نتيجة لاستمرار الخسائر الروسية في أوكرانيا، يتصاعد الغضب الشعبي داخليا، لا سيما فيما يتعلق بالمعارك الرئيسية الدائرة بشرق أوكرانيا. الأمر الذي وضع القيادة العسكرية الروسية أمام انتقادات حادة.

الخسائر الروسية في ساحة المعركة بالقرب من فولدار في منطقة دونيتسك، أثار ضجة واسعة حولها، ما دفع الجنود الناجين من المعارك وأفراد عائلات المقاتلين الذين تم تجنيدهم مؤخرا، لإلقاء اللوم على القادة العسكريين، مؤكدين أن وحداتهم واجهت “مذابح في عمليات سيئة التخطيط“، وفق ما نقله موقع “الحرة“.

دفع ذلك وزارة الدفاع الروسية إلى إصدار بيان رسمي نادر، وفقا لتقرير لصحيفة “واشنطن بوست“، وسعى البيان إلى التقليل من عدد القتلى المرتفع بين الجنود في اللواء 155 للحرس البحري المنفصل، الذي قاد هجوم موسكو في المنطقة.

التقارير لمست وترا حساسا في الشهر التاسع من الحرب، الذي يشهد تعرض القوات الروسية لضغوط شديدة في المناطق الأوكرانية المحتلة جزئيا، والتي أعلنت موسكو ضمها في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

وتزايد انتقاد المدونين العسكريين الروس، الذين يبلغ عدد متابعي بعضهم إلى نصف مليون أو أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، لإخفاقات جنرالات موسكو منذ أن استعادت أوكرانيا السيطرة على أجزاء كبيرة في شمال شرق البلاد.

بالمقابل نفت وزارة الدفاع الروسية تقارير عن أن وحدة لمشاة البحرية تكبدت خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في هجوم عديم الجدوى شرق أوكرانيا، والنفي الروسي في إطار الرد على ما أكدته تقارير، إن رسالة مفتوحة من اللواء 155 في أسطول المحيط الهادي، فحواها، أن اللواء يشكو من إقحامه في هجوم “غامض” على القوات الأوكرانية جنوب غربي دونيتسك“، وفقا لـ“رويترز“.

الرسالة ورد فيها، “كنتيجة لهجوم خطط له “الجنرالات العظماء بعناية“، خسرنا نحو 300 جندي ما بين قتيل وجريح ومفقود في غضون أربعة أيام، ونصف عتادنا، ونشر مراسلون عسكريون موالون للكرملين نص رسالة أرسلها أعضاء اللواء 155، الذي يتمركز عادة في الشرق الأقصى لروسيا، يستنكرون فيه الأمر الذي أرسلهم إلى ما وصفوه بـ“هجوم غير مفهوم” في قرية بافليفكا، في منطقة دونيتسك بأوكرانيا، كما قالت “واشنطن بوست“.

اقرأ/ي أيضا: نتائج عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية داخليا وخارجيا

الطقس يفاقم من الخسائر الروسية

قائد كتيبة فوستوك الموالية لروسيا، ألكسندر خوداكوفسكي، قال إن الطقس تحول إلى الأسوأ في بافليفكا، مع هطول الأمطار التي تسببت في تعكير الطرق وجعل تعزيز القوات في المنطقة أكثر صعوبة، مضيفا: “مخاوفي بشأن بافليفكا مبررة“، مشيرا إلى أنه شعر أن التقدم في المنطقة الذي بدأه القادة الروس كان “سابقا لأوانه“، وفقا لـ“واشنطن بوست“.

الرسالة انتقدت على وجه التحديد قائد المنطقة العسكرية الشرقية في روسيا، رستم مرادوف، والذي تم تعيينه في أكتوبر. في وقت سابق من الحرب، قاد مرادوف مجموعة فوستوك، التي كانت مسؤولة عن العمليات في المناطق الشرقية من دونيتسك ولوغانسك، حسب “واشنطن بوست“.

من أثار الموضوع المدونة العسكرية الشهيرة غراي زون، من خلال توجيهها الرسالة إلى أوليج كوزيمياكو، حاكم إقليم بريموريه الواقع في أقصى الشرق، على بعد آلاف الأميال عن أوكرانيا، حيث تتمركز الوحدة، وبدا أن كوزيمياكو معترف بأن الرسالة صادقة لكنه قال، “إنها تبالغ في عدد الخسائر الحقيقية“.

وفقا لـ “رويترز“، قال كوزيمياكو في بيان مصور عبر قناته على تطبيق تلغرام، “تواصلنا مع القادة. أجل توجد خسائر، ويدور قتال محتدم، لكنه بعيد كل البعد عما ورد في هذه المناشدة“.

لكن انتقاد المدونين العسكريين الروس الذين يبلغ عدد متابعي بعضهم نصف مليون أو أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، تزايد لإخفاقات جنرالات موسكو منذ أن استعادت أوكرانيا السيطرة على أجزاء كبيرة في شمال شرق البلاد في سبتمبر، وهو الأمر الذي أثار مخاوف موسكو من تأجيج الشارع.

الانتقادات زادت حدتها بعد أن انتقدت الرسالة الصادرة عن وحدة مشاة البحرية القادة بأسمائهم، ووصفتهم بأنهم هواة تعاملوا مع رجالهم وكأنهم “دجاج” واهتموا فقط بتثبيت أقدامهم في السلك العسكري.

وكانت هذه هي المرة الأولى منذ بدء الغزو الروسي التي ترد فيها الوزارة رسميا على تقارير عن وقوع إصابات جماعية وانتقادات للقادة على “تلغرام“، والتي تُعد المنصة الرئيسية التي يستخدمها المسؤولون وكذلك المراسلون والمدونون الذين يغطون الحرب الروسية، وفقا لـ“واشنطن بوست“.

اقرأ/ي أيضا: إجراءات يمنية جديدة للتعامل مع الحوثيين.. ما المتوقع منها؟

زيادة السخط الشعبي

مبررات وزارة الدفاع الروسية فاقمت من سخط المعلقين الروسي، حتى المؤيدين منهم الغزو لأوكرانيا، إذ أنه وبدلا عن تهدئتهم لم يؤد البيان إلا إلى “تأجيج غضبهم من خلال تقليل حجم الخسائر“، بحسب موقع “الحرة“.

ليس ذلك فحسب، بل أن الخسائر المتزايدة وضعت “الكرملين” في الأشهر الأخيرة أمام انتقادات المؤيدين، لضعف أداء الجيش بما في ذلك البعض الذي طالب بتكتيكات أكثر وحشية في أوكرانيا، كما ورد في الـ“واشنطن بوست“.

في غضون ذلك، لفتت الصحيفة الأميركية إلى أن التسلسل القيادي الروسي في “حالة فوضى مستمرة طوال الحرب“، حيث قامت موسكو مرارا وتكرارا بتغيير القادة العامين واستبدلت كبار الجنرالات في جميع مناطقها العسكرية.

كبار ضباط موسكو يحاولون الآن درء فضيحة عامة أخرى بعد أن اشتكى سكان فورونيج، وهي مدينة تقع في منطقة روسية استراتيجية بالقرب من الحدود الأوكرانية، من إرسال رجال مجندين مؤخرا من المنطقة إلى سفاتوف، وهي بلدة في لوغانسك، التي كانت مسرحا لمعارك شرسة، ما يرجح أن يكون المئات قد لقوا حتفهم في تلك المعارك.

إضافة إلى ذلك، فأن الرجال الذين تم حشدهم في فورونيج، انتهى بهم المطاف في خط المواجهة بعد أيام قليلة من التدريب، وربما كان قرار قادتهم يهدف إلى سد الثغرات في الخطوط الدفاعية وتناوب القوات المنهكة، حسب موقع “فيرتك” الروسي.

بيد أن المسؤولون الروس كانوا قد أكدوا مرارا وتكرارا أن المجندين الجدد، الذين تم استدعاؤهم وسط جهود تعبئة غير شعبية بدأها بوتين لتجديد جيشه بعد عدة انتكاسات، سيكلفون أساسا بالسيطرة على المناطق المحتلة بالفعل، وليس العمل كقوة رئيسية متقدمة، وفقا لـ“واشنطن بوست“.

وفي الوقت الذي تستعد فيه كل من القوات الروسية والأوكرانية لشتاء قارس، سيعقد فعليا كل جانب من جوانب الحرب، بين تحليل استشرافي لتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، نشره موقع “ستارفوو” الأميركي، أن أي ثغرة في تماسك الجبهة الداخلية من شأنها أن تقود إلى تمرد سياسي كبير.

تراجع الدعم الشعبي وعوامل الثورة

بيد أن تلك الثغرة لن تحدث إلا بعد سلسلة من الإخفاقات من قبل الرئيس فلاديمير بوتين وغيره من القادة الروس الآخرين، وقد تتطلب سنوات من التضحية من قِبل الشعب الروسي الذي سيشعر بثقل أعباء الحرب كلما طال أمدها وسال المزيد من دماء أبنائه وتكبد المزيد من الخسائر الاقتصادية.

المقال توقّع أن إطالة مدى الحرب وتكبد خسائر اقتصادية وعسكرية سيقود لتراجع الدعم الشعبي الذي يحظى به بوتين، مما يمهد الطريق للإطاحة به في نهاية المطاف، وربط ذلك في لحظة تقرير الشعب الروسي بأن رفاهيته المادية أهم من الأيديولوجيا القومية التي يدفع بوتين الآن نحو ترسيخها.

أما العامل الثاني يتعلق بحساسية الشعب الروسي بشأن سقوط الضحايا، كما هو الحال الآن، ويكون رد فعلهم بشأن الحرب أسوأ مع زيادة عدد القتلى، فضلا عن أن يعثر الشعب الروسي على سبل للقيام بانتفاضة كبرى ضد بوتين، ربما تحدث من خلال التواطؤ مع النخب.

ووفقا لوزارة الدفاع الأوكرانية، فأنه حتى منتصف آب/أغسطس الماضي قد بلغت خسائر الجيش الروسي أكثر من أربعين ألف شخص، وأعداد كبيرة من الدبابات والمعدات العسكرية والمعدات الخاصة وأنظمة الصواريخ، في الفترة منذ بداية الحرب في 24 فبراير إلى 15 أغسطس.

الوزارة قالت إن قواتها تستعجل طرد الروس من كامل الأراضي الأوكرانية، وفي الإحصائية، التي لم يتم تأكيدها من مصادر مستقلة، قالت الوزارة، إن الجيش الروسي خسر أكثر من 43 ألف شخص، وأكثر من 1800 دبابة، وأكثر من 4100 ناقلة مدرعة.

كما خسر الجيش الروسي وفقا للوزارة نحو 1000 مدفع، و261 نظام إطلاق صواريخ متعدد، و136 نظام دفاع جوي، و233 طائرة نفاثة و195 مروحية.

اقرأ/ي أيضا: السعودية على خط صناعة السيارات الكهربائية.. تنوع اقتصادي ومعدل نمو مرتفع

حجم الخسائر

الوزارة قالت إن خسائر الجيش الروسي شملت أيضا 787 طائرة بدون طيار، و187 صاروخ كروز، و15 سفينة حربية وزورقا، وأكثر من 3 آلاف صهريج وقود، و92 معدات خاصة.

ولا يعترف “الكرملين” بخسائره العسكرية أو ينشر إحصاءات عنها عادة، ووفقا لمسؤولين أميركيين تحدثوا لصحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام فإن الجيش الروسي يخسر نحو 500 عسكري يوميا بين قتيل وجريح.

وكانت روسيا قد أعلنت آخر مرة عن رقم رسمي في مارس الماضي عندما قالت إن 1351 جنديا روسيا قتلوا في الحرب، وفي ذلك الوقت، قدر المسؤولون الأميركيون أن العدد كان أقرب إلى 5000.

غير أن وكيل وزارة الدفاع الأميركية كان قد قال للصحفيين حتى ذلك التاريخ، “أعتقد أنه من الآمن الإشارة إلى أن الروس ربما تكبدوا 70 أو 80 ألف خسارة بشرية في أقل من ستة أشهر“، في إشارة إلى الوفيات والإصابات.

“نيويورك تايمز” كانت قد نقلت أيضا عن مسؤولَين أميركيَين، أن تقديرات خسائر روسيا تشمل نحو 20 ألف قتيل، ومن بين هذا العدد، يُعتقد أن 5000 منهم مرتزقة من مجموعة “فاغنر”، وهي قوة خاصة لها صلات ببوتين، ومقاتلون أجانب.

المسؤولون الأميركيون أكدوا إن تقديراتهم للضحايا تستند إلى صور الأقمار الصناعية واعتراضات الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي وتقارير وسائل الإعلام على الأرض.

اقرأ/ي أيضا: أزمة السودان الاقتصادية تربك أسواق العقارات والسيارات.. الأسباب والعواقب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة