لبنان الذي ينتقل من أزمة سياسية إلى أخرى، يعيش الآن أزمة أخرى تهدده مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الحالي، ميشال عون، الشهر القادم، في ظل عدم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للبنان، والجدل حول إمكانية تولي حكومة نجيب ميقاتي، سلطات الرئيس رغم أنها حكومة تصريف أعمال، ومخاوف من محاولة عون، تغييرها أو البقاء في الرئاسة، بعد نهاية مدته.

ومع مطلع شهر أيلول/سبتمبر الحالي، بدأت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، من قبل أعضاء مجلس النواب اللبناني، وتنتهي يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، أي يجب على الرئيس أن يغادر في ذلك الوقت، حيث أن الدستور اللبناني لا يوجد فيه مادة قانونية تجعل الرئيس يستمر في منصبه مثل الحكومات التي تبقى بعد استقالتها لتصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.

اليوم وبعد دعوة وجّهها رئيس مجلس النواب، نبيه بري، للبرلمان لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، فشل المجلس في عملية الانتخاب نتيجة للخلافات المستمرة بين الفُرقاء اللبنانيين.

ما الحل المنتظر في لبنان؟

المشهد السياسي في لبنان يعاني من عدة تعقيدات داخلية، وخارجية، فالداخلية أهمها، التشرذم في البرلمان نفسه، حيث لا يوجد كتلة سياسية تمتلك الأكثرية، بعد خسارة كتلة 8 آذار لعدد من مقاعدها في البرلمان في الانتخابات الأخيرة وهو ما أفقدها الأكثرية، إضافة لبروز كتلة التغييريين التي تعارض بقية الكتل، وانسحاب كتلة السّنة الممثلة بتيار المستقبل.

من جلسة البرلمان اللبناني اليوم لاختيار رئيس للجمهورية “وكالات”

وأما الخارجية، فهي ارتباط الحل في لبنان بعوامل خارجية لها علاقة بالأزمات الحالية وتوجه الأنظار الدولية إليها وعلى رأسها الغزو الروسي لأوكرانيا، والملف النووي الإيراني.

الصحفية اللبنانية، سوسن مهنا، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أنه خلال الفترة الماضية، ومع اقتراب مفاوضات النووي الإيراني من التوقيع على الاتفاق، كان هناك جهود دولية لدعم الحلول في لبنان، كما كان هناك نوع من الهدنة بين المسؤولين اللبنانيين، وكان هناك إمكانية لتشكيل حكومة قادرة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لبدء الخروج من الأزمة الحالية، ولكن بعد ذلك عادت الأمور الدولية للتأزم، وتأزمت معها الحالة السياسية في لبنان أيضا، وما يجري هو تضييع للوقت فقط.

تضيف مهنا، بأن الحل المنتظر هو تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، ثم انتخاب لرئيس الجمهورية، ومن المهم أن تكون شخصية الرئيس إنقاذية ووطنية، وغير مرتبط بأي محاور سياسية، أي أن هدفه إنقاذي إصلاحي.

إقرأ:سيناريوهات مختلفة أمام ملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل؟

ليس هناك انفراجة سياسية

بحسب الدستور اللبناني، فإنه في حال عدم انتخاب رئيس جديد للبنان، فإن الدستور ينقل صلاحياته إلى الحكومة، ولكن الحكومة الحالية هي حكومة مستقيلة، وبالتالي هي حكومة تصريف أعمال، ولذا يرى البعض خاصة من مؤيدي الرئيس عون، أنه ليس من سلطاتها تولي صلاحيات الرئيس.

وسبق أن أعرب وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري، عن تفاؤله بسرعة إنجاز الخطوات الخاصة بتعويم الحكومة الحالية ونيلها الثقة بعد إجراء تعديلات على تركيبتها، قبل نهاية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفا للرئيس الحالي، باعتبار أن الحكومة تنتقل لها صلاحيات رئيس الجمهورية حال تعثر مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية.

ولكن بحسب دراسة دستورية خاصة أعدّها أمين عام مجلس الوزراء اللبناني، القاضي محمود مكية، حول الوضع القانوني، نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط”، أشارت إلى أنه في حال لم يتمكن البرلمان اللبناني من انتخاب خلف للرئيس ميشال عون، فعندها وبحسب الفقه والاجتهادَين اللبناني والفرنسي استقروا على اعتبار أن صلاحيات رئيس الجمهورية، تُمارس من قِبل مجلس الوزراء كهيئة جماعية، وباستطاعة المجلس المنوط به صلاحيات رئيس الجمهورية، مؤقتا أن يُمارس من دون أي قيد كل الصلاحيات التي يُمارسها دستوريا رئيس الجمهورية.

وبالرد على من يقولون، أن حكومة ميقاتي مستقيلة وبالتالي لا تستطيع ممارسة صلاحيات الرئيس، بالوكالة، يقول مكية، إنه تحاشيا للوقوع في فراغ الحُكم، وحرصا على سلامة الدولة يحق للحكومة المُستقيلة أن تتولى صلاحيات الرئاسة بالوكالة إلى أن يتمكن المجلس من اختيار رئيس جديد، وذلك بشرط واحد، وهو أن تكون مُضطرة لذلك، حفظا للمصلحة العامة.

وعلى الرغم من هذه الإمكانية، بحسب الدراسة القانونية، فإن سوسن مهنا، ترى أنه ليس هناك انفراجة للأزمة السياسية في لبنان، فالأزمات تتراكم لعدم وجود اتفاق بين القوى السياسية اللبنانية على إنقاذ البلد، فـ”حزب الله”، لا تزال أجندته ترتبط بالنظام الإيراني، وتيار ميشال عون، يريد رئيسا من التيار نفسه وهو جبران باسيل، حيث يتخوف تيار عون، في حال تسلم الرئاسة في بعبدا، شخص من خارج التيار أن يؤدي إلى اضمحلاله، أما بقية الفرقاء فهم يريدون المحاصصة.

هل تتجه الأمور نحو التأزم؟

مخاوف لدى اللبنانيين من أن يقوم ميشال عون، بالتمسك بكرسي الرئاسة في حال فشل البرلمان بانتخاب رئيس للجمهورية، وألمح عون العام الماضي إلى هذا السيناريو، عندما قال إنه إذا قرر مجلس النواب بقاءه فسيبقى نافيا إمكانية حصول فراغ في المنصب.

وقال عون، في تصريحات لوسائل إعلام محلية: “أغادر القصر إذا كان يوماً طبيعياً، ولكن إذا شعرت بوقوع مؤامرة لن أقف مكتوف اليدين”، مضيفا: “لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال تولي صلاحيات رئيس الجمهورية، إذا حصل ذلك، فالأمر لا يخالف الدستور فحسب، بل يعرضنا لأزمة وطنية حقيقية قابلة للاشتعال، وصولنا إلى هذا اليوم يعني أن على مفتعلي المشكلة تحمل المسؤولية كاملة، وأتمسك بوجهة نظري هذه، وأصر على حكومة مكتملة المواصفات الدستورية”.

سوسن مهنا، ترى من جهتها، أن الأمور تتجه نحو التأزم خاصة بعد ما جرى اليوم في جلسة البرلمان التي كانت مقررة لانتخاب رئيس للجمهورية، حيث كان هناك 63 ورقة بيضاء، من أوراق الانتخاب، وأصحابها معروفون وهم تحالف 8 آذار أي “حزب الله”، والتيار الوطني.

وتضيف مهنا، أنه حتى الأطراف المعارضة ضمن البرلمان التي من المفترض أن تكون تغييرية وضد السلطة القائمة حاليا لم تتفق وتتوحد على اسم لمرشح، لذلك فإن جلسة اليوم كانت لجس النبض ولرؤية إلى أين تتجه الأمور، فالنواب كانوا يعرفون مسبقا أنه لن يتم انتخاب رئيس اليوم، وحتى اسم ميشال معوض، لم يكن الاسم المطروح سابقا، طُرح اليوم لكن بشكل غير قوي، أما الأسماء القوية فهم سليمان فرنجية وجبران باسيل.

تختم مهنا، أن الأزمات تتراكم على رؤوس اللبنانيين، والحالة السياسية سوف تتأزم طالما ليس هناك حل بدفع إقليمي ودولي، ومن المهم التأكيد أن هناك أزمات تقع على رأس أولوية المجتمع الدولي، أهم من لبنان حاليا، وهي أوكرانيا والنووي الإيراني، لذلك ستبقى الأزمة السياسية اللبنانية على قائمة الانتظار حتى حين.

الخلافات في لبنان تطال كل شيء

الموازنة العامة في لبنان، كانت عنوانا لخلاف منتصف الشهر الحالي في البرلمان اللبناني، حيث تم ترحيل مناقشة موازنة عام 2022 إلى 26 أيلول/سبتمبر الحالي، أي حتى قبل أيام، بعد فقدان الجلسة الثالثة نصابها، بفعل انسحاب بعض الكتل النيابية، اعتراضا على التعديلات السريعة التي أُدخلت عليها، والأرقام البعيدة عن أي رؤية إصلاحية، والأقرب إلى بيع الناس الأوهام، كما الزيادات التي جرى فرضها لموظفي القطاع العام من دون معالجة مشاكل الأزمة الجوهرية، وعلى رأسها تعدد مستويات سعر الصرف.

جبران باسيل أحد المرشحين للرئاسة في لبنان

وانسحب من الجلسة نواب كتلة “حزب القوات اللبنانية” الذي يترأسه سمير جعجع، و”الكتائب اللبنانية” التي يترأسها النائب سامي الجميل، و”التغييريين”، مع عدد من المستقلين، اعتراضا على طريقة التصويت على الموازنة وبنودها، وإقرار زيادة على رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين والمتعاقدين، تصل إلى 3 أضعاف قيمتها الحالية بطريقة عشوائية وغير عادلة، وفرض تعديلات سريعة من دون دراسة، في وقت يعتبر المنسحبون أن النقاش يجب أن يكون ضمن الخطة الاقتصادية الإنقاذية الحكومية.

كما سادت أجواء سجالية خلافية منها طول كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتخبط الحكومة وتأخرها في وضع خطة إنقاذية إصلاحية بالشكل المطلوب واللازم، والاعتراض على طرح ميقاتي، اعتماد سعر 15 ألف ليرة، للدولار الجمركي.

كما جرى اتهام المنسحبين بخلق فوضى مقصودة لإسقاط الموازنة التي رغم سيئاتها التي تقر بها القوى السياسية الأخرى تبقى برأيها أفضل من لا شيء، وقد دعا رئيس البرلمان نبيه بري، إلى “تحويل هذه الموازنة التي قيل عنها سيئة إلى موازنة مقبولة”.

قد يهمك:هل يُعمق الاتفاق النووي من نفوذ إيران في لبنان وسوريا؟

خلافات الكتل البرلمانية اللبنانية من جهة، وخلافات الحكومة ومؤسسة الرئاسة من جهة أخرى، يجعل الوضع السياسي في أزمة مستمرة يدفع ثمنها اللبنانيون وحدهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.