الواقع يقول إن رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق، مصطفى الكاظمي، هو رجل حالم بولاية ثانية على رأس هرم السلطة العراقية، رغم نكرانه بمرات عديدة لذلك، إلا أنه في الكواليس، وبحسب حلقة مستشاريه يطمح للتجديد بقوة.

بوابة الولاية الثانية لرئاسة الحكومة العراقية، تراجعت قليلا في الفترة الأخيرة، بعد ترشيح “الإطار التنسيقي”، السياسي محمد شياع السوداني لرئاسة حكومة جديدة، لكن الموازين قد تنقلب في أي لحظة، كما هو معروف في السياسة العراقية.

ما قد يقرب الكاظمي من الولاية الثانية، هو الفرصة بلقاء منفرد مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعد وصوله نيويورك، أول أمس الثلاثاء، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الذي يسعى جادا للحصول على ذلك اللقاء.

إن لم يحظ ‎الكاظمي بلقاء منفرد مع ‎بايدين في ‎نيويورك، فإن منسوب فرصته في الوثوب نحو ولاية ثانية على رأس الحكومة العراقية، سينخفض إلى حد التلاشي.

زيارة مكوكية

حتى الآن لم يتم التأكد فيما إذا سيلتقي الكاظمي ببايدن، إلا أنه يُمنّي النفس بحصول اللقاء، للعودة بثوب القوي لمحاورة ‎”الاطار التنسيقي”، خصوصا وأن رئيس الحكومة الحالية، مدعوم من قبل واشنطن، وهي من سهّلت عليه تسنم رئاسة الحكومة، في صيف 2020.

بايدن هو الآخر، خبير بالشأن العراقي ويمتلك علاقات قديمة بقوى “الإطار” الموالية لإيران، تعود لفترة سقوط نظام صدام حسين في ربيع 2003، ورغم أنه ركن الملف العراقي جانبا بعد وصوله إلى البيت الأبيض، قبل عام ونصف، إلا أنه بإمكانه تعبيد الطريق للكاظمي لولاية ثانية، إن اقتنع بذلك.

ركن الملف العراقي على الجانب من قبل إدارة واشنطن، لا يعني طيه نهائيا، إنما أولويته قلّت، لكن بغداد لن تتركها واشنطن بسهولة، ودليل ذلك، الزيارة المكوكية الأخيرة، مطلع هذا الشهر، لمساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، إلى العراق.

بقيت ليف قرابة أسبوع في البلاد، وتنقلت فيها بين بغداد وأربيل، والتقت بكبار السخصيات السياسية والحكومة، وبرفقتها سفيرة واشنطن لدى العراق، رومانوسكي، وكان الظاهر من الجولة المكوكية مناقشة التعاون الثنائي بين البلدين، غير أن البلطن ركّز على الأزمة السياسية المستعصية في العراق.

الأزمة تتمثل بعدم التمكن من تشكيل حكومة جديدة، نتيجة انسداد سياسي، سببه “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، و”الإطار” الذي يضم القوى الشيعية الموالية لإيران، منذ أن أجريت الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

فاز الصدر أولا في الانتخابات وخسرت قوى “الإطار”، وسعى لإقصائها من حكومته التي أرادها أن تكون أغلبية، قبل أن يعرقل “الإطار” مشروعه عبر تعطيل البرلمان ومنع عقد جلسة انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة، من خلال الثلث الذي يملكه، في وقت يتطلب عقد الجلسة حضور ثلثي أعضاء البرلمان لها.

عرقلة مشروع الصدر دفعه لتوجيه نوابه بالاستقالة من البرلمان والانسحاب من العملية السياسية، لكنه عاد بتظاهرات قوية اقتحمت المنطقة الخضراء الحكومية، رافضا تشكيل حكومة بقيادة شياع السوداني من قبل “الإطار”، لتبقى البلاد بلا حكومة جديدة حتى اليوم، وتستمر الأزمة السياسية بلا حلول.

تلقف إشارة ليف

باربرا ليف، أعطت إشارة من خلال جولتها المكوكية في العراق، بأنه يجب سماع صوت مقتدى الصدر وعدم تطنيشه، من أجل حل الأزمة السياسية الراهنة، في وقت يميل صوت الصدر، إلى حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي نفسه، وحده لا غيره.

إشارة ليف تلقفها الكاظمي، وهو ما يفسر تغيير الوفد الذي يمثل العراق في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك، واستبدال رئيس الجمهورية، برهم صالح، برئيس حكومة تصريف الأعمال، مصطفى الكاظمي، الذي طار سريعا إلى الولايات المتحدة الأميركية، علّه يلتقي بايدن.

بالمحصّلة، منسوب الولاية الثانية سيرتفع جدا في حال حصول اللقاء الانفرادي، وليس الهامشي مع العامة من الرؤساء والملوك والأمراء في اجتماعات تيويورك، وسيتلاشى إلى حد التبخر، في حال لم يحظ بمثل ذلك اللقاء.

ما يمكن قوله، إن وتيرة الأزمة السياسية العراقية، اشتدّت في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

استمرار الانسداد

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.