في خضم المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية، يبدو أن الوقت قد حان لحلحلة ملف الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، من قبل المعنيين والقائمين على هذا الملف، ونتيجة لذلك تنتظر السلطات اللبنانية ما سيطرحه الوسيط الأميركي إلى مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، آموس هوكستاين، نهاية هذا الأسبوع، لإبداء ما يناسب الجانب اللبناني.

بالتزامن مع سير المفاوضات والتحركات الجارية ضمن ملف الترسيم الحدودي، تستكمل شركة “إنيرجيان”، الجهوزية التقنية لاستخراج الغاز من حقل “كاريش” الواقع شرقي المتوسط ، فيما اتفقت الحكومة اللبنانية مع شركة “توتال” الفرنسية للتنقيب داخل لبنان، وسط تهديدات متبادلة بين “حزب الله” اللبناني الموالي لإيران، والجانب الإسرائيلي في حال تم التنقيب عن الغاز دون التوصل إلى اتفاق، وهذا يشير إلى مرحلة محورية تتطلب تقييم الوضع والتحضير لسيناريوهات مختلفة، وهي إما الاتفاق والحصول على حصتهما وفق الاتفاق، أو البدء في عمليات الحفر دون اتفاق يؤدي بالضرورة إلى مواجهة عسكرية بين الجانبين، لكنه يظل خيارا مستبعدا، نظرا للأزمات المتتالية التي تلاحق لبنان من جهة، ولاعتبارات سياسية من جهة أخرى، لذلك يبقى الخيار الأول هو الأرجح، لكنه يثير العديد من التساؤلات حول شكل إنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ومدى إمكانية نجاح الوساطة الأميركية، وفيما إذا كان الحل قريبا، أم أن “حزب الله”، سيخلق مشاكل للتصعيد مع إسرائيل.

اتفاقية وليست معاهدة رسمية؟

الرئاسة اللبنانية، أفادت يوم أمس الإثنين، أن بيروت تتوقع تلقي عرض خطي من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين؛ لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بنهاية الأسبوع الجاري، مضيفة أن “نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب أطلع الرئيس ميشال عون على محتوى لقائه الأسبوع الماضي مع هوكشتاين في نيويورك”.

من جهته قال مسؤول في السفارة الأميركية في لبنان لـ “رويترز”: إن “هوكشتاين يواصل مشاركته النشطة في إتمام المناقشات حول الحدود البحرية”، مبينا، “نواصل تقليص الفجوات بين الأطراف ونعتقد بأنه من الممكن التوصل إلى تسوية”.

وفي هذا السياق يرى الصحفي والمحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة، أن اتفاق التقسيم الحدودي البحري اقترب عمليا من نهايته، لكن، “الشيطان يكمن دائما في التفاصيل”.

وأردف بشارةن لموقع “الحل نت”، أن لبنان ينتظر الرد المكتوب من الوسيط الأميركي الذي سيرسله رسميا بعد أخذ الرأي الإسرائيلي في عملية الترسيم، وبالتالي فإن هذا الرد الكتابي سيكون بمثابة انتقالا إلى المرحلة النهائية في حال الموافقة عليه.

وعملية الترسيم البحري قواعدها معروفة، بمعنى أنها تتمحور حول الخط 23، الواقع في شمال لبنان، وحقل “قانا” كاستثمار، وسيتم تضمين باقي التفاصيل في الورقة المكتوبة التي ستتم مناقشتها بشكل نهائي تمهيدا لتوقيع الاتفاقية، كما وسيتم التوقيع عليها دون أن تكون على شكل معاهدة، إنما عبر الوسيط الأميركي، على حدّ تعبير بشارة.

قد يهمك: ما مآلات أزمة الصحراء الغربية على دول شمال إفريقيا؟

للحاجة الموضوعية؟

وحول احتمالية توقيع الاتفاقية، كان الرئيس اللبناني ميشال عون، تحدّث في وقت سابق عن انفراجات في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وقال: “لبنان سيحصل على ما يستحقه من ثروات”. واستدلالا على رضى لبنان عن الحلول التي جلبها بحقيبته الوسيط الأميركي، في محادثات حل النزاع الحدودي البحري بين إسرائيل ولبنان، هوكشتاين، حين زار لبنان في 9 من أيلول/سبتمبر الجاري، واجتمع مع الرئيس ميشال عون، ونائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، ورئيس الأمن العام عباس إبراهيم، ليخرج بتصريح للإعلام يقول فيه، “مفاوضات ترسيم الحدود البحرية حققت تقدما جيدا جدا”.

أيضا، شدد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في وقت سابق، على تمسك لبنان بسيادته وثروته وحقوقه في مياهه الإقليمية، قائلا: إن “بلاده تقترب من إبرام اتفاق مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية”.

وبالعودة إلى الصحفي والمحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة، يرى أن نجاح الوساطة الأميركية مرهون بتوقيع الاتفاق، ومن يدير المفاوضات مباشرة اليوم هو “حزب الله” اللبناني، والأخير لديه مجموعة من اعتبارات يتركز معظمها على الوضع في لبنان والرغبة في إخبار اللبنانيين في الداخل بأنه، “حمى الثروة الغازية، وأن سلاحه هو الذي أمّن هذا الاتفاق”، أي أنه يحتاج إلى طمأنة بيئته أيضا، الغارقة مثلها مثل كل البيئات اللبنانية الأخرى، في الانهيار الاقتصادي.

بالتالي، لا يستبعد بشارة، أن “يتم التوقيع على هذه الاتفاقية”، ولا يستبعد أيضا أن يكون “حزب الله”، قد اتخذ قرارا بالوصول إلى ترسيم الحدود البحرية، نظرا لحاجته الموضوعية لهذا الترسيم.

ولفت بشارة، إلى أنه في حال التوقيع على هذه الاتفاقية، فإن ملف التنقيب عن الغاز في كل دول الشرق الأوسط سينطلق بقوة، وستكون الاستفادة القصوى منه مرتبطة بسباق مع الزمن يبدأ بالحفر والتنبؤ بالكميات الموجودة، ومن ثم الاستخراج، وما إلى ذلك.

هذا وصرح مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، على قناة “إم تي في” اللبنانية، أن “تلك المحادثات ستساعد في توزيع موارد النفط والغاز وقد توشك على الانتهاء”. ويبدو أن إبراهيم متفائلا في هذا الملف، حيث أكد خلال المقابلة، “نتحدث عن أسابيع، لا بل عن أيام للانتهاء من ملف الترسيم. وأنا أميل لأن تكون الأمور إيجابية”.

قد يهمك: تأثير الحوار السعودي الإيراني على المنطقة

ماذا عن إسرائيل؟

بحسب المعطيات المتوفرة، هناك خطة أصبحت جاهزة عن كيفية انطلاق عملية رسم الحدود برا وبحرا، خاصة وأن إسرائيل أبدت مؤخرا حماسة لحل الموضوع بأقرب وقت، بحسب حديث المتخصصة في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، لـ “الحل نت”، وبحسب المعلومات فقد وافقت اسرائيل على إعطاء لبنان مساحة 860 كيلومتر مربع، مع السماح لهم أيضا بالأفضلية في التنقيب بحقل “قانا”، ولكن ذلك لن يكون مجانا، إذ تسعى إسرائيل في الحصول على نقطة رأس الناقورة البرّية والمنطقة التي تقع فوقها (هي أخر نقطة لبنانية مع الحدود الإسرائيلية)، والتي لطالما كانت نقطة اختلاف بين البلدين.

منصة إسرائيلية للغاز في البحري المتوسط “أرشيف”

للأسف، فإن خط 23 لا ينطلق من رأس الناقورة، بحسب هايتيان، وبالتالي اعتبرت اسرائيل أن من حقها المطالبة به، وهنا تكمن العقدة التي قد تعرقل نوعا ما خاتمة تلك المفاوضات. لبنان متمسك بالمساحات البرية التي تفصل بين الناقورة والحدود الإسرائيلية لذا الأمر ليس سهلا.

هايتيان، التي تحدثت في وقت سابق لـ”الحل نت”، تعتقد أن كل من الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، تريدان الإسراع في حل الملف للتخفيف من تصعيد نصر الله، الذي كان يهدد بحرب بين البلدين في بداية أيلول/سبتمبر الحالي، ثم عاد مهددا بالحرب في نهاية الشهر، هو يضغط جدا على إسرائيل، ولكن قد يكون هناك مماطلة نوعا ما، إذ ترد معلومات حول تأجيل المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية والأميركية وحتى اللبنانية، فيما “حزب الله”، يريد حسم الموضوع قبل رحيل الرئيس اللبناني ميشال عون، ليقال أن على عهده وكونه حليف الحزب، تم تحقيق أكبر وأهم ملف لبناني.

يشار إلى أنه في العام 2020، انطلقت المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية التي بين إسرائيل ولبنان، وكانت الولايات المتحدة الأميركية عرّابة المحادثات؛ عند الجولة الخامسة توقفت المباحثات، والسبب خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها في البحر المتوسط.

بعد سنتين قررت واشنطن، إحياء الملف لحله جذريا، وفي حزيران/يونيو الماضي، تصاعد التوتر بين لبنان وإسرائيل، حين وصلت إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها سفن تابعة لشركة “إنيرجيان”، مخصصة لاستخراج الغاز استؤجرت لحساب إسرائيل.

“حزب الله”، حذر مرارا إسرائيل من القيام بأي نشاط في “كاريش”، قبل التوصل لاتفاق بهذا الشأن مع لبنان. وفي الثاني من تموز/يوليو الفائت، قالت إسرائيل إنها اعترضت ثلاث مسيرات تابعة لـ “حزب الله” كانت متجهة إلى منطقة حقول الغاز في البحر المتوسط.

هذا الجدل القائم بين الجانبين، يتمحور حول تمسك لبنان بأحقيته الكاملة في حقل “كاريش”، كونه يقع داخل جزء من المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، فيما كانت الأخيرة تقول إن “الحقل بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة”.

صحيح أن لبنان اشترط خلال مفاوضات الترسيم البحرية، الحصول على “حقل قانا” كاملا، الواقع ضمن منطقة جغرافية متعرجة شمال غربي شاطئ حيفا، والممتد من الخط الحدودي رقم 23، لكنه لم يذكر بأنه لن يعطي حقهم بالأرباح، وعرضت شركة “توتال”، مثل تسوية، قالت فيها بأن لبنان سيأخذ كل “قانا”، لكن عليه إعطاء مثل تعويضات لإسرائيل، ولكن ستدفعها شركة “توتال” من حصتها في الأرباح، وقد يقبل لبنان بهذا الحل مقابل الحصول على ضمانات من الشركة الفرنسية بالبدء جديا وقريبا في التنقيب، والضغط هنا يبقى على الفرنسيين الذين عليهم الضغط على شركة “توتال”، للإعلان عن موعد للبدء بالتنقيب، وفق مراقبين تحدثوا في وقت سابق لـ”الحل نت”.

لذلك، يبدو أن لبنان قد حسم قراره في مسألة الترسيم البحري مع الجانب الإسرائيلي، وسط تفاؤل ينبثق من الأطراف المعنية في المفاوضات الجارية بين لبنان وإسرائيل.

قد يهمك: احتمالات التصعيد التركي – اليوناني.. توتر جديد أم تهدئة مطلوبة؟

حقل “كاريش”

حقل “كاريش” للنفط والغاز الطبيعي، يقع في المياه الإقليمية بحوض البحر الأبيض المتوسط، ويبعد 100 كلم، عن السواحل الإسرائيلية، وحوالي 75 كلم عن ساحل حيفا، تقدر مساحة الحقل بنحو 150 كيلومترا مربعا، ووفقا لوزارة الطاقة اللبنانية، فإن الحقل يبعد نحو 4 كلم فقط عن حدودها مع إسرائيل، وتحديدا في البلوك رقم 8، و7 كلم عن البلوك رقم 9، وهما تابعان للمياه الإقليمية اللبنانية.

حجم الاحتياطات من الغاز الطبيعي في حقل “كاريش”، يقدر بنحو 1.3 تريليون قدم مكعب، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الاحتياطات يتراوح بين 1.5 تريليون إلى 2 تريليون قدم مكعب، بحسب تقرير لموقع قناة “الجزيرة”.

حقل “كاريش”

مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية، يُقدر بنحو 22 ألف كيلومتر مربع، في حين تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا. ويقدر حجم الاحتياطي البحري اللبناني من النفط بنحو 865 مليون برميل، وتقدر حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه البحر المتوسط بنحو 96 تريليون قدم مكعب.

جذور أزمة حقل “كاريش” تعود إلى عام 2011، بحسب التقرير، حين أودع لبنان، لدى الأمم المتحدة إحداثيات حدوده البحرية الجنوبية، معتمدا الخط رقم 23 بينما اعتمدت إسرائيل الخط رقم واحد. وتوقفت المفاوضات التي انطلقت بين لبنان وإسرائيل، العام 2020 بوساطة أميركية في أيار/مايو من العام الماضي جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها.

قد يهمك: “أدنوك” الإماراتية توسع أسطولها.. حرب ضد ″الابتزاز الروسي″ لأزمة الطاقة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.