وسط أوضاع اقتصادية وأمنية معقدة بسبب الاحتجاجات المستمرة منذ نحو عام وتعليق مساعدات المجتمع الدولي المقدرة بـ 8 مليارات دولار، يمر السودان بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وقد أثر ذلك بشكل كبير على أسواق العقارات والسيارات وعموم أسواق خرطوم، حيث استمرت أسعار العقارات في العاصمة السودانية الخرطوم، في التراجع وخسرت حوالي 30 بالمئة من قيمتها خلال الأشهر الستة الماضية.

هذه الأزمة الاقتصادية أربكت سوق العقارات والسيارات وسط ركود كبير أدى إلى انخفاض الأسعار بنسب تراوحت بين 20 بالمئة و30 بالمئة، بالإضافة إلى انخفاض متوسط أسعار المنازل في أحياء الطرق بالخرطوم خلال فترة الأشهر العشرة الماضية، بينما انخفضت أسعار السيارات المستعملة بأكثر من 25 بالمئة في المتوسط.

السودان شهد زيادات متتالية في أسعار الوقود العام الماضي بموجب عملية إلغاء تدريجي لدعم الوقود، والتي تهدف إلى اتباع الأسعار العالمية.

الأسباب

خلال الفترة الأخيرة شهدت موجة عرض كبيرة للعقارات في الخرطوم؛ مما أدى إلى تفوق العرض على الطلب بنسب تصل إلى 20 بالمئة؛ وسط حالة من الضبابية تحيط بالاقتصاد السوداني. ويتزايد العرض أكثر في الأحياء الراقية الواقعة في وسط الخرطوم إذ يلجأ البعض لبيع عقاراتهم واستبدالها بعقارات في مناطق شعبية أقل سعرا؛ أو شراء عقارات في دول أخرى كمصر وتركيا في ظل موجة هجرة متزايدة للأُسر، وفق تقرير لموقع “سكاي نيوز” عربية.

احصائيات متداولة تُقدر بأن أكثر من 15 ألف سوداني تملكوا شقق سكنية في العامين الأخيرين في مصر خاصة القاهرة، بينما تقدر الإحصاءات المتداولة بشكل غير رسمي عدد مُلّاك الشقق السكنية السودانيين في تركيا بأكثر من ألفي شخص.

بحسب التقرير، فإن الانخفاض المستمر في أسعار العقارات مرتبط بشكل أساسي بحالة عدم اليقين السائدة في جميع القطاعات الاقتصادية، والاضطراب الذي يشهده سوق العقارات حاليا لم يشهده من قبل.

هذا الاضطراب يرجع إلى الأزمة الاقتصادية الحالية في السودان، والتي أجبرت العديد من الملاك على بيع عقاراتهم في مناطق راقية أو تلك الموجودة في وسط المدينة، واستبدالها بعقارات منخفضة السعر في المناطق النائية من أجل الاستفادة من الفرق لتغطية نفقات المعيشة والتعليم والصحة المتزايدة؛ كما لجأ البعض إلى بيع عقاراتهم وهاجروا مع عائلاتهم إلى دول أخرى بحثا عن أوضاع معيشية أفضل، وفق مراقبين.

إلى جانب خروج العديد من الوسطاء والمطورين العقاريين من السوق خلال الفترة الأخيرة، بسبب تدهور أوضاع السوق والارتفاع الكبير في حجم نفقات التشغيل والضرائب ورسوم الخدمات في ظل إحجام متزايد عن الشراء، خصوصا في الأحياء الراقية.

في السياق، وصلت أسعار الأراضي السكنية في الخرطوم إلى مستويات لا تتناسب مع مستويات دخول السودانيين؛ إذ يُقيّم سعر المتر المربع الواحد بسعر قرابة المترين في أحياء راقية في دول مثل مصر وتركيا مما دفع الكثير من السودانيين لبيع عقاراتهم وشراء بدائل أرخص لها هناك.

بحسب التقرير، فإنه وبعد أن وصل سعر المتر المربع في بعض المناطق إلى معدلات تراوحت بين 1200 إلى 2500 دولار خلال الفترة ما بين 2010 إلى 2018؛ تراجعت الأسعار بمقدار الثلث تقريبا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حيث لجأ الكثير من عناصر النظام السابق المتهمين بالفساد والسيطرة على أعداد كبيرة من الأراضي السكنية للتخلص من تلك الأراضي بغرض “التخارج”، وإخفاء حالة الملكية الأصلية، أو ما عُرف محليا بعمليات “غسيل الأراضي”.

في حين لفت بعض المراقبين إلى أن السبب وراء الأزمة الاقتصادي السودانية، هو الانقلاب العسكري الذي حدث في 25 تشرين الأول/أكتوبر2021، والذي بلغ نهاية عامه الأول، في نكسة اقتصادية كبرى للخرطوم وشلل في كافة مفاصل القطاعات الحيوية وزيادة معاناة المواطنين المعيشية.

الانقلاب الذي قاده رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، عاد باقتصاد السودان للمربع الأول من العزلة الدولية وتراجع المانحين عن المضي قدما في التزاماتهم بإعفاء أو جدولة الديون الخارجية، كما أدخل البلاد في نفق من الأزمات المالية التي تتصاعد يوما بعد يوم.

مختلف المؤشرات الاقتصادية السودانية جاءت سلبية، ولا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتواصل غلاء أسعار السلع والخدمات.

قد يهمك: ما تبعات فشل الاتفاق النووي بعد فوز نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية؟

إرباك للأسواق

في المقابل، انخفض متوسط أسعار المنازل في الأحياء الطرقية في الخرطوم خلال الأشهر العشرة الماضية من 70 مليون جنيه (نحو 119 ألف دولار) إلى 50 مليونا (نحو 85 ألف دولار)، في حين انخفضت أسعار السيارات المستعملة بأكثر من 25 بالمئة في المتوسط.

هذا الانخفاض في أسعار العقارات يأتي على الرغم من ارتفاع الرسوم الجمركية والخدمية بنسب تراوحت ما بين 300 إلى 600 بالمئة خلال العام الحالي وارتفاع أسعار مواد البناء وتكاليف التنفيذ بذات النسب، مما أدى إلى خسائر كبيرة للتجار والمقاولين وخروج إعداد كبيرة منهم من السوق.

في قطاع تجارة السيارات لا يقل تدهورا عن قطاع العقارات، فقد تكبّد الكثير من التجار لخسائر كبيرة إذ يضطرون للتخلص من مخزون السيارات بأسعار أقل من تكلفتها في ظل التراجع المتواصل للأسعار. الخبراء أشاروا إلى أن سوق السيارات يتأثر كغيره من القطاعات الأخرى بالأوضاع الاقتصادية العامة في البلاد؛ مبيّنين “يتزايد العرض بشكل كبير حيث يلجأ الكثيرون لبيع سياراتهم بأيّ ثمن في ظل الحاجة لتلبية احتياجات أخرى أكثر أهمية من السيارة التي لم تعد أولوية للفقراء ومتوسطي الدخل”.

كما ويشير الخبراء، إلى أن “الملاك يبررون بيع منازلهم بالبحث عن فرص أفضل لأطفالهم وعائلاتهم بسبب الإغلاق المستمر للجامعات على خلفية الاضطرابات المستمرة منذ أشهر، إلى جانب عدم توفر الكهرباء بشكل مستدام”، مؤكدين، أن “شقة في القاهرة بالنسبة للسودانيين الراغبين في الهجرة ستكون أقل سعرا من منزل في الخرطوم”.

قد يهمك: الانتخابات التركية.. تجنيس الأجانب ورقة أردوغان الرابحة؟

ندرة السلع الغذائية

في المقابل، تعاني الأسواق السودانية من ندرة في بعض السلع بسبب الأزمات التي تواجهها الموانئ وفوضى اتخاذ القرارات، حسب ممثلين عن القطاع الخاص التجاري الذين كشفوا عن إفلاس الكثير من المستوردين. وتوقّع رئيس الغرفة التجارية بولاية الخرطوم حسن عيسى، توسع ظاهرة ندرة السلع الاستهلاكية في المحلات التجارية، وأرجع ذلك إلى تعطّل الاستيراد وتوقف إنتاج بعض المواد المحلية بسبب ارتفاع تكلفة النقل والمواد الخام وضعف المناولة بالموانئ، طبقا لـ”العربي الجديد”.

عضو الغرفة القومية للمستوردين المعتز المكي أفاد بأن حركة الاستيراد تعطّلت بنسبة 70 بالمئة، مشيرا إلى تصاعد الأزمة الاقتصادية التي طال أمدها، إلى جانب توقف حركة الشراء بعد امتناع الحكومة عن شراء السلع من السوق، باعتبارها أكبر مشترٍ لها عقب إنشائها شركات للاستيراد لسد حاجة مؤسسات الدولة من السلع بدلا عن تعاقدها مع الموردين، فضلا عن إفلاس معظم المستوردين عقب تعرضهم إلى خسائر كبيرة بسبب الأزمة الاقتصادية.

وفق تقرير لـ”اندبندنت”، فإن أسواق السودان تعاني من الركود وضعف القوة الشرائية، في وقت ما زالت مخاوف شركات الشحن الكبرى ماثلة في ما يتعلق بالميناء والمخاطر التي تهددها جراء عدم الاستقرار الذي قد يقود إلى الإغلاق مرة أخرى.

قد يهمك: محادثات أميركية روسية حول أوكرانيا.. ماذا يمكن أن ينتج عنها؟

معاناة وتعقيدات

في تقرير لـ”اندبندنت”، ظلت الموازنة السودانية تعاني الآثار المباشرة لإعلان تجميد المعونات الدولية المقدمة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، إذ كانت تعول على الانفتاح العالمي والتدفقات التي كانت منتظرة بواسطة التزامات العون الدولي وإعفاء الدين الخارجي، لكنها توقفت بعد انقلاب قائد الجيش في تشرين الأول/أكتوبر الماضي وإطاحته الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك، مما جعل البلاد تواجه معضلات حقيقية أدت إلى تفاقم تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير.

منذ ذلك الحين يواجه السودان أزمة وتعقيدات اقتصادية كبيرة في ظل عزلة اقتصادية نتيجة وقف معظم دول العالم ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية تقديم التزاماتها ومساعداتها التي وعدت بها في شكل منح وقروض تقدر بمليارات الدولارات.

البلاد فقدت نتيجة انقلاب قائد الجيش ما يقارب 40 بالمئة من إيراداتها، كما جمّد البنك وصندوق النقد الدوليين نحو ملياري دولار من المساعدات كان يُنتظر تقديمها لدعم الحكومة الانتقالية، فضلاً عن تعثّر مشروع إعفاء ديون السودان البالغة نحو 60 مليار دولار عبر مبادرة الدول الأكثر فقرا (هيبيك)، كما جمّدت واشنطن 700 مليون دولار وشحنة قمح بحجم 400 ألف طن، كانت ستقدمهما هذا العام.

أيضا، مما لا شك فيه أن تراجع قيمة العملة المحلية، هو أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة أعباء المعيشة على السودانيين، جراء زيادة معدلات التضخم، وبالتالي انخفاض قيمة ثروات الأفراد، كما أن هناك آثار سلبية أخرى تتحقق بسبب تراجع الجنيه السوداني، مثل ارتفاع قيمة الواردات السلعية، وتباطؤ حركة النشاط الاقتصادي لدى المؤسسات التي تعتمد على استيراد مستلزمات الإنتاج، والعدد والآلات، فضلا عن تأخر وصول السلع الضرورية.

كما وتقول النقابات والتنظيمات المهنية إن الخلل الاقتصادي العام في السودان أدى إلى تدهور كبير في أوضاع الموظفين والعاملين، خصوصا في ظل الضعف الكبير في الأجور التي تتراوح بين 30 إلى 110 ألف جنيها “50 إلى 200 دولار”، في معظم القطاعات؛ في حين تؤكد دراسات متخصصة أن الاحتياجات الأساسية للأسرة المتوسطة تكلف ما بين 350 إلى 450 الف جنيه “600 إلى 800 دولار”.

يبدو أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار من 45 جنيها عام 2019، إلى أكثر من 500 جنيه للدولار الواحد، يعود بشكل رئيسي إلى تراجع الوضع السياسي، ووقوع اختلاف كبير بين المكونين المدني والعسكري، فضلا عن توقف الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتجميد غالبية برامج المساعدات الخارجية.

قد يهمك: قمة المناخ “كوب 27”.. محاولة عالمية لمعالجة مشاكل الأرض؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.