يوم طويل متخم بالأحداث الأمنية والسياسية، شهده العراق، الأربعاء، بدأ منذ منتصف الليل واستمر حتى العصر، وهنا سنستعرض كل ما حدث بشكل تفصيلي، والبداية ستكون أمنية.

عند ساعات الصباح وحتى الظهر، قصف “الحرس الثوري” الإيراني، مناطق في إقليم كردستان العراق، في انتهاك سافر للسيادة العراقية، أوقع 33 شخصا بين قتيل وجريح، بينهم أطفال.

إدانة أممية واستدعاء للسفير

حسب بيان لـ “الحرس الثوري”، فإنه بدأ بعمليات عسكرية ضد الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة الموجودة في جبال إقليم كردستان، فقصف أربيل والسليمانية بـ 20 طائرة مسيّرة مفخّخة و6 صواريخ أرض-أرض.

القصف الإيراني، حصل على منطقتي كويسنجق في أربيل وسيدكان في السليمانية، واستُهدفت مواقع لحزب “حدكا” الكردي الإيراني المعارض، جراء القصف.

القصف أسفر عن مقتل 9 أشخاص، بينهم أطفال إيان عودتهم من المدارس، وإصابة 24 شخصا، فيما استنفرت المستشفيات بأقليم كردستان لاستقبال الجرحى.

الخارجية العراقية، استنكرت القصف في بيان رسمي لها، اليوم الأربعاء، وأكدت أنه سيتم استدعاء السفير الإيراني في بغداد بشكل عاجل، لتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة.

من جهتها، أصدرت بعثة الأمم المتحدة لدى العراق، “يونامي” بيانا غاضبا، قالت فيه: “يرفض العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، فكرة أنه يمكن معاملته على أنه (الفناء الخلفي) للمنطقة، حيث ينتهك سيادته الجوار بشكل روتيني ومن دون عقاب. دبلوماسية الصواريخ عمل طائش له عواقب وخيمة. ويجب أن تتوقف هذه الهجمات على الفور”.

بدورها، دانت حكومة إقليم كردستان العراق، الأربعاء، القصف والانتهاك الإيراني لسيادة الإقليم، وقالت إنه موقف غير صحيح، ويجب أن تتوقف تلك الاعتداءات المستمرة.

في بغداد، شهدت العاصمة العراقية، منذ وقت متأخر من الليل وحتى ظهر اليوم، إجراءات أمنية غير اعتيادية، تمثلت بقطع كل الجسور التي تربط جانب الرصافة بالمنطقة الخضراء، معقل البرلمان والحكومة العراقية والبعثات الدبلوماسية، وغلق ساحة التحرير وسط العاصمة.

تظاهرات وجلسة برلمانية

الإجراءات الأمنية تسببت بشل الحركة المرورية صباح اليوم في بغداد، وتأخر العديد من الموظفين والطلبة عن الوصول لأماكن دوامهم بالوقت المطلوب، فيما لم يصل بعضهم أصلا نتيجة الاختناقات المرورية.

حصلت تلك الإجراءات، بعد تحشيدات لجمهور “التيار الصدري”، انطلقت ليلة أمس الثلاثاء، للخروج بتظاهرات في ساحة التحرير واقتحام المنطقة الخضراء، رفضا لعقد جلسة البرلمان، اليوم الأربعاء.

صباح وظهر اليوم، شهدت ساحة التحرير تظاهرات للجمهور الصدري وحاولوا عبور جسر الجمهورية نحو الخضراء، غير أن القوات الأمنية نصبت الحواجز الإسمنتية على الجسر وواجهت المتظاهرين بقمع مفرط ومنعتهم من العبور.

بالتزامن مع تلك الأحداث، نجح البرلمان بعقد جلسه وسط تشديد أمني للمنطقة الخضراء، وأسفرت الجلسة عن التصويت على رفض استقالة رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، التي قدّمها أول أمس الاثنين، وتجديد الثقة له.

الجلسة البرلمانية شهدت أيضا، التصويت على انتخاب البرلماني المستقل، محسن المندلاوي، نائبا أول لرئيس مجلس النواب، بحصوله على 240 صوتا، فيما كان الحلبوسي قد حصل على تجديد الثقة بـ 222 صوتا.

بعد ذلك، تعرض محيط البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء، إلى قصف بـ 3 صواريخ نوع “كاتيوشا”، أسفرت عن إصابة ضابط و3 عناصر من القوات الأمنية، دون معرفة الجهة التي تقف خلف القصف.

لا عودة للنواب الصدريين

من جهة ثانية، ردت “المحكمة الاتحادية العليا”، اليوم الأربعاء، دعوى الطعن بعدم قانونية استقالة نواب “التيار الصدري”، وذلك لعدم توفر المصلحة العامة من المدعين، بحسب بيان مقتضب للمحكمة.

وكان المحامي ضياء الدين جبر، رفع دعوى طعن بقانونية استقالة نواب “التيار الصدري”، لكن قرار رفضها جاء، نتيجة عدم تقدم الجهة المعنية، وهي “الكتلة الصدرية” بالدعوى، ولو تقدم “التيار” بالدعوى، كونه الطرف المعني، لصذر القرار بعودتهم للبرلمان.

في غضون ذلك، لا يزال المتظاهرون من أتباع “التيار الصدري” يتظاهرون في ساحة التحرير، وسط معلومات عن عدم تراجعهم واستمرارهم في البقاء بالساحة، خصوصا مع اقتراب موعد التظاهرات الصدرية-التشرينية المرتقبة، السبت المقبل.

ويسعى “الإطار التنسيقي” لتشكيل حكومة محاصصاتية بأسرع وقت، فيما يستعد الصدريون مع التشرينيين، بحسب المعطيات، للخروج بتظاهرات كبرى في بغداد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، رفضا لأي حكومة إطارية؛ لأنها ستسلم العراق بحسبهم إلى طهران بشكل كلي، وبالتالي مصير مشابه للدول التي تقودها إيران.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

انسداد مزمن

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.