يستعد الناخبون الكويتيون غدا الخميس، إلى التوجه نحو صناديق الاقتراع، لانتخاب أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، وذلك في ظل مشاكل عصفت في الندوات الانتخابية لمرشحي المجلس، وسط غياب الرؤية وغياب قضية كبرى يُجمع عليها في الانتخابات لدى الفاعلين السياسيين، فضلا عن المشاكل الاقتصادية.

غياب الرؤية السياسية

313 مرشحا بينهم 22 مرشحة، يتنافسون على 50 مقعدا في مجلس الأمة الكويتي، وهي الانتخابات الـ18 في تاريخ الحياة السياسية في البلاد والسادسة في 10 سنوات، حيث تشارك شخصيات معارضة وتيارات سياسية قاطعت الاقتراع منذ عقد، متّهمة السلطات التنفيذية بالتأثير على عمل البرلمان.

اقرأ أيضا: لماذا تتجه أوروبا نحو دول الخليج العربي؟

وفي ظل غياب الرؤى السياسية للمرشحين، طغت على الأجواء الانتخابية الخطابات الحماسية، وغياب القضايا الاقتصادية عن البرامج الانتخابية، حيث عزا خبراء اقتصاديون غياب القضايا الاقتصادية إلى ارتفاع أسعار النفط الذي ساهم في تراجع اهتمام المرشحين في المشاكل الاقتصادية المزمنة التي تعاني منها البلاد.

المهرجانات الخطابية التي أُقيمت خلال الأسابيع الماضية، شهدت تراشقا سياسيا بين عدد من المرشحين والنواب السابقين، وتبادلا للتهم بينهم، وصلت أحيانا إلى حد الشتائم المتبادلة، وخُصصت كذلك ندوات فقط للرد على ندوات أخرى، ما أدى إلى احتقان في المشهد الانتخابي، واستياء عدد من الناخبين الذين عبّروا عن خيبة أملهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب تقارير ومتابعات لأجواء الانتخابات الكويتية، فإن غياب رئيس مجلس الأمة لثلاث دورات متتالية في 2013 و2016 و2020، مرزوق غانم، عن خوض انتخابات 2022، أدى إلى فراغ كبير في المشهد الانتخابي، خصوصاً أنه كان هدفاً لأغلب الحملات الانتخابية في الدورتين الماضيتين، لما اعتبره المرشحون فشلا للغانم في إدارة البرلمان، واتهمه ممثلو المعارضة بالذات بمحاباة الحكومة، وكان إعلان عدم التصويت له على رئاسة المجلس برنامجا انتخابياً بحد ذاته، وساهم في نجاح عدد كبير ممن أطلقوا هذا الشعار في حملاتهم الانتخابية.

الغانم، كان قد أعلن في بيان نشره عبر معرفاته الرسمية في الإنترنت مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، الاعتذار عن الترشح للانتخابات البرلمانية في البلاد، وأضاف في بيانه: “سأترك للأحداث القادمة أن تكشف عن بعض الحقائق المغيّبة، وقرار عدم الترشح هو قرار مرحلي، ستعقبه عودة ذات تأثير أقوى“.

وخلال الأجواء الانتخابية فتح ناشطون وحقوقيون ملفات عدة متعلقة بعدم جدوى صلاحيات مجلس الأمة في الكويت، لا سيما وأن النظام السياسي في الكويت لا يسمح للأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة، إذ يؤكد ناشطون أنه في ظل هذا النظام فإن: “الحديث عن برنامج انتخابي أو مشروع سياسي، لأي مرشح لا يعدو كونه حبراً على ورق، ومادة لملء الخطاب الانتخابي“.

من جانبه، اعتبر عضو مجلس إدارة “الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام“، فيصل البريدي، أن “الفترة السابقة حالة استثنائية من الصدام مع رئيسي الحكومة والبرلمان، بسبب تعدّيهما على الدستور ومخالفتهما الإرادة الشعبية، ولا شك في أن نواب المعارضة لهم الدور الأكبر في التصدي لهذا العبث، حتى جاء الخطاب السامي (خطاب أمير الكويت الذي أعلن من خلاله حل مجلس الأمة)، ووضع النقاط على الحروف، ونقلنا إلى مرحلة جديدة“.

 وأشار في تصريحات نقلها موقع “العربي الجديد”، إلى أن: “هذه المرحلة تحتاج لنواب يعبّرون عن آلام الشعب وآماله، في انتشال البلد من حالة الجمود والتردي، من خلال الاتفاق على أولويات تشريعية إصلاحية تُلزم الحكومة بتضمينها في برنامج عملها“.

واعتبر البريدي، أنه “مؤسف ما تشهده الساحة الانتخابية من تراشق وتبادل الاتهامات، بين نواب سابقين وأكاديميين كان من المفترض منهم قيادة المعارضة لتبني الأولويات الشعبية والاتفاق عليها، بالرغم أن الجو السياسي أصبح هادئاً، مما يساعد المرشّحين على طرح أولوياتهم ورؤاهم بكل أريحية بعد الانتهاء من مرحلة الصدام المستحقة“.

وقبل يوم واحد من توجه الناخبين لمراكز الاقتراع قال ولي عهد الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في خطابه “لن نتدخل في اختيارات الشعب لممثليه، ولن نتدخل كذلك في اختيارات مجلس الأمة، القادم في اختيار رئيسه أو لجانه، ليكون المجلس سيد قراراته ولن نقوم بدعم فئة على حساب فئة أخرى“.

وبحسب ما ينص عليه الدستور، ستقدّم الحكومة التي يرأسها الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، نجل أمير البلاد، استقالتها غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات.

ظاهرة حل المجلس

وكانت الكويت أعلنت مطلع شهر آب/أغسطس الماضي، حل مجلس الأمة، ودعت إلى انتخابات جديدة، وذلك بمرسوم أميري.

وجاء في المرسوم الأميري وقتها، أنه “تصحيحا للمشهد السياسي، وما فيه من عدم توافق وصراعات وتغليب المصالح الشخصية وممارسة تصرفات تهدّد الوحدة الوطنية، وجب اللجوء إلى الشعب باعتباره المصير والامتداد والبقاء، ليقوم بإعادة تصحيح المسار“.

ومنذ تأسيسه قبل نحو 60 عاما، شهد مجلس الأمة الكويتي العديد من الأحداث البارزة، التي أدت إلى حله عدة مرات، كما تسببت باستقالة العديد من النواب في مراحل مختلفة.

ولعل أبرز تلك المحطات في حياة مجلس الأمة، منذ الفصل التشريعي الأول، كان مجلس عام 1963، الذي حمل البداية الأولى للحياة البرلمانية في البلاد، إذ شهد استقالة 8 نواب، احتجاجا على إقرار قوانين مقيدة للحريات؛ في حين شهِد مجلس 1967، استقالة 7 نواب اعتراضا على اتهاماتهم بأنه جرى “تزوير الانتخابات“؛ بينما تم حلّ مجلس 1975، بأمر أميري عام 1976 بعد أن قدّمت الحكومة استقالتها على خلفية تعطيل مشروعات القوانين التي تراكمت منذ مدة.

وقبل ذلك، شهِد مجلس 1971، طلب طرح الثقة بوزير التجارة والصناعة -آنذاك- خالد العدساني، إلا أن الطلب فشل بعد أن رفضه 20 نائبا، وأيده 13 نائبا.

وفي عام 1986، حُل المجلس بعد ما عرف بـ “أزمة المناخ“، بعد انهيار سوق المناخ غير الرسمي للأوراق المالية، وما تلا ذلك من استجوابات للمسؤولين، أدت إلى استحالة التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويُعد مجلس 1992، أول مجلس بعد انقطاع العمل النيابي لمدة 6 سنوات قبل محنة غزو الكويت عام 1990، بينما أكمل مجلس 1999 مدّة الفصل التشريعي رغم ما اعتراه من كثرة استجوابات.

مشاركة المرأة للمرة الأولى في الانتخابات النيابية في الكويت، كانت في مجلس عام 2006، بينما كان مجلس 2008، أول مجلس تجري انتخابات أعضائه وفق نظام الدوائر الخمس، وقد جرى حلّه عام 2009، لعدم التعاون بين السلطتين.

مجلس عام 2009، شهد كذلك طلب استجواب لرئيس مجلس الوزراء، للمرة الأولى في تاريخ المجلس، كذلك شهد حادثة اقتحامه، ليصدر أمر أميري بحله عام 2011.

لا يبدو أن هناك توجها لإيجاد حل من شأنه إنهاء ظاهرة “حل مجلس الأمة“، لا سيما في ظل سوء العلاقة بين السلطتين (التشريعية والتنفيذية)، في حين يرى مختصون أن البلاد بحاجة إلى مراجعة قواعد اللعبة في الدستور والواقع السياسي من ناحية، والقواعد البرلمانية من ناحية أخرى.

الجدير بالذكر، أن المادة 107 من الدستور الكويتي، تنص على أن لأمير البلاد، أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تُبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس للأسباب ذاتها مرة أخرى، وإذا تم حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، وإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد.

الصوت الواحد

في عام 2006، أُعيد تقسيم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية بدلا من 25، وأصبح لكل ناخب الحق في منح صوته لأربعة مرشحين بدلا من اثنين كما كان الحال في السابق. وكان الهدف هو محاربة ظاهرة شراء الأصوات وإجراء “الانتخابات الفرعية” التي جرمها القانون، وهي عبارة عن انتخابات استباقية تقوم بها الكتل والتجمعات السياسية لاختيار مرشحيها بغرض حشد التأييد لهم، تمهيدا لدخول الانتخابات البرلمانية أو البلدية.

وفي عام 2012، بدأ العمل بنظام الصوت الواحد بعد تعديل قانوني أصدره أمير الكويت بمرسوم بموجب الدستور. ويرى مؤيدو هذا النظام أنه نجح في القضاء على ما يُعرف بظاهرة “نواب الصوت الثاني”، الذين ينجحون بفضل حلفائهم من النواب ذوي الشعبية، والذين يطالبون ناخبيهم بمنح صوتهم الثاني لهؤلاء النواب الأقل شعبية.

أما معارضوه فيقولون إنه أدى إلى تفشي ظاهرة شراء الأصوات، والتصويت وفقا للانتماءات القَبلية والعرقية، ما أدى برأيهم إلى انتخاب نواب موالين بشكل تام للحكومة.

تاريخ تأسيس المجلس

بعد وفاة أمير الكويت، الشيخ سالم المبارك الصباح في عام 1921، اجتمع بعض أعيان البلاد ووجهائها بأعضاء أسرة آل الصباح الحاكمة، وأبلغوهم برغبتهم في أن يكون لهم كلمة في شؤون البلاد والحكم، ما أسفر عن إنشاء مجلس الشورى.

وأصبح أمير البلاد آنذاك، أحمد الجابر الصباح يحكم البلاد بطريقة تختلف عن طريقة حكم أسلافه، إذ كان يتعين عليه استشارة أعضاء المجلس الـ 12 الذين تم تعينهم. ولم يمض على المجلس أكثر من شهرين قبل أن يُحل بسبب كثرة الخلافات والمنازعات بين الأعضاء.

ورغم كل المشاكل التي تعصف بمجلس الأمة وآلية انتخابه وعلاقته بالحكومة، فإن كثيرون يصفون التجربة الكويتية البرلمانية، بأنها “فريدة من نوعها مقارنة بالدول المحيطة“، لا سيما وأن الكويت هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي يستطيع برلمانها أن يعترض على القوانين، ويستجوب الوزراء ويسحب الثقة عن الحكومات.

اقرأ أيضا: من جديد أردوغان يهدد اليونان.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.