إن عدد سكان الصين في طريقه إلى الانخفاض لأول مرة منذ المجاعة الكبرى بين الأعوام 1959 إلى 1961. في حين انخفض معدل الخصوبة الإجمالي في البلاد من 2.6 في أواخر الثمانينيات إلى 1.15 فقط في عام 2021، وهذا أعلى بكثير من 2.1 اللازم لتعويض الوفيات.  

يتوقع الباحثون أن السكان المسنين في الصين سيتجاوزون السكان في سن العمل بحلول عام 2080. 

سيؤدي الانخفاض في عدد الأشخاص في سن العمل إلى انخفاض النمو الاقتصادي بشكل كبير وارتفاع تكاليف العمالة، حيث سيتحول السكان إلى رعاية كبار السن، وفق ما أفاد به تقرير لمجلة “فوربس” وترجمه موقع “الحل نت”.
 

أكبر دولة في العالم على وشك الانكماش 

تمثل الصين أكثر من سدس سكان العالم. ومع ذلك، بعد أربعة عقود غير عادية تضخم فيها عدد سكان الصين من 660 مليون إلى 1.4 مليار، فإن سكانها في طريقهم للانخفاض هذا العام، لأول مرة منذ المجاعة الكبرى في الأعوام 1959-1961. 

ووفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن “المكتب الوطني للإحصاء” في الصين، فقد نما عدد سكان الصين من 1.41212 مليار إلى 1.41260 مليار فقط في عام 2021، وهي زيادة قياسية منخفضة بلغت 480 ألفا فقط، وهذا مجرد جزء بسيط من النمو السنوي البالغ ثمانية ملايين أو ما يقرب من ذلك منذ عقد من الزمان. 

وفي حين أن الإحجام عن إنجاب الأطفال في مواجهة الإجراءات الصارمة لمكافحة جائحة “كورونا” قد يكون قد ساهم في تباطؤ المواليد، إلا أنه يعود إلى سنوات سابقة للجائحة. فقد بلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الصين 2.6 في أواخر الثمانينيات، وهذا أعلى بكثير من 2.1 اللازم لتعويض الوفيات. وكان بين 1.6 و1.7 منذ عام 1994، وانخفض إلى 1.3 في عام 2020، ثم إلى 1.15 فقط في عام 2021. 

وعلى سبيل المقارنة، يبلغ معدل الخصوبة الإجمالي في أستراليا والولايات المتحدة 1.6 ولادة لكل امرأة. وفي اليابان، بلاد الشيخوخة، تبلغ 1.3. 

وقد حدث هذا على الرغم من تخلي الصين عن سياسة الطفل الواحد في عام 2016، واعتماد سياسة الأطفال الثلاثة، المدعومة بالضرائب والحوافز الأخرى، العام الماضي.
 

وتختلف النظريات حول سبب استمرار تردد النساء الصينيات في إنجاب الأطفال في مواجهة حوافز الدولة. وإحدى هذه النظريات تنطوي على التعود على الأسر الصغيرة، والأخرى تنطوي على ارتفاع تكاليف المعيشة، بينما تنطوي نظرية ثالثة على ارتفاع سن الزواج، مما يؤخر المواليد ويثبط الرغبة في الإنجاب. 


وبالإضافة إلى ذلك، يوجد في الصين عدد أقل من النساء في سن الإنجاب مما هو متوقع. ويقتصر الأمر على إنجاب طفل واحد فقط منذ عام 1980، ثم اختار العديد من الأزواج الإنجاب، ورفع نسبة الجنس عند الولادة من 106 أولاد لكل 100 فتاة إلى 120، وفي بعض المقاطعات إلى 130. 

وقد تقلص عدد سكان الصين بناء على افتراضات معقولة، حيث نما إجمالي عدد سكان الصين بانخفاض ما بعد المجاعة إلى 0.34 فقط في 1000 في العام الماضي.

وتشير التوقعات، التي أعدها فريق في أكاديمية “شنغهاي للعلوم الاجتماعية”، إلى انخفاضها هذا العام، لأول مرة بعد المجاعة، بمقدار 0.49 في الألف. وقد جاءت نقطة التحول قبل عقد مما كان متوقعا. ففي الآونة الأخيرة، في عام 2019، توقعت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن يصل عدد السكان إلى الذروة في عام 2029، عند 1.44 مليار. 

كذلك توقع تقرير التوقعات السكانية للأمم المتحدة لعام 2019 أن تبلغ الذروة في الصين في وقت لاحق، في 2031-2032، عند 1.46 مليار. ويتوقع فريق أكاديمية “شنغهاي للعلوم الاجتماعية” انخفاضا متوسطا سنويا بنسبة 1.1 بالمئة بعد عام 2021، مما سيؤدي إلى انخفاض عدد سكان الصين إلى 587 مليونا في عام 2100، أي أقل من نصف ما هو عليه اليوم. 

والافتراضات المعقولة وراء هذا التوقع هي أن معدل الخصوبة الإجمالي في الصين سينخفض من 1.15 إلى 1.1 بين الآن و2030، وسيقف هناك حتى عام 2100. 

وسيكون للانخفاض السريع في عدد سكان الصين تأثير عميق على اقتصاد البلاد. فقد بلغ عدد السكان في سن العمل في الصين ذروته في عام 2014، ومن المتوقع أن يتقلص إلى أقل من ثلث تلك الذروة بحلول عام 2100. ومن المتوقع أن يستمر عدد السكان المسنين في الصين (الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما وما فوق) في الارتفاع لمعظم ذلك الوقت، ليتجاوز عدد السكان في سن العمل في الصين بحلول عام 2080. 

الكثير من المسنين والقليل من الشباب 

وهذا يعني أنه في حين أن هناك حاليا 100 شخص في سن العمل متاحين لدعم كل 20 شخص مسن، فإنه بحلول عام 2100، سيتعين على 100 صيني في سن العمل إعالة ما يصل إلى 120 صينيا من كبار السن. 

فمتوسط الانخفاض السنوي البالغ 1.73 بالمئة في عدد السكان في سن العمل في الصين يمهد الطريق لنمو اقتصادي أقل بكثير، ما لم تتقدم الإنتاجية بسرعة. ومن المقرر أن تدفع تكاليف العمالة المرتفعة، مدفوعة بالتقلص السريع للقوى العاملة، الصناعات التحويلية ذات الهامش المنخفض، والتي تتطلب عمالة كثيفة، الانتقال من الصين إلى بلدان وفيرة في العمالة مثل فيتنام وبنغلاديش والهند. وبالفعل تكاليف العمالة في الصين هي ضعف ارتفاعها في فيتنام اليوم. 

رعاية أكثر وتصنيع أقل 

في الوقت نفسه، سيطلب من الصين توجيه المزيد من مواردها الإنتاجية لتوفير الخدمات الصحية والطبية ورعاية المسنين لتلبية مطالب السكان المسنين بشكل متزايد.

وتشير النماذج التي أجراها مركز “دراسات السياسة” في جامعة “فيكتوريا” إلى أنه بدون تغييرات في نظام المعاشات التقاعدية في الصين، فإن مدفوعات المعاشات التقاعدية ستزداد بمقدار خمسة أضعاف، من 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2100.
 

وبالنسبة للدول المصدرة للموارد مثل أستراليا، من المرجح أن تتطلب هذه التغييرات إعادة توجيه الصادرات نحو الشركات المصنعة خارج الصين. وكذلك بالنسبة لمستوردي السلع، بما في ذلك الولايات المتحدة، فمن المقرر أن يتحول مصدر السلع تدريجيا نحو مراكز التصنيع الجديدة والناشئة. 

وعلى الرغم من التوقعات بأن هذا سيكون “القرن الصيني”، تشير التوقعات السكانية في الصين إلى أن التأثير قد ينتقل إلى مكان آخر، بما في ذلك الهند الجارة، التي من المتوقع أن يتجاوز عدد سكانها سكان الصين خلال العقد القادم. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.