مع تصاعد وتيرة الأزمات العالمية، لا سيما الناتجة عن الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وما تسببه هذا الغزو بتعقيد أزمة الاقتصاد التي يعيشها العالم، وتنامي حجم التحديات في القارة الأوروبية، تتجه الأخيرة إلى تنمية علاقاتها مع دول الخليج بحثا عن التوازن في مجال الطاقة والعلاقات الخارجية، فما هي المصالح التي تجمع الجانبين.

زيارات أوروبية للخليج

في ظل التحديات التي تعيشها الدول الأوروبية، لا سيما في مجال الطاقة نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، وحرمان السوق الأوروبية من النفط والغاز الروسيين، بدأ العديد من القادة الأوروبيين زيارات متعددة لدول الخليج العربي، لبحث العديد من الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

أبرز هذه الزيارات كانت من نصيب فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وكان آخرها عندما بدأ المستشار الألماني، شولتز، السبت الماضي، زيارة إلى منطقة الخليج، استمرت يومين، وشملت السعودية ودولة الإمارات وقطر، وبحثت عدة ملفات اقتصادية وأمنية وسياسية.

والتقى المستشار الألماني، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود في جدة، قبل أن يبحث مع رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، مسارات التعاون والفرص المطروحة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، منهيا جولته الخليجية في الدوحة.

وركز شولتز، خلال جولته الخليجية على ملف الطاقة والاستثمار، والعلاقات الثنائية، والأمن الإقليمي. كما بحث في الدول الثلاث الملف النووي الإيراني، وفق الحكومة الألمانية.

مصالح أوروبية

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور إياد المجالي، يفسر التحركات الأوروبية باتجاه دول الخليج، بالمتغيرات الحاصلة على الساحة الدولية، وما أفرزه غزو روسيا لأوكرانيا، حيث تتجه دول الاتحاد الأوروبي لاتباع نهج البحث عن فرص سياسية لمعالجة النقص الحاد في مصادر الطاقة وبشكل سريع، وبذل جهود حثيثة لدعم مصالح دولها وتشجيع الاستثمارات الخليجية في منشآتها وشركاتها الاوروبية.

ويقول المجالي، في حديث خاص مع “الحل نت“: “في ظل أزمة الطاقة، فإن الضغوط القائمة، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تحديث رؤيته واهتمامه في إيجاد مخرج للمأزق والتحديات التي فرضتها الحرب في أوكرانيا، بعد أن ارتفعت الأسعار وكلف الطاقة الى مستويات كبيرة يصعب تحمّلها مع ضغط الاحتياجات المتزايدة، بالإضافة الى البحث عن أدوات تقليل المخاطر المتفاقمة لظواهر وتداعيات الهجرة القسرية للأوكرانيين باتجاه دول الاتحاد الأوروبي“.

اقرأ أيضا: من جديد أردوغان يهدد اليونان.. ما الأسباب؟

الزيارات الأوروبية للخليج، شملت مؤخرا العديد من القادة الأوروبيين، حيث زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دولة الإمارات والسعودية وقطر نهاية العام الماضي، وبحث الشراكة الاستراتيجية مع الدول الخليجية، قبل أن يتبعها بزيارة أخرى لدولة الإمارات، في أيار/مايو الماضي.

كذلك فإن رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس، تدعم ومنذ فترة ولايتها بالخارجية البريطانية، شراكة استراتيجية قوية مع دول الخليج، وقالت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إن “العلاقات الاقتصادية والأمنية الأوثق مع شركائنا في الخليج توفر الوظائف والفرص للشعب البريطاني، وتضمن أن نكون جميعنا أكثر أمنا“.

مصالح الخليج

ومن وجهة نظر الدكتور المجالي، فإن: “دول الخليج تسعى في ظل اتساع دائرة التوتر في أوروبا وشرقي آسيا، إلى مواجهة معضلة تحقيق التوازن بين واشنطن وموسكو، رغم التزامها الصمت بدايات اشتعال الحرب في أوكرانيا، حيث التزمت دول الخليج بعدم ادانة روسيا، أو تأييد الغرب، أمر يمكن تفهّمه بالنظر الى الطاقة والاقتصاد والأمن، فهي علاقات متشابكة ومتشعبة لا يمكن تجاوزها من قِبل دول الخليج“.

كذلك يرى المجالي، أن المواجهة مع إيران في المنطقة، تخضع كذلك لحسابات العلاقات الخليجية الأوروبية، ويدعم رؤيته بالقول: “الأهم والأكبر في المخاض الجيوسياسي، هو المواجهة بين إيران وإسرائيل، خاصة أن لهذه المواجهة سلسلة تفرعات، وقد تتحول إلى حروب غير خاضعة للسيطرة، إذا اقتنع أصحاب القرار بخوضها. في المقابل، فإن إيران تظهر نوعا من التحدي تُجاه اسرائيل، لاعتقادها أن تصميم الإدارة الأميركية وإسرائيل، على مواجهة مشاريعها في المنطقة قد تراجعت لكي توقع الاتفاق النووي. لذا نرى طهران تبدو وكأنها مرتاحة على وضع مشاريعها، وقد يكون البعض داخل أجهزتها الحاكمة قد وصل إلى قناعة بأن بعض حروبها، إذا اضُطرت عليها، هي ممكنة، ومن أبرز المجابهات التي تعتبرها إيران ممكنة النجاح هي الحسم العسكري بالعراق، وسوريا واليمن“.

ويختم المجالي حديثه بالقول: “في الخلاصة. صحيح أن طبول الحرب باتت تُقرع بأصوات مرتفعة، وصحيح أيضا، أن الولايات المتحدة تختلف عما كانت عليه في الماضي القريب. لكن يبقى الرادع لكل هذه الحروب، هو الثمن الذي ستدفعه جميع الأطراف إقليميا ودوليا، وسيبقى العامل الاقتصادي فاعلا ومؤثراً في اتخاذ أي قرار يجعل الحرب واقعا“.

وفي شأن العلاقات بين الدول الأوروبية والخليج، يرى خبراء أن بريطانيا تسعى لتسريع ترأس المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي، والتي عملت عليها في الفترة الماضية، لمنح لندن خيارا لتنويع تجارتها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي“.

صحيفة “العين الإخبارية”، أفادت بأن وثيقة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والخليج، أشارت إلى أن: “بناء شراكة استراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه، يُعد جزء من تعزيز مشاركة الاتحاد الأوروبي في المنطقة، أولوية رئيسية للاتحاد الأوروبي”

كذلك جاء في الورقة: “يُعد التعاون الوثيق والفعال بين الاتحاد الأوروبي والشركاء الخليجيين أمرًا ضروريًا لتحقيق الأهداف الرئيسية للاتحاد الأوروبي، ولا سيما أن تصبح منطقتا الخليج والشرق الأوسط آمنة ومزدهرة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي القوي“.

وتشهد القارة الأوروبية أزمة طاقة غير مسبوقة، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، ووقف روسيا إمداداتها من الغاز إلى السوق الأوروبية، الأمر الذي انعكس سلبا بالضرورة كذلك على الاقتصاد الروسي.

التأثير على اقتصاد روسيا

من جانبه رأى الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، أن نجاح الدول الأوروبية في تخفيض إيراداتها من الغاز الروسي، سيمثل ضربة موجعة لاقتصاد موسكو، لا سيما على المدى البعيد، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا يمكن لأوروبا الاستغناء بشكل كامل عن الغاز الروسي.

وقال الشاغل، في حديث سابق لـ“الحل نت“: “أوروبا تحاول حاليا البحث عن بدائل للغاز الروسي الطبيعي، من الدول المنتجة للغاز، لكن هذا الأمر صعب تحقيقه بسرعة، ويحتاج إلى وقت وتعديل في البنى التحتية الأوروبية“.

ووفق الشاغل، فإن روسيا قد تذهب لتقديم تنازلات للجانب الأوروبي، وذلك بسبب استفادتها الكبيرة من الواردات المالية الأوروبية من عمليات بيع الغاز.

وحول ذلك أضاف: “بطبيعة الحال روسيا مستفيدة من أوروبا من الواردات المالية من بيع الغاز، الطرفين لهما مصالح، ليس من مصلحة الروس خسارة السوق الأوروبية، بسبب عدم وجود بديل في الوقت الحالي، بنفس الوقت الاتحاد الأوروبي لا يملك بديل سريع عن الغاز الروسي“.

وتزوّد روسيا، أوروبا بنحو 40 بالمئة، من احتياجاتها من الغاز معظمها عبر خطوط أنابيب، وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو 155 مليار متر مكعب. وعن طريق أوكرانيا، يصل الغاز إلى النمسا، وإيطاليا، وسلوفاكيا، ودول أخرى في أوروبا الشرقية، وأغلقت أوكرانيا، خط الأنابيب “سوخرانوفكا“، الذي يمر في الأراضي التي تحتلها روسيا في شرق البلاد.

يذكر أن دول الاتحاد الأوروبي، كانت قد اتفقت على إجراءات طارئة لتقليل استخدامها للغاز في الشتاء المقبل بنسبة 15 بالمئة، بالتزامن مع استعداد أوروبا لمواجهة غموض يتعلق بإمدادات الغاز من روسيا، وتتطلب الخطة من الدول الأعضاء، خفض استهلاك الغاز طوعا بنسبة 15 بالمئة، بناء على معدّل خمس سنوات للأشهر المعنية، اعتبارا من شهر أيلول/سبتمبر الحالي، وخلال الشتاء التالي حتى آذار/ مارس المقبل.

قد يهمك: رئيسة وزراء جديدة لبريطانيا.. التفاصيل الكاملة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة