بينما يتصارع العالم مع التحدي المتمثل في تغير المناخ، ظهرت الطاقة المتجددة كحل واعد للحد من انبعاثات الكربون ومكافحة الاحتباس الحراري. ومع ذلك في سوريا كشف واقع تسهيلات قروض الطاقة المتجددة عن حقيقة مريرة، أن شروط تنفيذ هذه المشاريع غالبا ما تكون مستحيلة، والقروض نفسها كذبة.

على الرغم أن الأمل كان الشعور السائد لدى السوريين عند الإعلان عن قروض دعم الطاقة المتجددة، إلا أن الشروط المصرفية للحصول على القروض جعلت الكثيرين يشعرون بخيبة أمل وإحباط. 

بعض المواطنين الذين حاولوا التقدم بطلب للحصول على القروض وصفوا المتطلبات المعقدة التي وضعتها بنوك معينة، سواء من “التجاري” أم “التسليف الشعبي”، بأنها من المستحيل تلبيتها. وذلك أدى إلى مطالبتهم بتسهيلات فعلية وسهولة الحصول على هذه القروض، والتي تعتبر ضرورية في غياب الكهرباء المنزلية العادية.

أصحاب الدخل المحدود خارج المعادلة

في حديثه لصحيفة “الوطن” المحلية، أمس الخميس، شارك أحد المواطنين يدعى عيسى تجربته في الحصول على قرض الطاقة المتجددة التي أعلنت عنها الحكومة في وقت سابق، وأشار إلى أن شروط القرض غير مناسبة للموظف العادي في القطاع العام أو الخاص. 

تركيب الطاقة المتجددة في سوريا - إنترنت
تركيب الطاقة المتجددة في سوريا – إنترنت

بالنسبة لموظفي الحكومة، هناك حاجة لعدد محدد من الكفلاء الذين لا يمكنهم الاقتراض أو متقدمين بكفالة لأحد، أو لديهم شهادات استثمار، فضلا عن أن تقديم ثبوتيات عقارية تتطلب وقتا طويلا لإصدارها من الوحدات الإدارية. وفي الوقت نفسه، يُطلب من موظفي القطاع الخاص أن يكون مسجلا في التأمينات الاجتماعية لأكثر من خمس سنوات.

بحسب عيسى فقد ثبت أن شروط القرض غير قابلة للتحقيق بالنسبة للعديد من المواطنين الذين كانوا يتوقعون بفارغ الصبر فرصة تركيب أنظمة الطاقة المتجددة في منازلهم ومطابخهم، متسائلا لماذا لم يتم توفير المزيد من التسهيلات للمواطنين ذوي الدخل المحدود للحصول بسهولة على هذه القروض.

“البنك التجاري” كان قد أصدر تعليمات لمنح قروض تركيب واستخدام الطاقات المتجددة لكل القطاعات، وحدد قيمة الفوائد على القرض بـصفر بالمئة مع عدم تحميل المقترض أي عمولات مصرفية أو طوابع أو رسوم على العقد لقروض القطاع المنزلي حصرا، حيث تدفع جميعها من الصندوق.

فيما تتولى فروع المصرف إجراءات المنح مع السماح بقبول الضمانات العقارية والكفالات الشخصية، ومشاركة شريكين في السداد بدلا من شريك واحد للحصول على سقف القرض المطلوب للقطاع المنزلي، بهدف تمكين أصحاب الدخل المحدود من الحصول عليه.

ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض بعيد كل البعد عن هذه الرؤية المثالية، فشروط تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في سوريا مستحيلة، وبالتالي خاب أمل العديد من المواطنين في الحصول على الطاقة البديلة للكهرباء الغائبة منذ سنوات عنهم خاصة في فصل الصيف، في ظل التقنين القاسي.

ما الهدف وراء الشروط التعجيزية؟

عدد من أعضاء مجلس محافظة اللاذقية، خلال الجلسة الختامية للمجلس عبروا عن استيائهم من الشروط المصرفية للحصول على قرض الطاقة المتجددة المنزلي خاصة لذوي الدخل المحدود. ووصفوا المتطلبات التي وضعتها البنوك بأنها تعجيزية.

تركيب الطاقة المتجددة في سوريا - إنترنت
تركيب الطاقة المتجددة في سوريا – إنترنت

شروط البنوك سواء “التجاري” أو “التسليف الشعبي” حددت سن أقل من 50 عاما واشترطت ستة كفلاء ليسوا مقترضين أو ضامنين سابقين لمين يريد التقدم للقرض. حيث تركت هذه المتطلبات غير الواقعية المواطنين يشعرون بالحيرة والتساؤل عما إذا كان أي شخص في سوريا قد يتمكن من الحصول على القرض بنجاح في ظل هذه الظروف.

بعض الشروط وفق الصحيفة المحلية تنص على وجوب أن يكون المتقدم مشتركا بالطاقة الكهربائية ويقدم آخر فاتورة مسددة، وصورة عن الهوية وبيان قيد عقاري وثبوتيات محددة لساكني المنزل سواء كان إيجارا أم ملكا له، وموافقة مجلس المدينة للتركيب على سطح المنزل وتقرير سلامة إنشائية بعد الزلزال، ويتم تحويل المعاملة إلى المصرف واتخاذ الإجراءات المصرفية الخاصة بالمنح وفق شروط كل مصرف.

في ظل استمرار أزمة الكهرباء بسوريا، يواجه الأهالي تحديات كبيرة لتأمين التيار الكهربائي لسد احتياجاتهم اليومية، خاصة مع فشل الحكومة الإيفاء بوعودها المتعلقة بتحسين ساعات التغذية الكهربائية، بعدما وصلت ساعات التقنين مؤخرا إلى 22 ساعة في بعض المناطق، فضلا عن الأعطال التي تُغيّب التيار لأيام وأسابيع متتالية.

نظريتين متداولتين لدى العديد من السوريين حول الشروط التعجيزية التي تفرضها البنوك السورية على القروض والتي تروج أنها لذوي الدخل المحدود، الأولى أن البنوك لديها تصور مسبق بأن المواطن لن يستطيع الإيفاء بالقرض بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وعدم زيادة الرواتب، فضلا عن تراجع قيمة الليرة يوميا بعد يوم.

أما النظرية الثانية، هي سعي القوى المتنفذة على إجبار السكان على الاشتراك بنظام “الأمبيرات” الذي أقر مؤخرا في سوريا، ففي مؤشر يؤكد على عجز الحكومة على حل أزمة الكهرباء، بدأت محافظة دمشق، بمنح تراخيص العمل بنظام “الأمبيرات”  في عدد من أسواق العاصمة السورية والأحياء السكنية، وذلك في ظل غياب الكهرباء معظم ساعات اليوم.

مستثمرو الأمبيرات وراء ذلك؟

مدير فرع “صندوق دعم الطاقات المتجددة” في اللاذقية، مهند علي، أكد أن عدد المتقدمين لقرض الطاقة المتجددة المنزلي 668 شخصا، وتم تحويل 140 معاملة إلى البنوك، 100 طلب لـ”البنك التجاري”، و40 معاملة لـ “بنك التسليف الشعبي”.

مولدات الكهرباء المعطلة في سوريا - إنترنت
مولدات الكهرباء المعطلة في سوريا – إنترنت

تقارير محلية أشارت إلى أن هناك تكلفة باهظة يتطلبها تمديد شبكة متكاملة من ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات لوصول الطاقة المتجددة إلى المنازل وهذا الحل اقتصر على المقتدرين وأصحاب الدخل العالي والأغنياء، إذ تقدّر تكلفة تركيب وتوصيل أربع ألواح شمسية مع بطارية متوسطة السعة بنحو أربعة ملايين ليرة سورية، لذا كانت “الأمبيرات” الحل الأقرب للواقعية والأكثر انتشارا في الأحياء التي يسكنها ذوي الدخل المحدود والفقراء.

منذ أن فقدت العائلات السورية الأمل في تحقيق الحكومة لوعودها المتعلقة بتحسين الشبكة الكهربائية، أجبرت هذه العوائل للبدائل بحسب القدرة المالية لكل منها، فمنهم من اتجه إلى شراء مولدة صغيرة، أو الاشتراك في المولدات الكبيرة داخل الأحياء السكنية، ومنهم من بقي ينتظر حل الأزمة لعدم قدرته على دفع ثمن البدائل.

رغم تردي الخدمات التي تقدمها الحكومة في قطاع الكهرباء، فإن وزارة الكهرباء تدرس حاليا زيادة أسعار شرائح الكهرباء في البلاد، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف إنتاج التيار الكهربائي، حيث أوضحت مصادر مطّلعة في الوزارة، أن هناك دراسة يتم إجراؤها حاليا لتعديل أسعار شرائح بيع الكهرباء في البلاد.

في ظل هذه الظروف ونتيجة الحاجة الماسة للكهرباء وخاصة في المحال التجارية والورش الصغيرة وعيادات الأطباء والمخابر وبعض الصيدليات والمقاهي والمطاعم وما إلى ذلك، تم فرض نظام “الأمبيرات” كحل بديل، في كثير من المدن والبلدات في سوريا، وهو ما يربط بفرض البنوك لشروط تعجيزية على قرروض الطاقة المتجددة.

مصادر صحفية لفتت في وقت سابق إلى أن معظم مراكز الكهرباء مرتبطة بجهات متنفذة، والتي أخذت على عاتقها مسؤولية تأمين مادة المازوت لتشغيل المولدات، إضافة لمهمة حماية المولدات، على أن يتم تقاسم الأرباح فيما بينهم.

مع استمرار فرض البنوك السورية شروط تعجيزية على قروض الطاقة المتجددة، يبدو أن مختلف المحافظات السورية ستكون أمام خيارين إما الخضوع لــ”حيتان الأمبيرات” الجدد، أو العيش في الواقع الكهربائي المتردي وسط غياب برنامج تقنين منظّم حقيقي، حيث وصلت ساعات القطع في بعض المحافظات إلى أكثر من 20 ساعة متواصلة خلال فصل الشتاء تحديدا، في حين تنعدم الكهرباء في بعض الأرياف البعيدة وأطراف المدن لأيام معدودة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات