تغيرات لافتة في المشهد السياسي العراقي، حدثت أمس، تظهر إصرار “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران على تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي نهاية حالة الانسداد السياسي المستمرة منذ عام تقريبا، فهل يمكن أن يحدث ذلك بالفعل؟

أمس الأربعاء، نجح البرلمان العراقي في عقد جلسة هي الأولى له منذ 3 أشهر، بعد أن منع جمهور “التيار الصدري” إمكانية عقد أي جلسة طيلة الفترة الماضية، عبر تظاهرات واعتصامات أمام البرلمان في المنطقة الخضراء، معقل الحكومة والبعثات الدبلوماسية الدولية.

لم يكن عقد الجلسة بالأمر اليسير، فقد عُقدت وسط أجواء أمنية غير اعتيادية في بغداد، قطوعات شلّت ااحركة فيها، وتظاهرات صدرية قرب أسوار الخضراء، وقمع أمني لمن حاولوا الوصول لمبنى البرلمان لمنع عقد الجلسة.

في النهاية عقدت الجلسة، لكنها ما أن انتهت حتى تعرض البرلمان لقصف بـ 4 صواريخ نوع “كاتيوشا”، سقطت في باحة البرلمان، أسفرت عن إصابة 4 أشخاص من الأمن العراقي، فضلا عن أضرار لعدة عجلات تابعة للنواب، غير أن المهم هو عقد الجلسة.

نحو تألبف الحكومة؟

ما أسفرته الجلسة، تجديد الثقة لرئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، ورفض استقالته، إضافة إلى انتخاب نائب أول له، ظاهره من المستقلين، باطنه من المقربين إلى “الإطار التنسيقي”، وعبّر الآخير عن بهجته بعقد الجلسة وعودة البرلمان لعمله مجددا.

هل يمكن اعتبار إخفاق جمهور “التيار الصدري” الذي تظاهر أمس، دون توجيهات له من زعيم “التيار” مقتدى الصدر، في منع عقد الجلسة، هو بمثابة تمهيد لعقد جلسة مقبلة لانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة إطارية جديدة؟

واقع الحال يقول نعم، بحسب المحلل السياسي غالب الدعمي، الذي يبين لـ “الحل نت”، أن الحكومة الإطارية قادمة، لكن ولادتها ستكون عسيرة جدا، والولادة المتعسرة قد تؤدي إلى الموت أحيانا.

الدعمي يردف، أن الحكومة ستكون مثلما يريد “الإطار” بقيادة محمد شياع السوداني، وأنها ستتشكل بوقت قريب، وأن الأزمة زائلة لكن بشكل مؤقت، على حد تعبيره؛ لأن “التيار الصدري” لن يقف متفرجا.

وبحسب الدعمي، فإن التوجه الحالي لمقتدى الصدر هو التهدئة وعدم الضغط على “الإطار”، وتركه ينفذ رغبته بتشكيل الحكومة التي يريدها، مع ممارسة الرقابة عليه من خلال التظاهرات المقبلة، مطلع الشهر المقبل.

مهلة من الصدر؟

الصدريون يستعدون مع التشرينيين، بحسب المعطيات، للخروج بتظاهرات كبرى في بغداد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، رفضا لأي حكومة إطارية؛ لأنها ستسلم العراق بحسبهم إلى طهران بشكل كلي، وبالتالي مصير مشابه للدول التي تقودها إيران.

يشير الدعمي، إلى أن الصدر سيتدخل بأول لحظة تفشل الحكومة في أداء مهمتها، خصوصا إن استمر الفساد بكل أنواعه، ومعه ازدياد نفوذ الميليشيات الولائية، حينها سيتدخل لإسقاط الحكومة.

بالمجمل، سيعطي الصدر مهلة 4 أشهر للحكومة المقبلة، فإن نجحت سيتركها تمضي لحين إجراء انتخابات مبكرة بعد عام من تشكيلها، وإن فكّرت الحكومة بالمماطلة وعدم تحديد موعد للانتخابات، فسيتحرك زعيم “الكتلة الصدرية” لإسقاط الحكومة أيضا، وفق الدعمي.

ويختتم المحلل السياسي العراقي، بقوله إن حكومة “الإطار” ستتشكل خلال شهر من الآن، وسينتهي الانسداد السياسي، وبعد 4 أشهر من تشكيل الحكومة، سنلاحظ موقف الصدر بشكل واضح منها، وفق أداء الحكومة.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

مهاجة الميليشيات للصدريين

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

نهاية “إنقاذ وطن”

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.