الدكتور سعد سلوم مثقف عراقي فاز مؤخرا بجائزة “ابن رشد للفكر الحر” لعام 2022، وقبلها حصل على جائزة “تحالف ستيفانوس الدولية” في أوسلو عام 2018 عن جهوده في حماية حرية المعتقد، وجائزة “البطريركية الكلدانية” عن كتابه “المسيحيون في العراق: التاريخ الشامل والتحديات الراهنة”، وجائزة “كامل شياع” لثقافة التنوير عن مجمل أعماله الفكرية.

سلوم يحاول أن يوجد مسارا فكريا مختلفا عن أقرانه من المثقفين العرب من خلال التركيز على تغيير أنماط التفكير التقليدية بشأن إدارة التنوع، وهو مؤلف لـ 18 كتابا عن التنوع الديني والإثني واللغوي في العراق، وله مؤلفات أخرى بالإنجليزية ومؤلفات مترجمة للإيطالية والفرنسية. مدافع عن التنوع الديني والإثني، وقد حرص على عكس معتقداته في عمل مؤسسته “مسارات” الرائدة في مجال الدفاع عن الحريات الدينية في العراق والعالم العربي، والمجلة الثقافية التي يرأس تحريرها والتي صدرت عام 2005.  كرس عمله لمواجهة خطابات الكراهية ومنع الإبادة الجماعية والمساواة العرقية والدينية وتعزيز “ثقافة التنوع” ومفهوم المواطنة الذي يقوم كليا على “المساواة الكاملة وغير المشروطة”، وأيضا من خلال النضال بالاعتراف بالأقليات الدينية غير المعترف بها رسميا.

سلوم هو أيضا أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية. قاد العديد من المبادرات النوعية مثل “مبادرة الحوار المسيحي الإسلامي” في 2010، و”المجلس العراقي للحوار بين الأديان” في 2013، و”المركز الوطني لمكافحة خطابات الكراهية” 2018، و”معهد دراسات التنوع الديني” في بغداد” 2019 و”معهد دعم صحافة التنوع” في العراق 2020.  ويترأس مؤسسة “مسارات” الرائدة في حوار الأديان وحماية التنوع التي تعمل منذ عام 2005 على تعزيز الحريات الدينية وحماية الأقليات.

الحوار مع سلوم يتناول جوانب تفكيره في أهمية التنوع في العراق وكيفية تغيير تقاليد الكتابة عن التنوع في العالم العربي، وكيفية استثمار التنوع من خلال فكرته عن اقتصاد التنوع المجتمعي كبديل لاقتصاد الريع النفطي، وهو ما يطلق عليه تغيير “البراديغم” (يُمثل نموذجا في كيفية تفكير الإنسان في الأمور والأشياء والأحداث المرتبطة بالواقع) عن التنوع بوصفه مصدر غنى وليس تهديد للوحدة في التنوع على نحو ما يظهر في عنوان كتابه “الوحدة في التنوع” الصادر عام 2015 وبوصفه مصدر ثروة.

سلوم كرس جوانب من عمله في الدفاع عن العديد من الأقليات الدينية غير المعروفة على نطاق واسع في العالم العربي مثل الزرادشتيين والبهائيين والكاكائيين، وكذلك في الدفاع عن العراقيين من أصول إفريقية في ضوء المتغيرات التي مرت بالمنطقة خلال السنوات القليلة الماضية.

“الحل نت” حاور الدكتور سعد سلوم، بعد تسلمه جائزة “ابن رشد للفكر الحر”، في العاصمة الألمانية برلين.

كيف تنظر لمستقبل التنوع في المنطقة ما بعد الربيع العربي؟

إن “ديناميات الهوية” ما بعد احتجاجات “الربيع العربي” معقدة للغاية ولا يمكن تبسيطها في رؤية أحادية من دون مراعاة التبدلات والتحولات المستمرة في خريطة التنوع الديني والإثني واللغوي في المنطقة، في ضوء الأحداث التي شهدتها العراق في 2003 وتحولات “الربيع العربي” 2011 وصدمة “داعش” في سوريا والعراق 2014، ففي مقابل هجرة الأقليات من مصر وسوريا ولبنان والعراق، عادت أشكال وهويات قديمة كانت غائبة، ومثلما  كانت “داعش” نتاجا معقدا لفشل الدولة مضفورا بعوامل إقليمية ودولية، كذلك فإن عودة الزرادشتية في العراق بعد غيابها أكثر من 1500 عام يشير إلى مخرجات هذا الفشل. إن هناك مطالبا جديدة تطورت في سياقات متغيرة مثل مطالب الأرمن بالاعتراف بالإبادة الجماعية بعد مرور قرن على ارتكابها 1915-2015، ومساهمة البهائيين وحضورهم في المجال العام في العديد من دول المنطقة مثل تونس ومصر واليمن والعراق في ضوء احتجاجات “الربيع العربي”. الأمر الذي حفزه لتحليل حدود حرية الدين والمعتقد في ظل “براديغمات مهيمنة”، وتحليل التأثير العابر للحدود على صحوة هويات مقموعة منذ قرون في المنطقة، مثل تصاعد الوعي بحقوق ذوي البشرة السوداء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والإقرار بالتمييز الذي يواجهونه في بلدان المنطقة منذ فوز باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة في 2008. جميع هذه التحولات تركت أثارها على ديناميات الهوية في سياق مطالب جديدة ومتغيرة على نحو محفز لتحدي “براديغمات مهيمنة” تخيم على تغطية قضايا الأقليّات في الشرق الأوسط.

 حملت على عاتقي مسؤولية للدعوة إلى تغيير “البراديغم” من خلال إعادة اكتشاف التنوع الغني في المنطقة وعلاقته بالسياق السياسي والاجتماعي المتغير على نحو لا يحجب علاقة الأقليات الدينية غير المسلمة بمجتمعاتهم الشرق أوسطية الأوسع، وحراكهم الداخلي الفعال على نحو يغير الصورة النمطية عن هذه الأقليات، بوصفها مجرد دمى سلبية تتحرك على مسرح تاريخ الشرق الأوسط.

كتبت عن إعادة اكتشاف المسيحيين في الشرق الأوسط، فهل المقصود هنا، إنهم بحاجة إلى إعادة دراسة أو قراءة جديدة في ضوء ما يتعرض له من نزوح وهجرة من بلدان المنطقة؟

من المهم إعادة اكتشاف مكانة المسيحيين ودورهم في العالم العربي، من منظور بعيد عن التسييس، وعن المعرفة بالصدمة و”البراديغمات المهيمنة” على صورة المسيحي في الشرق الأوسط في الأدبيات ووسائل الإعلام الغربية، وعن معالجة بعض الأدبيات العربية ذات الطابع الغنائي والعاطفي؛ لا بد من تحدي “البراديغم المهيمن” على الأدبيات التي تناولها المبشرون الغربيون (المغامرون، والمستشرقون) والذي رسخ من تصوير المسيحيين من خلال المأساة، فالأدبيات تركز على مسار مأساوي مهمين للأحداث مثل مجازر الموارنة في لبنان 1860 ومذابح الأرمن في شرق الأناضول 1915، و مذبحة الآشوريين عام 1933 في شمال العراق.

اقرأ أيضا: لوح “حلم جلجامش”.. بغداد تحتفل بتسلمه بعد 30 عاما من السرقة!

 المسيحيون والأقليات الدينية الأخرى ليسوا ضحايا فحسب، فهم غير معزولين عن مجتمعاتهم، وهم مشتركون في القيم والممارسات الثقافيّة مع الأغلبيّة، إنّهم جزء من المجتمعات المحلية مثلهم مثل الأغلبية، والصورة المهيمنة للمسيحي كضحية فحسب من شأنها حجب اكتشافهم أو دراستهم من خلال علاقتهم بمجتمعاتهم الشرق أوسطية الأوسع، ومن شأن إظهارهم كضحايا سلبيين في ظل أغلبية قوية أو أنظمة استبدادية والتركيز الحصري على أزمنة النزاعات الحادة ودورهم التاريخي والراهن بالرماد، وإعفائهم من مسؤوليتهم التاريخية تجاه مستقبل المنطقة ما بعد “الربيع العربي”، والتقليل من مساهمتهم في بناء أوطانهم.

في خطابك بمناسبة الفوز بجائزة “ابن رشد”، دعوت إلى إعادة النظر فيما أطلقت عليه “ممارساتِنا العنصرية تجاهَ الأقليات العرقية، وبضمنها التميز الراسخ ضد سود البشرة”، وأشرت إلى إنه لا يمكن أن نتعاطف مع ضحية في الخارج وننكر وجود المئات في مجتمعاتنا، هل يمكن توضيح هذه الدعوة؟

كان مزعجا النفاق السائد بعد التضامن منقطع النظير في المنطقة العربية، مع مقتل المواطن الأميركي، جورج فلويد في أيار/مايو 2020، في وقت كان فيه مواطنون يحلمون لون البشرة ذاته الذي يحمله فلويد، يتعرضون لاضطهاد منهجي في أنحاء عديد من بلدان المنطقة، وما تزال اللغة تفضح هذا التمييز، إذ ما يزال يطلق عليهم في مصر “بوابين” وفي اليمن “أخدام”،  وفي العراق “عبيد” وفي  بلدان الخليج “أخوال”، هؤلاء مثل النوبيون في مصر والتُبو والطوارق في ليبيا، و ساكنو الواحات من الحراطين في موريتانيا، والأتراك من أصول إفريقية والتوانسة من ذوي البشرة السوداء، وكذلك الأفروعراقيين هم مواطنون في أدنى سلم التراتبية الاجتماعية في  بلدان المنطقة.

ما فعلته خلال الأعوام الماضية هو تسجيل ونشر قصة هؤلاء في العراق، وقد ساعدني كثيرا وجود أيقونة مشابهة لجورج فلويد، وهي الناشط المدني جلال ذياب الذي اغتيل في البصرة عام 2013 والذي أطلقت عليه لقب مارتن لوثر كنغ العراق.  وكان قد أسس حين التقيته عام 2009 حركة العراقيين الأحرار (أنصار الحرية) بعد فوز الرئيس باراك أوباما بالرئاسة لمواجهة سياسات التمييز ضد الأفروعراقيين.

 دهشت حين رأيته قد علّق صورتي مارتن لوثر كنغ وباراك أوباما على حائط مدرسة أنشائها للأطفال من سكان العشوائيات في الزبير في البصرة جنوب العراق. حينئذ كتبت عن صحوة هوية غير متوقعة وعن استيقاظ التاريخ الذي جرى إسكاته في كتب المؤرخين العرب المسلمين لهذه الفئة المستبعدة والمهمشة، وقصص خطف وشراء أجداد “جلال” من أفريقيا إلى العراق على يد تجار الرقيق العرب، وثورتهم التي طمرت في كتب التاريخ العربي والتي استمرت مدة 15 عاما (بين سنة869 – 883 م)، والمعروفة بثورة الزنج والتي انطلقت في مدينة جلال ذياب نفسها (البصرة). منذ فوز باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة في 2008 وحتى مقتل جورج فلويد، كنت شاهدا على تصاعد الوعي بحقوق ذوي البشرة السوداء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والإقرار بالتمييز الذي يواجهونه في أكثر من بلد عربي. وجدت مهمة مضافة إلى مسؤولية الدفاع عن حقوق هذه الفئة المهمشة تتعلق بتدوين قصصهم وتراثهم الشفاهي، إذ لم تكن هناك محاولات بحثية معاصرة تعكس معطيات جديدة لأوضاعهم، عدا استثناءات قليلة مفيدة في رسم خلفية تاريخية عنهم مثل كتاب المؤرخ والوزير العراقي السابق فيصل السامر، “ثورة الزنج” الذي نشر لأول مرة في بغداد عام 1952.

قد يهمك: أسبوع ثقافي سوري على المسرح الوطني العراقي 

  بعد نشرها بنحو تسع سنوات ظهرت دراسة أخرى في بيروت حملت عنوان “ثورة الزنج وقائدها علي بن محمد” للباحث أحمد علبي في 1961. في المقابل برزت صورة سلبية عنهم وعن ثورتهم في كتب التاريخ الإسلامي، ولم يتحرر من تأثيرها حتى الباحثون والمؤرخون المسلمون المعاصرون، مثل الكاتبين المصريين، أحمد أمين في كتابه الشهير “ظهر الإسلام” والمؤرخ المصري حسن إبراهيم حسن في كتابه ” تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي”. كانت الكتابات التاريخية تظهر ثورة الزنج في سياق اتهامات تشبه إلى حد بعيد مثيلتها المعاصرة بتهديد الأقليات للوحدة الوطنية حين تطالب الحركات السياسية ذات الطابع الإثني بحق تقرير المصير أو ترفع شعار المساواة أو تدافع عن حقها في المواطنة وعدم التمييز.

 أما الكتابات التي تمردت على قولبة الثورة وأصحابها، فقد كانت تستند إلى حس ثوري أو بالأحرى عكست قراءة يسارية الطابع للتاريخ لحراك ذوي البشرة السوداء بوصفه ثورة اجتماعية ضد الظلم والسلطة الغاشمة في الفترة العباسية، مثال ذلك تناول الكاتب اليساري اللبناني حسين مروة، ثورة الزنج ضمن الثورات الاجتماعية في الفصل الأول من الجزء الثاني من كتابه “النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية”.

في السنوات الماضية، أكدت على أهمية النضال من أجل توسيع دائرة الاعتراف بالأقليات الدينية غير المعترف بها، وذكرت الحاجة إلى ثورة ضد النهج الحصري لحرية المعتقد، والذي يتعارض مع روح عالمية لحقوق الإنسان تقوم على احترام الكرامة الإنسانية للجميع، فمن تقصد على سبيل المثال؟

دراسة حالة البهائيين في الشرق الأوسط بالنسبة لي ذات دلالة عميقة على حدود الحريات الدينية في العالم العربي، إذ على الرغم من مرور أكثر من مئتيْ عام على ولادة مؤسس الدين البهائي، فإنه لا يوجد بلد عربي يعترف بالدين البهائي. تُختصر محنة البهائيين في المنطقة معضلة إدارة التنوع على صعيد الدولة وتقبل الاختلاف الديني على صعيد المجتمع، وعلى نحو يهدد بفقدان رأس مال حضاري من التنوع الديني، وهو ما يرسمه الاضطهاد المنهجي الذي تعرضوا له خلال فترة تزيد على قرن من الزمن من السياسات الراهنة ضدهم في اليمن، وفي إيران الثورة الإسلامية منذ نهاية سبعينات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن، وفي العراق البعثي في سبعينات القرن الماضي، وفي مصر عبد الناصر في تواريخ مختلفة منذ ستينات القرن الماضي. نتيجة لذلك، حرم البهائي من ممارسة قناعاته الدينية علنا أو إشهار هويته الدينية والاعتراف بها رسميا.

فضلا عن إن مساهمة الزعماء البهائيين في تراث الاصلاح والنهضة للشعوب العربية والإسلامية جرى تغييبها، مثل دور “بهاء الله” (1817-1892) مؤسس الدين البهائي و”عبد البهاء” (1844-1921) مفسر تعاليمه وخليفته، اللذان يعدان جزءا من حراك العقول الإصلاحية مثل جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا، والنائيني في العراق وإيران. بل إن طروحات الإصلاح البهائية سبقت زمنيا ما قدمه عبد الرحمن الكواكبي في “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” والنائيني في “تنبيه الأمة وتنزيه الملة”، إذ تضمن الكتاب الأقدس للبهائيين والرسالة المدنية لعبد البهاء، دعوة إصلاحية للبلدان الإسلامية وللحضارة الإنسانية بشكل عام.

 قد اتضح لي من خلال البحث إن أفكار بهاء الله، ومبادئ الدين الذي دعا لها، كانت قريبة من أفكار زعماء الإصلاح في الشرق الأوسط في كل من إيران ومصر وتركيا، وناقشت أفكارا ستظل مطلبا لجميع الدعوات الإصلاحية في المنطقة العربية في القرن الذي تلاها مثل، الفصل بين الدين والسياسة، التأييد الكامل للحرية الدينية، ضرورة التوافق بين الدين والعلم، والمساواة التامة بين الرجل والمرأة. وقد ترجم عبد البهاء الابن الأكبر لبهاء الله، ومفسر تعاليمه، هذه التعاليم الإصلاحية عبر خطبه ومؤلفاته ورسائله، لا سيما “الرسالة المدنية” التي تعد “مانفيستو” بيانا للإصلاح الاجتماعي والديني بهدف تجديد المجتمع الإسلامي، سبق زمنيا الكتابات الإصلاحية الشهيرة لرواد الحداثة في الشرق الأوسط من مسيحيي بلاد الشام أو مسلمي إيران وتركيا ومصر والعراق، وقد نشرت لكاتب مجهول الهوية في بومباي عام 1882، وتكمن أهميتها في كونها الكتاب الثاني الذي يطبعه البهائيون بعد كتاب “الإيقان” الذي كتبه بهاء الله في بغداد عام 1862.

في مؤلفاتك دعوة الى اقتصاد أطلقت عليه تسمية “اقتصاد التنوع المجتمعي الخلاق” كبديل لاقتصاد الريع النفطي، هل تعتقد أن التنوع مصدر ثروة أساسي لبلدان المنطقة؟

ينبغي فهم فكرة الاقتصاد القائم على فكرة التنوع المجتمعي الخلاق بمرونة عالية وعلى نحو أقصد فيه استثمار جميع طاقات المجتمع التعددية ورأس ماله البشري وخبراته التراكمية عبر الأجيال، وتوظيف ميراثه الحضاري والديني التعددي الألفي، فضلا عن الدينامية التي تضفيها الأقليات الدينية والإثنية على الاقتصادات الوطنية بما تتسم به من مرونة ومهارات وانفتاح فكري ومستويات تعليم عالية.

قد يهمك: “لا مستقبل بدون تأريخ”.. العراق يفتتح المتحف الوطني بعد تأهيله

إنه اقتصاد بديل لاقتصاد الريع النفطي الذي لم يجلب للعراق على سبيل المثال سوى الاستبداد والمزيد من الصراع والانقسام والفساد. دمر قطاعات شكلت هوية البلاد الحضارية مثل قطاع الزراعة في بلاد عرفت باسم بلاد ما بين النهرين. لا يمثل النفط هوية البلاد الحضارية بخلاف النهرين الخالدين، دجلة والفرات، والتنوع الذي يمثل ميراثا حضاريا مشتركا لكافة الجماعات العراقية (المسلمة والمسيحية والإيزيدية والمندائية والكاكائية والبهائية الخ) هو الذي يجعل من هوية العراق تعددية في جوهرها ولا يمكن اختزالها بهوية أحادية أو اختصارها إلى محض صراع بين جماعات كبرى (كردية وشيعية وسنية)، حول السلطة والثروة.

من السهولة صياغة الفكرة كجزء من ثورة في التفكير في مجال تنويع الاقتصاد من أجل تخفیف الاعتماد على القطاع النفطي وزیادة مساهمة القطاعات الأخرى المهملة والمنسية تماما.  أعتقد أن تضمين رؤية اقتصادية إصلاحية في إطار مواطنة تقوم على احترام التنوع الثقافي، وتعد التنوع ثروة البلاد الدائمة، ووجوب حمايته كرأس مال حضاري لا ينضب؛ هو أمر يجب الانتباه إلى أهميته من قبل النخب السياسية والثقافية والأكاديمية في العراق بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.