ما زال الشارع الإيراني لا يتوقف عن إذهالنا منذ أيام، صور رجال دين تحترق، حجابات تحترق، نساء بمواجهة رجال الشرطة بشجاعة لافتة وبإصرار على مواصلة الصراخ حتى استعادة الحرية.

الغبطة العميقة التي يتركها المشهد في نفوسنا كنساء يسلب ربيع الحرية منهنّ بحجج واهية في كل مرة لا يمكن أن تُسرق منا، حتى إن نجح العنف في تفريق المتظاهرين والمتظاهرات وإسكاتهم، وإن انتصر المنطق الذكوري من حيث الشكل هذه المرة أيضا؛ إلا أننا نعرف أن الكرة قد سُددت بنجاح في مرمى البطريركية الحاكمة والأنظمة المتسلطة التي تريدنا مجرد أدوات لبقائها.

اقرأ أيضا: الاحتجاجات الإيرانية تُقلق نظام خامنئي

مشهد النساء الإيرانيات الثائرات على منطق الإجبار ومصادرة حقهن في الاختيار، هو مشهدنا جميعا كنساء منهكات ومقيّدات، لا سيما في بلاد تحاول إيران فبركة نسخة منها داخلها. نحن نساء لبنان والعراق واليمن وسوريا… اللواتي تريد إيران من خلال أذرعها فرض أفكار الثورة الإسلامية فيها، لعلنا ننصاع جميعا لحكم المرشد وحكم الشريعة، ونقبع في بيوتنا نمارس المسموح به لنا وفق أدوار منمّطة كالإنجاب والطبخ والتحمّل والصبر!

وإن كنا نطالب بمنح الحرية للنساء في بلدان غربية إذا أردن ارتداء الحجاب، فإننا نشارك الإيرانيات والأفغانستانيات وغيرهنّ في رفض الحجاب القسري ورفض أي سلطة على أجساد النساء وخياراتهنّ في اللباس والعمل واختيار الشريك وشكل الحياة الذي نريده والذي نقرره بأنفسنا، من دون ضغوط وإملاءات.

إنه جيل ما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية 1979 التي أدت إلى إنهاء الحكم الملكي وإنشاء الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة آية الله روح الله الخميني. إنه جيل مهسا أميني، التي أشعلت تظاهرات أيلول/ سبتمبر 2022، بدمائها التي سالت تحت الضرب والتعنيف لارتدائها الحجاب بطريقة “سيئة”، وهي التهمة التي أنهت حياتها وأشعلت الشارع الإيراني ضد القمع وضد التدهور الاقتصادي تحت وطأة العقوبات التي جلبها حكام إيران لشعبهم.

هؤلاء الآن يخشون عيون النساء وشعور النساء التي تتمايل في ساحات أكثر من 20 مدينة بينها طهران، يخشون من تكرار سيناريو احتجاجات تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، والتي سقط ضحيتها حوالى 1500 قتيل، بالعنف الجسدي والرصاص الحي.

أشكال العنف ضد النساء

في إيران، تتعدد أشكال التمييز ضد النساء، في مختلف المجالات، وقد اعتقلت كثيرات بسبب شجاعتهن، منهن نازنين زغاري راتليفه الموظفة لدى مؤسسة “طومسون رويترز” الداعمة للصحفيين التي تم القبض عليها أثناء زيارة عائلية لإيران عام 2016، واتهمت نازنين التي تحمل الجنسية الإيرانية والبريطانية بالإعداد لـ “إطاحة ناعمة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية”.

الأستاذة الجامعية والكاتبة زهراء رهنورد، زوجة زعيم المعارضة مير حسين موسوي، جاء اعتقالها بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009، ودعمها لزوجها وقد وضعت معه قيد الإقامة الجبرية في شباط/ فبراير 2011 بدون محاكم. الناشطة الحقوقية نرجس محمدي التي اعتقلت في أيار/ مايو 2016 وحكم عليها بالسجن 16عاما رغم عدم مخالفتها القوانين، وفي نهاية حزيران/ يونيو أضربت عن الطعام بسبب منعها من التواصل مع أبنائها، إذ بعد مرور 20 يوما سمح لها بالاتصال بهم مرة واحدة في الأسبوع.

عالمة الأنثروبولوجيا الكندية الإيرانية حوما هودفار سجنت في 6 حزيران/يونيو 2015 في طهران، بعد سفرها في شباط/ فبراير من العام ذاته إلى بلدها الأصلي في زيارة. كانت تريد خلالها إجراء أبحاث تاريخية حول دور المرأة الإيرانية في السياسة. اتهمت بالتحريض لـ “مؤامرة نسوية”.

إيران تحتل رأس قائمة الدول في إعدام النساء، ففي الأسبوع الأول من تموز/يوليو 2022 أعدمت 3 نساء بسبب قتلهن أزواجهنّ.

والسؤال الذي يلحّ هنا، هل يعدم الرجال الإيرانيون إذا قتلوا زوجاتهم؟

بين عامي 2000 و2022، تم إعدام ما لا يقل عن 233 امرأة. إلى ذلك، يصار إلى التضييق على النساء الراغبات في تولي مناصب سياسية، فقد شهدت الانتخابات الأخيرة تقدم 40 سيدة بطلبات للترشح للانتخابات الرئاسية، رفضها جميعا مجلس صيانة الدستور المخول بالبت في أسماء المؤهلين لخوص السباق الانتخابي.

وينسحب ذلك إلى مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية، فوفق التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر في تموز/يوليو الماضي، أتت إيران في المرتبة 144 في جدول مشاركة المرأة الاقتصادية، بنسبة مشاركة بلغت 19 في المئة فقط.

ويفسر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” ضعف مشاركة الإيرانيات في سوق العمل في سياق الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الإيرانية لحقوق النساء الاقتصادية والاجتماعية.

وبحسب التقرير فإن الحكومة الإيرانية “استحدثت وفعّلت قوانين تمييزية تحد من مشاركة النساء في سوق العمل.

هذا جزء من صور القمع وتقييد حريات النساء، التي لا تكفي مجلدات طويلة لسردها كلها، مع العلم أن جرائم كثيرة ترتكب ولا يتم الإعلان عنها، وتُدفن قصص الضحايا، ليستكمل العنف على أخريات.

 سيناريو 2019

بالعودة إلى شوارع الانتفاضة، حتى الآن سقط ما لا يقل عن 31 شخصا في ساحات الحرية، وفقا لحصيلة نشرتها، “منظمة حقوق الإنسان الإيرانية” غير الحكومية ومقرها أوسلو، ما أثار مخاوف من حملة قمع شرسة مماثلة لتلك التي حدثت عام 2019 والتي خلفت 321 قتيلا خلال أسبوع بحسب “منظمة العفو الدولية.”

قد يهمك: الاحتجاجات تدخل مدن إيرانية كبرى

وردا على نداءات الحرية التي خرجت من حناجر نساء ورجال مقهورين، هذه المرة أيضا لم تملك السلطات سوى العنف سلاحا، إضافة إلى حجب الإنترنت لمنع نشر الصور والدعوات إلى التظاهر، حتى إن قيودا فرضت للوصول إلى تطبيق “إنستغرام”، موقع التواصل الاجتماعي الرئيسي الوحيد المتاح في إيران.

برغم كل ذلك، في ظل الأزمات المتلاحقة التي نعيشها في بلدننا، استطاعت التظاهرات الإيرانية أن ترسم بسمة صغيرة على وجوهنا، واستطاعت أن تزرع وردة لا تموت على قبر مهسا أميني وقبر كثيرات سقطن من أجل الحرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة