المتابع للمشهد العراقي، سيجد أن باريس تحركت على بغداد بشكل لافت في آخر عامين، تحديدا منذ وصول مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية، فهل هو دور فرنسي في العراق؟

آخر الأدوار يقوم بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بتحركه نحو معظم قيادات القوى السياسية العراقية، والمطلب واحد، التجديد للكاظمي كرئيس للحكومة العراقية مجددا.

هذا التحرك باتصالات هاتفية لا تنضب، جوبه بانتقاد علني، أمس الثلاثاء، في ملتقى الرافدين للحوار، من قبل زعيم ميليشيا “العصائب”، المنضوي في “الإطار التنسيقي”، قيس الخزعلي، رافضا أي تدخل فرنسي بالشأن العراقي.

يعرف الكاظمي وماكرون بعلاقتهما الوطيدة، حتى أنهما التقيا 3 مرات في السنتين الماضيتين، 2 منهما في شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر 2020، ببغداد وباريس على التتابع.

استثمارات “توتال”

ما الذي تريده فرنسا من تحركها نحو العراق؟ ولماذا يصر ماكرون على التجديد بولاية ثانية للكاظمي؟ وهل ستنجح باريس بلعب دور لها في بغداد؟ أم أنها. ستخفق ولن تنجح؟ أسئلة بحاجة لأجوبة شافية عنها.

المسألة تتعلق بالاستثمارات بالدرجة الأساس، حسب الباحث السياسي، فلاح المشعل، والمطالبة بالتجديد للكاظمي، كونه فتح باب الاستثمار لباريس في بغداد، وهو ما لم يفعله أي رئيس حكومة عراقية قبله.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، وقّعت الحكومة العراقية عبر وزارة النفط، عقدا مع شركة “توتال” الفرنسية، بقيمة 27 مليار دولار، لتنفيذ 4 مشاريع في مجال الغاز والطاقة الكهربائية، جلها بمحافظة البصرة، العاصمة الاقتصادية للعراق.

يواجه العقد مشاكل وعراقيل، بطّأت عملية السير بتنفيذه بيسر وسلاسة، وفق فلاح المشعل، الذي يردف، أن ماكرون يخشى من إمكانية إنهاء العقد في حالة وصول رئيس حكومة عراقية، مقرب من طهران.

يسعى “الإطار التنسيقي”، الموالي لإيران، إلى تشكيل حكومة عراقية جديدة وفق نهج المحاصصة والتوافق بقيادة المرشح، محمد شياع السوداني، المقرب من زعيم “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، الذي يعرفه بكونه رجل طهران في بغداد.

ليس الاستثمارات وحدها فحسب من تشغل باريس وتدفعها للتحرك على الملف العراقي، بل أن فرنسا تريد تسويق نفسها كقوة كبرى في المنطقة، وبداية الطريق تجدها من بغداد تكون بشكل أنسب، خصوصا بعد قمة بغداد العام الماضي، كما يقول المشعل.

ما مساحة باريس؟

نهاية آب/ أغسطس 2021، شهد العراق انعقاد مؤتمر بغداد لدول الجوار والإقليم، حضره رؤساء وأمراء وملوك دول المنطقة، غير أن اللافت هو حضور الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون للمؤتمر وقتئذ.

كان ماكرون هو من خطّط لفكرة المؤتمر وأنضجها مع الكاظمي، حتى باتت أمرا واقعا، ومنذ ذاك شرع ماكرون لتسويق فرنسا بالمنطقة، بعد محاولة سابقة فاشلة، بحسب الباحث السياسي، فلاح المشعل.

تلك المحاولة الفاشلة، تمثلت بتحرك ماكرون نحو لبنان، بعد انفجار مرأ بيروت ومحاولة إعادة تاريخ فرنسا في بلد الأرز، لكن زياراته لبيروت لم تثمر عن شيء، فالخلافات السياسية اللبنانية كانت أقوى من رئيس فرنسا، فعجز وترك الملف، وفق المشعل.

هل ينجح ماكرون بلعب دور فرنسي في العراق؟ لا يعتقد المشعل نجاح ماكرون بذلك، لسبب مهم، هو أنه لا مساحة تاريخية لباريس في بغداد، فالعراق كان منذ القدم من حصة بريطانيا ثم أميركا، بالتالي لا يمكن لفرنسا تجاوز ذلك الواقع.

في النهاية، عودة الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية، إن حصلت فلن تكون نتيجة تأثير فرنسي، بل نتيجة الصفقات بين الكتل السياسية في الداخل العراقي، أو بضغط من قبل بريطانيا أو واشنطن أو طهران، لا غير، بحسب المشعل.

إن عاد الكاظمي، فإن ملف الاستثمارات الفرنسية عبر شركة “توتتال” سيمر دون عراقيل، وإن لم يعد ووصل أي مرشح من خانة “الإطار التنسيقي”، فإنه لا شيء مضمون، الأمر متروك للوقت ولشكل حكومة العراق المقبلة، يقول المشعل مختتما.

مسعى “الإطار”

“الإطار التنسيقي” يسعى لتشكيل حكومة محاصصاتية بأسرع وقت، فيما يستعد الصدريون مع التشرينيين، بحسب المعطيات، للخروج بتظاهرات في بغداد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، رفضا لأي حكومة إطارية؛ لأنها ستسلم العراق بحسبهم إلى طهران بشكل كلي، وبالتالي مصير مشابه للدول التي تقودها إيران.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

فشل مشروع الصدر

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.