تموز/يوليو بعد أسابيع من القتال العنيف.

في هذا السياق رأى الباحث في الشأن الروسي، دميتري بريجع، أنه من الواضح أن التدريبات التي خضعت لها القوات الأوكرانية والأسلحة التي قدمتها لها الولايات المتحدة الأميركية، ودول غربية أخرى ساعدت الجانب الأوكراني، على التقدم في محاور مختلفة في حربها ضد روسيا.

 ووفق تقدير بريجع، فإن هذا التقدم جاء نتيجة للمعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الولايات المتحدة، للجانب الأوكراني، بالنظر إلى أن المخابرات الأميركية تقدم معلومات حول وجود القوات الروسية في مناطق مختلفة على الأراضي الأوكرانية، على حد تعبيره لموقع “الحل نت“.

وأيضا، حول أسباب هذا التقدم الأوكراني المباغت على عدة جبهات ضد روسيا، أضاف بريجع في حديث سابق لـ“الحل نت” بريجع: “اعتقد أن هناك خطة رُسمت من قبل القوات الروسية للانسحاب من بعض المناطق حرصا على الأرواح والخسائر البشرية، نظرا لأن القوات الأوكرانية هاجمت هذه المناطق بكثافة قوية”.

اقرأ أيضا: هزائم بوتين تحيي شبح الضربة النووية في أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.