“بدي سبعين سنة ما بجمع حق بيت” لا تحتاج هذه العبارة التي قالها محمد الهنداوي، طالب كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية في جامعة دمشق، أو ما تُعرف بـ “الهمك”، إلى تفسير لأي سوري سواء داخل البلاد أو خارجها، لأن امتلاك منزل في سوريا ما زال حلم بعيد المنال، خصوصا وأن ما يقرب من 90 بالمئة، من الشعب السوري بات دون مستوى الفقر، وفقا لما تُحصيه الأمم المتحدة ومراكز الأبحاث.

كان امتلاك منزل في دمشق هدفا قابلا للتحقيق بالنسبة للعديد من السوريين خلال السنوات السابقة، لكن التضخم سحق هذه الطموحات، فكيف سيكون الأمر على الهنداوي، وأقرانه من الشباب بعد أن قررت المؤسسة العامة للإسكان، رفع الأقساط الشهرية على المكتتبين والمخصصين في مشروع السكن الشبابي، بحجة ارتفاع تكاليف البناء.

في سوريا، يواجه سوق العقارات ركودا بسبب العديد من العوامل، في مقدمتها قانون جديد لبيع العقارات، حيث تخشى الوكالات العقارية من قلة العرض وقلة البيع والشراء، وارتفاع الضرائب، واستمرار عدم استقرار العملة السورية، وكل تلك العوامل شكّلت حاجزا أمام العديد من العوائل بامتلاك بيوت تأويها.

ملكية المنزل حلم من الماضي

“الأقساط عم تزيد، وما حدا عندو سيولة، والبيوت عم يوصل سعرها للمليارات”، يقول الهنداوي، لـ”الحل نت”، قبل عام 2011، كان امتلاك منزل في دمشق وريفها بمثابة حلم لأصحاب الدخل المحدود والمتوسط الذي يمكن تحقيقه بعد سنوات من العمل الشاق. الآن أصبح حُلما بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلا. ويرجع ذلك إلى الارتفاع الهائل في أسعار العقارات بسبب ارتفاع وندرة مواد البناء.

كان سعر المنزل الذي تبلغ مساحته 100 متر مربع، في دمشق يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين ليرة سورية، في ذلك الوقت كان الدولار الواحد يساوي حوالي 50 ليرة، بينما كان سعره في المناطق العشوائية المحيطة بالمدينة. بين مليون ونصف ومليوني ليرة، أي ما يعادل حوالي ست سنوات من أجر العامل السوري، حوالي 30 ألف ليرة في الشهر.

في ذلك الوقت، كان يتحتم على ذوي الدخل المحدود إمضاء قرابة 15 إلى 20 عاما، في العيش ضمن حياة التقشف والمعيشة الأساسية من أجل شراء أحد هذه المنازل في المناطق العشوائية حول العاصمة، لكن مع قلة المساحات الآمنة، أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار والتضخم، وخلق تفاوت كبير بين الطلب والدّخل.

حاليا، وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن المنزل بمساحة 100 متر مربع، يكلف ما لا يقل عن 80 مليون ليرة، مما يجعل تكلفة المتر المربع الواحد من المبنى 600 ألف ليرة، مع السقف والأعمدة، وما يصل إلى 800 ألف ليرة مع الإكساء الخارجي، وذلك من دون الأخذ في الاعتبار كلفة الأرض التي يحددها السوق العقاري المحلي، والتي قد تصل في منطقة أبو رمانة، مثلا إلى 25 مليون ليرة، للمتر المربع.

الإسكان لأصحاب الواسطات

“رغم وجود واسطة ابني، لا يقدر على دفع أقساطه”، هذا الحال شبه معمم على جميع السوريين الذين حصلوا على شقة في السكن الشبابي الذي تستحدثه وزارة الإسكان، إلا أن زيادة الأقساط كل عام كان العائق أمام العديد من الشباب لعدم استلام منازلهم.

يقول أبو جاسم المفعلاني، المنحدر من ريف درعا، لـ”الحل نت”، إن أسعار السكن الشبابي وكل أنواع السكن دائما أرخص من أسعار السوق، باعتبار أن التخمين يتم بناء على أسعار التكلفة وهذه ميزة جيدة، وهناك أريحية للمواطن باعتبار أنه عندما يتم تخصيصه بمسكن يدفع 30 بالمئة، فقط من قيمة المسكن والـ70 بالمئة، المتبقية يسددها على أقساط لمدة 25 عاما.

وذكر المفعلاني، أن هذه المزايا مع عدم قدرة الشباب والأهالي على تأمين سكن خاص، جعل الإقبال على الضواحي التي تنتجها وزارة الإسكان يكون بشكل أكبر، مما فتح الباب أمام الواسطات والمحسوبيات، فضعف القوة الشرائية للمواطنين السوريين خلال الأشهر القليلة الماضية، وعدم وجود أرض مناسبة للمشاريع العقارية، وفشل الحكومة السورية في إطلاق مشاريع سكنية جديدة، أدى إلى وضع يتزايد فيه الطلب من العرض.

مدير عام المؤسسة العامة للإسكان، مازن اللحام، قال في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الخميس، إنه نتيجة لارتفاع تكاليف البناء ومن أجل أن تكون القيمة المالية التي سيدفعها المكتتب عند تخصيصه بمسكن وهي 30 بالمئة، من قيمته غير كبيرة ولا تشكل عبئا على المكتتب، تم رفع القسط الشهري للمكتتبين والمخصصين في مشروع السكن الشبابي بنسبة تعتبر قليلة، وهي 25 ألف ليرة.

وأوضح اللحام، أن المواطن عندما يقوم بالاكتتاب على مسكن يخضع لآلية للتمويل، والآلية هي أن يقوم المواطن قبل الاكتتاب بدفع 10 بالمئة، من قيمة المسكن للمؤسسة وأقساط شهرية وعند التخصيص يجب أن تكون كامل مدفوعاته بحدود 30 بالمئة، من قيمة المسكن.

ووفقا لحديث اللحام، فإن قيمة القسط الشهري للمكتتبين والمخصصين في مشروع السكن الشبابي كان قبل صدور قرار رفع القسط 8 آلاف ليرة، واليوم أصبح 25 ألف ليرة، مشيرا إلى أن رفع القسط الشهري لا علاقة له بسعر المسكن، ولا يؤثر في سعره.

تكاليف الترميم مرتفعة

امتلاك المواطن السوري في الوقت الحاضر لمنزل أو إعادة ترميمه في نظر الباحث العقاري، عمار يوسف، “أصبح ضربا من الخيال يمكن أن يتحقق في الأحلام فقط”، مرجِعا ذلك إلى ارتفاع تكاليف العقارات ومستلزمات البناء والطاقة والنقل، مشيرا إلى أن هناك مَن “يتعمد ألا يمتلك المواطن بيت إضافة لمجموعة من التصريحات كان آخرها أنه سيتم هدم المخالفات، ولو كانت مرصعة بالألماس وهذا من شأنه أن يرفع سعر العقارات أكثر”.

وأقرّ يوسف، في وقت سابق من هذا الشهر خلال حديثه لوسائل إعلامية محلية، بأن سوق العقار يشهد ركودا وأن البائعين الحاليين هم من الأفراد الذين يحتاجون إلى شراء الطعام والشراب ودفع التزاماتهم، باستثناء الممتلكات التي تُباع لتجميد الأموال.

بسبب ارتفاع كلفة البناء بالنسبة للسكان المحليين، انخفضت حركة الرخص للمكاتب الهندسية بأكثر من 60 بالمئة، وأصبحت محصورة بترميم الأبنية المهدّمة فقط، حيث إن كلفة بناء غرفتين بكسوة بسيطة بات يكلّف ما بين 30 إلى 40 مليون ليرة سورية، عدا سعر الأرض.

أما لوازم البناء وكافة السلع المستوردة الأخرى تحولت إلى سوق سوداء كغيرها من المواد داخل البلاد، فمثلا يمكن أن تصل كلفة طن الإسمنت بين فترة وأخرى إلى 800 ألف ليرة، في حال وجود طلب عليه، كما يمكن أن تصل كلفة طن الحديد إلى 4 ملايين ليرة، خاصة عند تأخير استيراده، وبالتالي فإن المستوردين يتحولون إلى إخفاء واحتكار المادة، والتحكم في سعرها.

تكلفة طن الإسمنت الرسمي ارتفعت إلى 416 ألف ليرة، بدلا من 180 ألف ليرة في العام الماضي، في حين ارتفعت تكلفة طن الحديد إلى 3.5 مليون ليرة، بدلا من 225 ألف ليرة، كما أن تكلفة اليد العاملة قد زادت أيضا بسبب غلاء المعيشة، حيث وصلت يومية العامل المساعد إلى 18 ألف ليرة.

مشاريع خاسرة

في السنوات الأخيرة، عهد المواطنون إلى المؤسسة العامة للإسكان بالعديد من مشاريع الإسكان التي تأخر تنفيذها حسب المواعيد التي تم الإعلان عنها لدى الاكتتاب، بالإضافة إلى كون مشاريعها التي تحمل أسماء مختلفة تعتبر محدودة جدا مقارنة بالاحتياجات الفعلية من المساكن، وبغض النظر عن طبيعة الحجز أو الوقت المتبقي للاستلام النهائي، فإن الأسعار التقديرية والدفعات التي تعلن عنها المؤسسة وفق جداولها المعلن عنها تعتبر مرتفعة، وبالتالي فإنها ستكون حافزا لارتفاع أسعار العقارات في جميع المحافظات، ومبررا لهذه الزيادات والاستغلال من قبل تجار العقارات.

في العامين الماضيين، واجهت صناعة العقارات السورية أزمة حادة، وهو الوضع الذي أثّر على الصناعة ككل، وتعود أسباب الأزمة بشكل رئيسي إلى عوامل، مثل عدم الملاءمة بين العرض والطلب، أو الزيادة في بناء الأبراج الكبيرة الراقية، أو التّضخم المرتفع في أسعار العقارات، ومع ذلك لم تبت الحكومة بقرارات الإسكانات القديمة.

وبحسب القائمين على مشروع الإسكان الشبابي، فإن تأخر إنجاز المشروع في 2007، والذي من المفترض أن يُسلّم بعد خمس سنوات من انطلاقه، يعود إلى تأخر فرع إسكان المنطقة الجنوبية في الإعلان عن المناقصات للمرحلة الأولى من المشروع، رغم أن ملفه جاهز لدى مجموعة إسكان السويداء، وتنتظر التنفيذ العملي فقط.

وتلاه أيضا، تأخر الإعلان عن مناقصة مراكز التحويل الكهربائي لشقق المرحلة الثانية التي لا تزال قيد التنفيذ، وإضافة إلى ما ذكر كان العامل الأساسي في عدم اكتمال المشروع، هو تأخر الجهات المنفّذة للمشروع في التنفيذ بسبب ظروف البلاد آنذاك، وعدم وجود عمالة في ذلك الوقت.

من جانبها قالت المهندسة، كندة الظواهرة، رئيسة مجموعة إسكان المنطقة الجنوبية، إن العديد من الشباب المكتتبين في السكن الشبابي، راجعوا المجموعة لبيع شققهم بسبب عجزهم عن دفع الأقساط المستحقة عليهم، مضيفة، أن “رفع الأقساط الشهرية مرتبط بالارتفاعات المستمرة لأسعار مواد البناء، لذلك من غير الممكن احتساب تكلفة الشقة حاليا على أسعار 2012، أي عند البدء بالمشروع بشكل عملي، خاصة أن مواد البناء ارتفعت أضعافاً مضاعفة”.

وفي حين يبلغ متوسط صافي الراتب الشهري للموظف السوري 90 ألف ليرة سورية، فقد بات شراء منزل في سوريا أمر يفوق خيالات السوريين، فمع ارتفاع أسعار العقارات في سوريا غير المبرر، أصبح من المستحيل شراء منزل في سوريا، حتى لو كان المرء محظوظا بما يكفي للعثور على وظيفة، حيث تُعتبر أزمة السكن في سوريا من أكثر القضايا إلحاحا في البلاد، في الوقت الذي ارتفعت فيه تكاليف البناء بنحو 200 بالمئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.