واقعيا، تعد سلطنة عُمان الدولة الأهدأ في المنطقة منذ عقود طويلة، وبان هدوء السلطنة بوضوح إبان حكم السلطان قابوس بن سعيد لها طيلة نصف قرن.

لم تتعرض عُمان لأي مشاكل سياسية مطلقا، كانت دائما بمعزل عن توترات المنطقة، غير أنها بموازاة ذلك تتمتع بعلاقات دبلوماسية كبيرة ومع الكل، ولم تقف مع طرف ضد آخر، وذلك أكثر ما يلفت الانتباه نحوها.

في بحوث العلاقات العامة الدولية في الشرق الأوسط، دائما ما يُشار إلى سلطنة عُمان، كونها الدولة الأمهر في العلاقات الدبلوماسية بين قريناتها من دول المنطقة، وذاك ما جعلها بعيدة عن التوترات.

يقول رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيدر سعيد، إن سلطنة عُمان دولة قديمة وسياسة سلاطينها متجذرة، فهي ليست من إفرازات اتفاقية “سايكس بيكو”، بل أقدم من ذلك، حتى أنها كانت تحكم أجزاء من الشاطئ الإفريقي.

قدم السلطنة وتجذر سلاطينها، أنتج لها تراكم خبرات وفيرة، جعلها تتعامل بحكمة قل مثيلها في السياسة، لذلك ليس بالغريب، أن تكون الدولة نموذجا للأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية في المنطقة، بحسب سعيد.

قابوس طوّر السلطنة

التطور في سلطنة عمان على جميع الأصعدة، وأبرزها الصعيد السياسي، بدأ منذ وصول السلطان السابق، قابوس بن سعيد، إلى الحكم عام 1970، إذ أنه طوّر السلطنة، حتى أنه أدخلها جامعة الدول العربية بعد عام من حكمه لها.

استمر السلطان قابوس في حكم السلطنة لمدة 50 عاما، منذ عام 1970 وحتى رحيله عام 2020، إثر صراع مع المرض، فجاء محله ابن عمه، هيثم بن طارق في 11 كانون الثاني/ يناير عام 2020.

قابوس أحدث نقلة نوعية لسلطنة عُمان، فقد طفر بها من الحكم القبلي التقليدي على يد والده سعيد بن تيمور وأسلافه، نحو نظام ديمقراطي تحت حكم سلطاني، وكرّس حياته في سياسة النأي بالنفس عن التوترات، عبر تكوين علاقات جيدة مع الجميع، وفق حيدر سعيد.

كمثال على ذلك، كان قابوس يمتلك علاقة وطيدة جدا مع شاه إيران، محمد رضا بهلوي، حتى أنه حينما أُريد الانقلاب عليه، استعان بالشاه الذي أرسل له قوة كمندوز، أطفأت الانقلاب وأنهته، كما يقول سعيد لـ “الحل نت”.

ويردف لتكملة المثال، أنه بعد نهاية حكم الشاه ومجيء “الجمهورية الإسلامية” عقب “الثورة الإسلامية” في إيران عام 1979، لم ينهِ قابوس علاقة السلطنة مع طهران، بل طوّرها مع الحكم الجديد في بلاد فارس.

في الأزمة الخليجية عندما حوصرت قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين، لم تقف سلطنة عُمان مع جهة ضد أخرى، بل اتخذت سياسة التقارب، لتقريب الطرفين من بعضهما، وتلك هي حنكة قابوس. “قابوس أطّر سياسة بلاده بشخصيته”، وفق حيدر سعيد.

رغبة دولية

حتى في علاقاتها مع إسرائيل، كانت السلطنة من أوائل الدول التي استقبلت 3 شخصيات إسرائيلية في المنطقة، آخرها استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها، بنيامين نتنياهو عام 2018.

لم تكن زيارة نتنياهو هي الأولى، فقد سبقتها زيارة شيمون بيريز للسلطنة عندما كان قائما بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1996، وكان سلفه إسحاق رابين زار مسقط قبل ذلك بعامين.

في العام نفسه الذي زار فيه بيريز العاصمة العمانية مسقط، وقّع الجانبان اتفاقية لفتح مكاتب تمثيلية تجارية، لكن السلطنة أغلقت المكاتب الإسرائيلية بعد أسابيع من انطلاق “انتفاضة الأقصى” عام 2000.

يضاف إلى حنكة السلطان قابوس، الرغبة الدولية بإبقاء عُمان على الحياد دائما؛ كونها نقطة الوصل بين إيران ودول الخليج وبالتالي مع بقية العالم، خصوصا مع التوترات المتتالية بين طهران والمنطقة والعالم، بسبب ملفها النووي، على حد تعبير حيدر سعيد.

لم يترك قابوس سلطنة عُمان تسير للمجهول بعد وفاته، لذلك تجده بحث بشكل دقيق عن خلفه الذي سيسير بالقارب بثبات دون تعرجات، فتوصل إلى التوصية بابن عمه هيثم بن طارق، بعد أن وجد به الأقرب لفكره، فحدث ذلك بالفعل.

هناك دول محظوظة بقيادات. أحيانا القيادة تصنع دولل، وسلطنة عُمان واحدة منها، محظوظة بقابوس الذي ضمن لها مستقبلها لعقود لاحقة بعد رحيله؛ عبر توصيته بخلفه، السلطان الحالي، هيثم بن طارق، يقول حيدر سعيد مختتما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.