في تصاعد خطير، تتزايد تهديدات الأمن الغذائي، في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لاسيما ما بعد تفشي جائحة كورونا والغزو الروسي على أوكرانيا، إذ يعاني نحو 55 مليون نسمة من أصل 456,7 مليون نسمة يعيشون في المنطقتين، من نقص التغذية، وفقا لتقديرات وكالات الأمم المتحدة، وهي نسبة ما قبل تفاقم التوتر الدولي واشتداد الحروب في عدد من دول المنطقتين.

أزمة تتفاقم مع عوامل طبيعية أخرى، مثل التغير المناخي وتداعياته في جغرافيتين شكلت حصتها من إجمالي من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في العالم 20 بالمئة، خاصة بالنظر إلى ما تمثله من نسبة سكان العالم بنحو 6 بالمئة، ما تجعل من الجوع مشكلة من المشاكل الأكثر شيوعا، بحسب تقارير مجموعة “البنك الدولي” التي تعد من بين أكبر مصادر التمويل والمعرفة للبلدان النامية في العالم، والمعنية في تقليص الفقر في البلدان النامية.

تقديرات وتحديات تتفاقم مع ما تفرضه تداعيات تغير المناخ، الذي من المتوقع أن تتسبب بخفض متوسط نصيب الفرد من إمدادات المياه المتاحة إلى النصف في ظل التوقعات الحالية بارتفاع عدد السكان إلى نحو 700 مليون نسمة في عام 2050، إضافة إلى ما تشهده باقي التحديات الطبيعية مثل انتشار أسوأ موجات الجراد الصحراوي في أكثر من 23 بلدا في العام 2020، منها اليمن وجيبوتي، مما أثر على سبل كسب عيش ملايين الأشخاص وأمنهم الغذائي.

وليس ذلك فحسب، هناك تحديات أخرى تجعل من قضية الفقر وتحديات الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر حدة، مع ما تواجهه المنطقتين من زيادة كبيرة في معدل النمو السكاني، الذي يمثل بحسب “البنك الدولي“، الأعلى عالميا، إضافة إلى نمو المناطق الحضرية التي يتوقع أن يعيش 66 بالمئة من السكان في المدن بحلول عام 2030، مقابل نقص المعدلات الإنتاجية الزراعية.

اقرأ/ي أيضا: شمس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. استقرار مستقبلي وحلقة وصل عالمي؟

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومواجهة تحديات الأمن الغذائي

إضافة إلى ضعف النظام الغذائي ذاته، الذي تعتمد فيه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اعتمادا استثنائيا على الواردات الغذائية، لاسيما القمح والحبوب الأساسية الأخرى، حيث تستورد المنطقة نصف احتياجاتها الغذائية من الخارج، وهي نسبة ترتفع إلى 90 بالمئة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وهي مشكلة أخرى فاقمت من الجوع في المنطقة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا الذي قلص من إمدادات الغذاء في العالم، وتسببت في خسارة 10 ملايين شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قدرتهم على الحصول على ما يكفي من الطعام في العام 2020 وحده، وفقا لمنظمة ” هيومن رايتس ووتش” العالمية.

تهديدات تدفع بالمنطقة إلى الذهاب نحو إيجاد حلولا لمشكلة، تؤكد تقارير مختصة، بأنها ستدفع بزيادة انعدام الاستقرار، وانزلاق المجتمعات في تحديات كارثية، يقول حولها المهتم في السياسات الزراعية فلاح الخيلاني، لموقع “الحل نت“، إن “الوضع يفرض على المنطقتين التوجه إلى معالجة مشكلات الزراعة، ودعم القطاع البيئي، لتفادي سيناريوهات مأساوية“.

الخيلاني يضيف أن “الحكومات معنية بالدرجة الأولى في رسم سياساتها الإنتاجية من الزراعية، وإعادة النظر في الاستراتيجيات الخضراء لبلدانها من خلال مواجهة تحديات المناخ وما تسبب به من جفاف وانخفاض مناسيب المياه، وذلك يفترض إيجاد معالجات سريعة وطويلة الأمد“.

معالجات يشترط ضمنها الخيلاني، أن “تسارع الحكومات إلى الحد من تهديدات سياسات الاستيراد والاعتماد على واردات المواد الغذائية، ووضع خطة واضحة تهدف إلى خفض الاعتمادات على الواردات الخارجية، والتوجه نحو دعم الفلاحين“، لافتا إلى أن “ذلك سيساعد في تطوير القطاع الزراعي، ويمنع المجتمعات الريفية من الاضطرار إلى اللجوء للانخراط في أعمال جانبية، منها التوجه إلى العمل ضمن الجماعات المسلحة لتعويض نقص وارداتهم المالية“.

إن السياسات الاقتصادية للحكومات في التحكم بأسعار المواد الغذائية أيضا له دور كبير في زيادة مخاطر الجوع وتفشي الفقر، من خلال التحكم بتقلبات الأسعار في السوق، إضافة إلى وضع موازنات خاصة تهدف إلى دعم المشاريع الزراعية والبيئة الاستثمارية، لضمان السيطرة على تحديات الأمن الغذائي، لاسيما في مناطق الصراعات والحروب، والتي تعاني من ضعف الموارد الاقتصادية مثل مناطق شمال أفريقيا مقارنة بمناطق الشرق الأوسط، بحسب الخيلاني.

اقرأ/ي أيضا: هكذا ستغير أهداف تغير المناخ مستقبل المنطقة العربية

الحكومات ودورها في مواجهة مخاطر الأمن الغذائي

وسط هذا المشهد، تقول مجموعة “البنك الدولي” في تقريرها الصادر أواخر العام الماضي، أن الأمر يزداد سوءا أينما تدور رحى الصراعات والحروب، كما هو الحال في اليمن وسوريا؛ فوفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن عدد اليمنيين الذين تضرروا من انعدام الأمن الغذائي وصل إلى 24 مليون نسمة أو نحو 83 بالمئة من السكان في عام 2021، ويحتاج 16.2 مليون شخص منهم إلى مساعدات غذائية طارئة.

أما في سوريا، فقد كانت للحرب عواقب مدمرة، حيث يعاني أكثر من 12 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة تصل إلى 4.5 ملايين في عام 2020 وحده، بالإضافة إلى ذلك، عانى نصف أسر اللاجئين السوريين في لبنان من انعدام الأمن الغذائي في عام 2020، وهي زيادة نسبتها 20 بالمئة مقارنة بعام 2019.

كذلك شهد العراق ارتفاعا في معدلات انعدام الأمن الغذائي، وفقا لـ“البنك الدولي“، الذي عزا أسباب ذلك إلى، حالة الصراع المتقطع وأيضا من التقلبات في أسعار النفط العالمية، حيث يحتاج اليوم أكثر من 4 ملايين عراقي إلى مساعدات إنسانية، أما في لبنان، فإن الارتفاع الهائل في معدلات التضخم هو السبب الرئيسي في انعدام الأمن الغذائي.

غير أن التقرير أشار إلى أن الوضع في بلدان المغرب العربي ومصر وجيبوتي، كان عدد الأشخاص الذين عانوا من انعدام الأمن الغذائي مستقرا بثبات قبل تفشي كورونا. لكن ثمة اعتقادا بأن معدلات انعدام الأمن الغذائي قد ارتفع منذ ذلك الحين، وذلك من جراء الزيادة الأخيرة في معدلات الفقر في المنطقة – حيث تهدد آثار الجائحة بدفع 16 مليون شخص آخر للسقوط في براثن الفقر المدقع.

اقرأ/ي أيضا: ركود اقتصادي عالمي قريب.. هل يحصل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.