التوتر بين كوسوفو وصربيا، تصاعد خلال الأشهر القليلة الماضية، توتر يعود تاريخه إلى عام 2008 عندما أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا، الأمر الذي لم تعترف به بلغراد حتى اللحظة.

الاستفزازات العسكرية والأمنية تجددت منذ أشهر، حول لوحات السيارات الآتية من صربيا والتي تريد كوسوفو استبدالها بلوحات من إصدار كوسوفو، فضلا عن الملفات السياسية والجغرافية العالقة بين الجانبين، في حين يتركز التوتر عند الحدود بين الدولتين، فهل يتحول إلى نزاع مسلح.

تهديد أوروبي

بعد إرسال قوات صربية إلى الحدود الجنوبية مع كوسوفو، طلب سفراء دول بريطانيا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بتفكيك الحواجز التي أقيمت في شمال كوسوفو خلال 24 ساعة.

وسائل إعلام غربية بحسب ما نقل موقع “العربية نت” أمس الإثنين، أرسلوا رسالة إلى الرئيس الصربي يطالبون بسحب القوات، مؤكدين أنهم “لن يتدخلوا أو يعيقوا محاولات رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، التصرف بشكل مستقل“.

وفي الوقت التي تنذر فيه هذه التحركات باحتمالية تصاعد التوتر ليصل إلى النزاع المسلح، يستبعد محللون ومتابعون لقضية النزاع الثنائية، أن تصل التوترات إلى المواجهات العسكرية، وذلك لعدم قدرة أي طرف من الأطراف على تحمل تبعات الحرب.

ضابط الاتصال السابق في حلف “الناتو” البروفيسور أيمن سلامة، استبعد كذلك أن يصل التصعيد بين كوسوفو وصربيا إلى مرحلة النزاع المسلح خلال الفترة الراهنة، خاصة وأن التوترات الحالية ليست بجديدة، مشيرا إلى أن الجهود الأوروبية لم تجد حتى الآن آلية تعيد الثقة المتبادلة بين صربيا وكوسوفو.

سلامة قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “التوتر لم يصل بعد إلى درجة النزاع المسلح، فهذا الأمر ليس بجديد، ويشمل الاحتقانات السياسية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى التظاهرات في المناطق الشمالية في كوسوفو ذات الأغلبية الصربية“.

محاولات للتهدئة

منذ العام 2013 بدأ الاتحاد الأوروبي، محاولات حثيثة من أجل نزع فتيل النزاعات بين صربيا وكوسوفو، وتخفيف التوتر بين “القوميتين” في كوسوفو، امتدت هذه المحاولات إلى العام الجاري.

شهر آب/أغسطس الماضي، شهد مفاوضات دبلوماسية برعاية الاتحاد الأوروبي وروسيا، بين صربيا وكوسوفو وتعهد الطرفان بحل وتسوية كافة المشاكل القائمة بين الدولتين وأيضا التوترات والاضطرابات التي كانت قائمة في شمال كوسوفو.

وفق رؤية سلامة، فإن تجدد التوترات والاضطرابات شمالي كوسوفو، مرتبط بالجهود الدبلوماسية التصالحية التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي، ووجود قوة من حلف “الناتو” في كوسوفو لدعم الاستقرار والأمن.

حول ذلك أضاف سلامة، “كل هذه الجهود لم تفضي إلى آليات وترتيبات أمنية فاعلة لدرء فتيل أي أزمة، فلم يتحقق حتى اللحظة ترتيبات تبادل الثقة بين الطرفين. لم تبذل جهود فاعلة لدرء هذه الاضطرابات والتوترات في كوسوفو، وذلك لإنفاذ الدبلوماسية الوقائية“.

الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، كان قد وجه جيش بلاده الأحد الفائت، نحو المناطق الحدودية مع كوسوفو، تزامنا مع تفاقم التوتر بين البلدين مؤخرا على خلفية منع العبور عند نقاط حدودية.

تاريخ التوتر

التصعيد بين كوسوفو وصربيا، زاد حدته خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بعد اتخاذ كوسوفو عدة إجراءات وقرارات، والعمل على تنفيذ خطه كان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ في أيلول/سبتمبر الماضي، تتعلق بالوثائق المدنية التي بموجبها يتم منح مواطني صربيا الإذن بالدخول، وأيضا ضرورة الحصول على لوحات معدنية صادرة من كوسوفو لمركبات الصّرب.

قد يهمك: دوريات بحرية مع العراق والكويت.. تهديدات جديدة تواجه المنطقة؟

هذه القرارات من حكومة كوسوفو أثارت غضب الأقلية الصربية شمالي البلاد مما جعلها تصعّد بإطلاق الأعيرة النارية تجاه الشرطة وإغلاق الطرق في كوسوفو، إذ أن الصّرب الذين يعيشون في شمال كوسوفو لا يعترفون بالمؤسسات التابعة لبرشتينا عاصمة كوسوفو، وأيضا بلغراد حتى هذه اللحظة تعتبر كوسوفو جزءا من أراضيها وتدعم بشكل مطلق الأغلبية الصربية الموجودة فيها.

فتيل التوتر، اشتعل بين الطرفين عندما حددت كوسوفو موعد 18 كانون الأول/ ديسمبر لإجراء انتخابات في بلديات ذات غالبية صربية، لكن الحزب السياسي الصربي الرئيسي أعلن مقاطعته.

التوتر بين الجانبين، يعود إلى العام 2008، عندما أعلنت كوسوفو استقلالها، وفي عام 2011، انفجرت الإضرابات بين الجانبين، “التي لا تعدو إلا توترات عنيفة على خلفية الحرب التي دارت في 1999، بين القوات الصربية وجيش تحرير كوسوفو” حسب سلامة.

توترات عام 2011، شملت اشتباكات هي الأعنف منذ استقلال كوسوفو ودخلت حينها الشرطة الكوسوفية إلى داخل أربع قرى في شمال كوسوفو ذات الأكثرية الصربية بهدف السيطرة على المعابر الحدودية بين كوسوفو وصربيا، ودارت اشتباكات على مدار أيام، ومنذ ذلك الوقت تسعى صربيا إلى ضم الجزء الشمالي من كوسوفو إليها.

صربيا ترى من جانبها أن كوسوفو اتخذت إجراءات لتصعيد الأزمة مؤخرا، لا سيما بعد قيام الشرطة الكوسوفية مؤخرا، بالتعاقد على شراء معدات وعربات ثقيلة للشرطة بمبلغ ضخم.

كذلك أنشأت كوسوفو عام 2018، وزارة للدفاع وتحويل الوحدات المسلحة إلى جيش قوامه خمسة آلاف جندي.

بالمقابل تتهم كوسوفو صربيا وبعض دول الجوار في البلقان، بتأجيج هذه التوترات والاضطرابات داخل الشمال الكوسوفي ذو الأغلبية الصربية، فضلا عن انعدام إجراءات وترتيبات تبادل الثقة بين صربيا وكوسوفو، لحل الخلافات العالقة.

خفض التوتر ممكن؟

مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ذكر في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن “صربيا وكوسوفو توصلتا إلى اتفاق على إجراءات لتجنب مزيد من التصعيد“.

الاتفاق تم على أن تتوقف صربيا عن إصدار لوحات ترخيص للسيارات الخاصة بمدن كوسوفو، وأن تتوقف الأخيرة عن اتخاذ مزيد من الإجراءات المتعلقة بإعادة تسجيل المركبات. كما وافق الكوسوفيون على مقترح أميركي بتأجيل فرض غرامات على الصّرب في كوسوفو الذين لم يسجلوا سياراتهم في بريشتينا.

من جهته، قال الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، رئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلدت في تغريدة على “تويتر“، إن “الأزمة تختمر في شمال كوسوفو مرة أخرى“. وأضاف بيلدت، الذي كان مبعوثا أوروبيا في الحرب اليوغوسلافية، إن “الأمور ستزداد سخونة مع نيّة كوسوفو تقديم طلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الأيام القليلة المقبلة“.

الأزمة بين صربيا وكوسوفو، تنتظر ربما جهود جدية من قبل الاتحاد الأوروبي، للوصول إلى توافقات بين الطرفين من أجل إيجاد أرضية مشتركة بينهم، مما سيكون سببا رئيسا لتبريد وتلطيف الأجواء، ويكون دافعا لتحقيق الاستقرار في أوروبا، خاصة مع سريان الاتفاق الذي أعلن عنه الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل.

الأوضاع المتوترة شمالي كوسوفو تبقى تحت المراقبة، فالوضع بين صربيا وكوسوفو قابل بأي لحظة للانفجار، خاصة أن صربيا تحاول إيجاد أي ذريعة للتدخل في كوسوفو التي لم تعترف بها حتى الآن كدولة مستقلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.