أسابيع قليلة وتبدأ شركة بريطانية تعمل لصالح إسرائيل في استخراج الغاز من حقل “كاريش” المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، فيما الحكومة اللبنانية لم تعلن رسميا تاريخا محددا لبدء التنقيب.

 وفق الأجواء العامة يبدو أن لبنان راضيا عن الحلول التي جلبها بحقيبته الوسيط الأميركي في محادثات حل النزاع الحدودي البحري بين إسرائيل ولبنان، آموس هوكشتاين، حين زار لبنان في 9 من أيلول/سبتمبر الجاري، واجتمع مع الرئيس ميشال عون، ونائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، ورئيس الأمن العام عباس إبراهيم، ليخرج بتصريح للإعلام يقول فيه، “مفاوضات ترسيم الحدود البحرية حققت تقدما جيدا جدا”.

رضى لبنان على حلول هوكشتاين، اخترقته تهديدات حسن نصر الله، زعيم “حزب الله” اللبناني، والذي ظهر بخطابه الأخير مهددا فيه إسرائيل، بالقول، سنستهدف حقل “كاريش” إذا لم تتحقق مطالب لبنان، وسنراقب مسار المفاوضات لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

قبل يوم واحد من زيارة الوسيط الأميركي إلى لبنان، أعلنت شركة “إنيرجيان بي إل سي” البريطانية بأنها جاهزة لأن تبدأ في غضون بضعة أسابيع باستخراج الغاز من حقل “كاريش” الواقع شرقي البحر المتوسط، وهذه الشركة ستقوم بالتنقيب لصالح إسرائيل؛ فيما اتفقت الحكومة اللبنانية مع شركة “توتال” الفرنسية للتنقيب داخل لبنان.

اقرأ أيضا: مقترح نهائي لحل الخلاف الإسرائيلي– اللبناني حول حقل “كاريش”

بعد سنتين من المد والجزر والتهديدات المستمرة بين البلدين بقصف الواحدة للأخرى والقلق الذي يعيشه شعب لبنان جراء هذا الملف، زيادة عن الضغوطات الاقتصادية التي يعيشها، تمت شبه حلحلة لأزمة حقول النفط ولكن ليس بشكل نهائي؛ احتمالات الحرب مفتوحة في حال تعنتت إسرائيل من جهة و”حزب الله” من جهة أخرى في آرائهما.

قبل الظهور الإعلامي لنصر الله، وإطلاقه سلسلة التهديدات الجديدة، كان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، قد حذر في 15 من الشهر الحالي نصر الله، من عرقلة مفاوضات الحدود البحرية مع لبنان أو إلحاق ضرر بمنصة حقل “كاريش”.

تهديدات غانتس سبقها بيوم واحد، تصريح للرئيس ميشال عون، قال فيه، إن الاتصالات لإنجاز ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية قطعت شوطا متقدما، إضافة لوجود بعض التفاصيل التقنية التي تتم دراستها لما فيه مصلحة البلاد وحقوقه.

تصريح عون، تزامن مع مقابلة لمدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، على قناة “إم تي في” اللبنانية، جاء فيها أن “تلك المحادثات ستساعد في توزيع موارد النفط والغاز وقد توشك على الانتهاء”.

إبراهيم كان متفائلا في هذا الملف، مؤكدا خلال المقابلة، “نتحدث عن أسابيع، لا بل عن أيام للانتهاء من ملف الترسيم. وأنا أميل لأن تكون الأمور إيجابية”.

بين تفاؤل عون وعباس وتهديدات نصر الله وغانتس، كيف سينتهي سيناريو هذا الملف وما هي النهاية التي سيحملها إلى الجمهور اللبناني؟

إسرائيل متحمّسة ونصر الله يهدد بحرب

وفق المعطيات المتوفرة، هناك خطة أصبحت جاهزة عن كيفية انطلاق عملية رسم الحدود برا وبحرا، خاصة وأن إسرائيل أبدت مؤخرا حماسة لحل الموضوع بأقرب وقت، بحسب حديث المتخصصة في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، لـ “الحل نت”، وبحسب المعلومات فقد وافقت اسرائيل على إعطاء لبنان مساحة 860 كيلومتر مربع مع السماح لهم أيضا بالأفضلية في التنقيب بحقل “قانا”، ولكن ذلك لن يكون مجانا، إذ تسعى إسرائيل في الحصول على نقطة رأس الناقورة البرّية والمنطقة التي تقع فوقها (هي أخر نقطة لبنانية مع الحدود الإسرائيلية)، والتي لطالما كانت نقطة اختلاف بين البلدين.

للأسف فإن خط 23 لا ينطلق من رأس الناقورة، بحسب هايتيان، وبالتالي اعتبرت اسرائيل أن من حقها المطالبة به، وهنا تكمن العقدة التي قد تعرقل نوعا ما خاتمة تلك المفاوضات. لبنان متمسك بالمساحات البرية التي تفصل بين الناقورة والحدود الإسرائيلية لذا الأمر ليس سهلا.

هايتيان، تعتقد أن كل من الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية تريدان الإسراع في حل الملف للتخفيف من تصعيد نصر الله، الذي كان يهدد بحرب بين البلدين في بداية أيلول/سبتمبر الحالي، ثم عاد مهددا بالحرب في نهاية الشهر، هو يضغط جدا على إسرائيل ولكن قد يكون هناك مماطلة نوعا ما، إذ ترد معلومات حول تأجيل المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية والأميركية وحتى اللبنانية، فيما “حزب الله” يريد حسم الموضوع قبل رحيل الرئيس اللبناني ميشال عون، ليقال أن على عهده وكونه حليف الحزب، تم تحقيق أكبر وأهم ملف لبناني.

في العام 2020 انطلقت المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية التي بين إسرائيل ولبنان وكانت الولايات المتحدة الأميركية عرّابة المحادثات؛ عند الجولة الخامسة توقفت المباحثات، والسبب خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها في البحر المتوسط.

بعد سنتين قررت واشنطن إحياء الملف لحله جذريا، وفي حزيران/يونيو الماضي، تصاعد التوتر بين لبنان وإسرائيل، حين وصلت إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها سفن تابعة لشركة “إنيرجيان” مخصصة لاستخراج الغاز استؤجرت لحساب إسرائيل.

“حزب الله” حذر مرارا إسرائيل من القيام بأي نشاط في “كاريش” قبل التوصل لاتفاق بهذا الشأن مع لبنان. وفي الثاني من تموز/يوليو الفائت، قالت إسرائيل إنها اعترضت ثلاث مسيرات تابعة لـ “حزب الله” كانت متجهة إلى منطقة حقول الغاز في البحر المتوسط.

هذا الجدل القائم بين الجانبين، يتمحور حول تمسك لبنان بأحقيته الكاملة في حقل “كاريش” كونه يقع داخل جزء من المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، فيما كانت الأخيرة تقول إن “الحقل بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة”.

فماذا سيحصل في حال فشلت المفاوضات في المرحلة الأخيرة هو السؤال الذي يجول بين اللبنانيين؟

“توتال” ستنقب وتدفع لإسرائيل حصتها

الوسيط الأميركي هوكشتاين، قدم حلا في شهر آذار /مارس الماضي، شرح فيه، أن بلوك تسعة يكون للبنان وبلوك ثمانية يتقاسمه لبنان مع إسرائيل، وعن بلوك تسعة قال، إذا كان هناك وجود لحقل “قانا” الأولوية ستكون للبنانيين وهم من سيبدأوا بالتنقيب؛ أما إذا تعدت “قانا” الخط 23 حتى الحدود الإسرائيلية، يتم معالجة الموضوع بإعطاء إسرائيل حقها، لكن يبقى لبنان المسؤول بمفرده في العمل على حقل “قانا”. لكن لبنان رفض هذا المقترح وطلب بأن يستفيد بمفرده منه، وأن يكون بلوك ثمانية له فقط، بحسب حديث الخبير الاقتصادي السياسي، جاسم عجاقة، لـ “الحل نت”.

هوكشتاين عرض المقترح اللبناني على الجانب الإسرائيلي الذي بدوره أصرّ على أن المفاوضات تكون فقط حول 860 كيلومتر مربع، وبالتالي تريد إسرائيل إسقاط المطلب اللبناني الذي ينادي بحقل “كاريش” مقابل “قانا”، وأن الحكومة الإسرائيلية تصر على أن أي حق لها في المنطقة المتنازع عليها ستطالب به من باب الإنصاف، وفق عجاقة.

في وقت سابق طالب نواب لبنانيون من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية التوقيع على تعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 بدل الخط 23. وأعلن العميد بسام ياسين، رئيس الوفد اللبناني التقني العسكري المفاوض، أن تمسك لبنان بالخط 29 بدل الخط 23 يضمن حقوقه بحقل “كاريش” النفطي كحقل متنازع عليه رسميا.

الجانب اللبناني لا يريد التقاسم مع الإسرائيليين لكن لم يذكر بأنه لن يعطي حقهم بالأرباح، بحسب عجاقة، وعرضت شركة “توتال” مثل تسوية، قالت فيها بأن لبنان سيأخذ كل “قانا” لكن عليه إعطاء مثل تعويضات لإسرائيل، ولكن ستدفعها شركة “توتال” من حصتها في الأرباح، وقد يقبل لبنان بهذا الحل مقابل الحصول على ضمانات من الشركة الفرنسية بالبدء جديا وقريبا في التنقيب، والضغط هنا يبقى على الفرنسيين الذين عليهم الضغط على شركة “توتال” للإعلان عن موعد للبدء بالتنقيب.

المفاوضات لن تتوقف وستستمر في هذا الاتجاه وهذا ما سوف يعملون عليه، يقول عجاقة، وبالتالي سيكون اتفاق أميركي فرنسي لبناني. ما يريده لبنان فقط هو ضمانة ببدء التنقيب وليس لديه حينها أي مشكلة من إعطاء إسرائيل تعويضات أو ما شابه.

حقل “كاريش” للنفط والغاز الطبيعي، يقع في المياه الإقليمية بحوض البحر الأبيض المتوسط، ويبعد 100 كلم عن السواحل الإسرائيلية، وحوالي 75 كلم عن ساحل حيفا، تقدر مساحة الحقل بنحو 150 كيلومترا مربعا، ووفقا لوزارة الطاقة اللبنانية، فإن الحقل يبعد نحو 4 كلم فقط عن حدودها مع إسرائيل، وتحديدا في البلوك رقم 8، و7 كلم عن البلوك رقم 9، وهما تابعان للمياه الإقليمية اللبنانية.

قد يهمك: تقدم على مستوى تشكيل الحكومة وترسيم الحدود في لبنان

حجم الاحتياطات من الغاز الطبيعي في حقل “كاريش”، يقدر بنحو 1.3 تريليون قدم مكعب، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الاحتياطات يتراوح بين 1.5 تريليون إلى 2 تريليون قدم مكعب، بحسب تقرير لموقع قناة “الجزيرة”.

مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية يقدر بنحو 22 ألف كيلومتر مربع، في حين تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا.

يقدر حجم الاحتياطي البحري اللبناني من النفط بنحو 865 مليون برميل، وتقدر حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه البحر المتوسط بنحو 96 تريليون قدم مكعب.

جذور أزمة حقل “كاريش” تعود إلى عام 2011، بحسب التقرير، حين أودع لبنان لدى الأمم المتحدة إحداثيات حدوده البحرية الجنوبية، معتمدا الخط رقم 23 بينما اعتمدت إسرائيل الخط رقم واحد.

عام 2012، طرح الوسيط الأميركي فريديريك هوف، تقسيم المنطقة المتنازع عليها ومنح لبنان 490 كيلومترا مربعا، ومنح إسرائيل 370 كيلومترا مربعا، وهو ما رفضه لبنان.

تشرين الأول/أكتوبر 2020، انطلقت المفاوضات التقنية غير المباشرة بين الطرفين، حيث عدل لبنان مطالبه خلال المفاوضات بترسيم الحدود وفق خط جديد هو الخط 29 الذي يمر عبر حقل “كاريش”.

كان من المفترض أن تقتصر المحادثات، لدى انطلاقها، على مساحة بحرية تقدر بنحو 860 كيلومترا مربعا، بناء على خريطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة.

لكن لبنان اعتبر لاحقا أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بالبحث في مساحة 1430 كيلومترا مربعة إضافية تشمل أجزاء من حقل “كاريش”، مما يعني أن المساحة المتنازع عليها من وجهة نظر بيروت هي 2290 كيلومترا مربعا، وهو ما رفضته إسرائيل وأدى إلى توقف المفاوضات.

تشرين ثاني/نوفمبر 2020، أعلنت إسرائيل رفضها موقف لبنان وإصرارها على عدم إجراء محادثات مع بيروت بشأن المناطق الواقعة خارج المياه المتنازع عليها المذكورة في المبادئ التوجيهية المودعة لدى الأمم المتحدة عام 2011.

أيار/مايو 2022، تراجع لبنان رسميا عن مطالبته بالخط 29 وحقل “كاريش”، وأبلغ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بذلك، مقابل حصوله على الخط 23 مع حقل قانا كاملا.

حزيران/يونيو 2022، دخلت السفينة اليونانية “إنرجيان باور” إلى حقل “كاريش” للتنقيب، كما جرت عملية توصيل الأنابيب لكن شركة “إنرجيان” أبلغت إسرائيل أنها ليست جاهزة بعد لضخ الغاز من هذا الحقل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.