القيادة الأردنية اعتادت خلال السنوات الماضية على إقالة الحكومة بعد كل احتجاج أو مظاهرات في الشارع الأردني، لكن يبدو أنها تتعامل اليوم بطريقة مختلفة مع إضراب سائقي الشاحنات واحتجاج الشارع للارتفاع المستمر لأسعار المواد الأساسية.

منذ اليوم الأول لإضراب سائقي الشاحنات قبل نحو شهر من الآن، كانت أسهم الانتقادات متوجهة نحو الحكومة، وعجزها عن مواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد، فهل يُعتبر تمسّك الحكومة في البلاد تجاهلا لمطالب الشارع الأردني.

الحكومة باقية

رغم مرور نحو شهر على انطلاق الإضرابات والاحتجاجات، لم يكن هنالك حديث عن إقالة أو استقالة الحكومة، بل العكس فإن إجراءات حكومة عمّان يعني أنها متمسكة في البقاء، رغم عجزها عن إيجاد الحلول وتقديمها للشارع الأردني.

رئيس الحكومة بشر الخصاونة، أعلن أمس الثلاثاء عن إجراء تعديل وزاري، اقتصر على وزارة السياحة فقط، في إشارة إلى استمرار حكومته وعدم وجود نيّة لاستقالتها بسبب الاحتجاجات، التي تسببت بمقتل ضابط وثلاثة أفراد من قوات الأمن في مدينة معان الجنوبية.

لم تستجب الحكومة لمطالب المحتجين بتخفيض أسعار المشتقات النفطية، إلا أن متابعين للشأن الأردني، أكدوا وجود برامج اقتصادية ستعمل الحكومة على تنفيذها خلال الفترة القادمة، وهذا ما يفسّر عدم توجه الديوان الملكي إلى الخيار المعتاد وهو إقالة الحكومة.

الصحفي الأردني والمحلل السياسي إياد خليفة، رأى أن حكومة عمّان لا تمتلك خيار الاستقالة، مشيرا إلى أن بقاء الحكومة يرتبط برغبة مَلكية وعوامل خارجية، تتعلق بسيادة الأردن وصورته أمام الدول المجاورة.

قد يهمك: تصعيد جديد في كوسوفو.. الحرب تطرق الأبواب؟

خليفة قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الحكومة الأردنية لا تمتلك خيار البقاء أو الرحيل كحكومة، خيار الرحيل هو بيد الملك والديوان الملكي، بالتأكيد هناك رغبة عند المحتجين بعدم استمرار الحكومة، لأنه لا يوجد أي تناغم مع الشعب، دائما هناك زيادة في الأسعار وارتفاع في الضرائب وأعباء مالية كثيرة وضعتها على الفقراء”.

برامج اقتصادية؟

خليفة أوضح أن الحكومة لا تملك برامج يمكن تفعيلها لإنقاذ المواطن الأردني، حتى أصبحت مكروهة لدرجة منع أعضائها من حضور عزاء القتلى الذين سقطوا جنوبي الأردن خلال مواجهات قوات الأمن مع بعض المحتجين.

غير أن التعديل الوزاري الأخيرة هو بمثابة مؤشر حقيقي ورسالة من القصر مفادها أن الحكومة لن ترحل، حول ذلك أضاف خليفة، “أعتقد أنها رسالة واضحة من الديوان الملكي، الأردن كدولة لا تريد تكريس مبدأ إسقاط الحكومة بعد أي احتجاج، كما حصل عام 2018، عندما سقطت حكومة هاني الملقي بعد إضرابات واحتجاجات ومظاهرات أمام مقر الحكومة، جاء بعدها عمر الرزاز، ثم مظاهرات وإضراب من المعلمين فسقطت الحكومة أيضا”.

حول ارتباط بقاء الحكومة بالظروف الخارجية أوضح خليفة، أن “هناك خطر خارجي يتمثل بوجود نتنياهو في حكومة إسرائيل المتشددة والمعادية للأردن، لذلك يوجد رغبة بألا يظهر الأردن بصورة الضعيف من ناحية البنية الداخلية”.

برأي خليفة فإن الحكومة الحالية لا تملك أدوات لحل أزمات المواطن المتراكمة، لكنه يعتقد أن هناك برامج مصدرها الديوان الملكي، ستكون على عاتق رئيس الوزراء لإدارتها وتنفيذها، لذلك تم تأجيل الإقالة.

الحديث عن مطالب حل الحكومة، يرافقه كذلك حديث آخر عن مدى الاستفادة المحققة من إقالة الحكومة، لا سيما وأن هذا الحل كان قد جربته القيادة الأردنية سابقا، لكنه لم ينفع ولم يتم تحقيق مطالب الشارع الأردني.

كذلك يرى بعض المحتجين، أن اللجوء إلى إقالة أو حل الحكومة، هو اعتراف مباشر بالعجز عن الحل، إذ إن هذه الخطوة لا تعدو كونها محاولة لامتصاص غضب الشارع.

الأردن يشهد منذ مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، مظاهرات في مواقع عدة في البلاد، احتجاجا على قرارات الحكومة برفع أسعار المحروقات والمواد الأساسية، في وقت لا تجد فيه عمان حلولا جذرية لمنع كرة الثلج من التدحرج، فأدت المظاهرات لمواجهات مع قوات الأمن تسببت بمقتل العديد من الأشخاص.

الحكومة الأردنية تعتمد في تأمين مصروفاتها السنوية، في الغالب على المساعدات الخارجية، ووفق الصحفي إياد خليفة، فإن الأردن لا يمتلك أي موارد اقتصادية ومالية، وبالتالي “إذا انقطع الدعم الخارجي الأمور تتدهور في الداخل، لا توجد مشاريع يمكن أن تنهض بالبلد في حال توقفت الدفعات الخارجية”.

نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في الأردن ناصر الشريدة، قدّر في تصريحات نقلها موقع “العربي الجديد” نسبة الفقر في الأردن بـ 24 بالمئة، بزيادة نسبتها نحو 6 بالمئة، منذ انتشار فيروس “كورونا”.

اعتراض في مجلس النواب

الاحتجاجات على أداء الحكومة وصلت إلى مجلس “النواب الأردني”، حيث أعلن عضو المجلس محمد عناد الفايز، تقديم استقالته من المجلس بعد التشاور مع قواعده الانتخابية.

تقديم الفايز استقالته، جاء بعد رسالة وجهها إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، طالبه فيها بعدم تقديم مساعدات للأردن، كونها من وجهة نظره “لا تذهب لخدمة الأردنيين وإنما لبعض المتنفذين”، حسب قوله.

الأردن شهد رفع لأسعار المحروقات 16 مرة منذ العام 2020، وارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 50 بالمئة، ما دفع فئات واسعة من الشعب للتظاهر والاحتجاج على السياسة الاقتصادية.

 الحكومة الأردنية تعهدت، بحسب ما نقل موقع “بي بي سي عربي“، بالنظر في مطالب المحتجين، ولكنها قالت إنها دفعت 700 مليون دولار هذا العام، للحد من ارتفاع أسعار الوقود.

أضافت أيضا أنها لا يمكنها أن تدفع أكثر، بسبب الشروط التي وضعها “صندوق النقد الدولي“، لتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية في البلاد.

من جهتها قالت الحكومة الأردنية إنها لن تتهاون في تنفيذ القانون وفرض السيادة على من يحاول الإخلال بالأمن، والاعتداء على رجالاته.

الحكومة أضافت أنها ستنفّذ القانون على كل من يحاول استثمار أي ظرف لإحداث الفوضى وترهيب المواطنين، على حد قولها.

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يشهدها الأردن، تتحدث الحكومة عن تحسّن قادم، وذلك بعد أن أعلنت الموازنة الجديدة للعام القادم 2023، وقالت إن الموازنة تشهد زيادة في نسبة النمو وتخفيض الدّين العام وزيادة الإيرادات.

لم تختلف الموازنة الجديدة للعام المقبل عن الموازنات الماضية، فهي موازنات عاجزة يتم تغطيتها بواسطة ديون جديد، وقد قدرت الحكومة حجم موازنة العام المقبل بحوالي 11.4 مليار دينار “إجمالي الإنفاق“، بعجز مالي سينخفض قبل المنح إلى 2.664 مليار دينار، في حين أنه سينخفض بعد المنح إلى 1.826 مليار دينار، ليتراجع من 3.4 إلى 2.9 بالمئة في 2023، وفقا لما أعلنه وزير المالية محمد العسعس.

هناك عجز متواصل في الموازنة يُقدر بـ 2.6 مليار ينخفض إلى 1.8 مليار بعد المنح، وبالتالي فإن هذا العجز المقدّر في الموازنة سيتم تغطيته بديون جديدة، بالنظر إلى أن فوائد الديون في الموازنة الجديدة تُقدر بـ 1.6 مليار دينار.

حول حديث الحكومة عن تراجع نسبة العجز في الموازنة، من 3.4 بالمئة إلى 2.9 بالمئة، أوضح محللون اقتصاديون، أن القيمة الحقيقية للعجز لم تتغير، حيث إن انخفاض نسبة العجز في الموازنة سببه ما قدّرته الحكومة للنمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي والذي سيبلغ 6.6 بالمئة من الموازنة، بالتالي فإن التضخم استخدمته الحكومة كوسيلة لتكبير الناتج المحلي الإجمالي بإضافة معدل التضخم إلى معدل النمو.

بالعودة إلى مطلب إقالة الحكومة، فإنه من المؤكد أن الأردن يحتاج إلى حلول جذرية دائمة التأثير، عبر إقرار برامج اقتصادية من شأنها مساعدة المواطن الأردني في مواجهة الأزمات الاقتصادية، بغض النظر عن الأشخاص الذين يقودون الحكومة والمناصب الرئيسية في الدولة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.