منذ تولي حركة “طالبان”، السلطة في أفغانستان في آب/أغسطس 2021، صعّد تنظيم “داعش – خراسان”، عملياته لا سيما مع رفض طالبان استراتيجية “داعش” الخاصة بتنفيذ هجمات ضد المصالح الأجنبية داخل أفغانستان، واتخاذ أراضيها قاعدة لشن هجمات على دول الجوار.

وأعلن “داعش” مسؤوليته عن 224 هجوما منذ ذلك التاريخ، استهدف معظمها حركة “طالبان”، حسب موقع “سايت”، الذي يرصد الجماعات المتطرفة، كما استهدفت الهجمات أقليات “الهزارة” في أفغانستان. وقد أسفرت التفجيرات الانتحارية في كابول والعاصمة والمدن الهامة مثل قندوز في الشمال وقندهار في قلب طالبان الجنوبي، عن مقتل 90 شخصا على الأقل، وإصابة مئات آخرين خلال عدة أسابيع فقط.

وضع هذا الأمر “طالبان” في وضع غير مستقر، فبعد قضاء 20 عاما في القتال كتمرد، تجد الجماعة نفسها تحاول جاهدة توفير الأمن والوفاء بالتزامها الواضح بالقانون والنظام. وقد ثبُت أن هذا يشكل تحديا خاصا لطالبان في محاولتها الدفاع عن نفسها وعن المدنيين في المدن المزدحمة ضد الهجمات شبه اليومية التي يشنّها التنظيم الذي تم تدريبه لحرب العصابات في الأرياف، فهل باتت “طالبان” بموقف حرج؟

الإرهاب يتصاعد في أفغانستان

في أعقاب الانسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة حكم “طالبان”، تواجه الولايات المتحدة خصوصا والمجتمع الدولي عموما الآن تهديدا إرهابيا متجددا. ومع ازدياد قوة كل من تنظيمي “القاعدة”، و”داعش” فرع خراسان، يمكن أن يشكل تهديدا كبيرا خارج أفغانستان، فوفقا لتقديرات الحكومة الأميركية الأخيرة، والتقييم الأخير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، “تتمتع الجماعات الإرهابية بحرية أكبر في أفغانستان أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث”.

في وقت لاحق من شهر أيلول/سبتمبر 2021، حذّرت وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم من أن حكم “طالبان” في أفغانستان، يعيد تشكيل الجماعات الإرهابية والمتشددة بشكل جذري في جنوب آسيا وحول العالم.

على وجه التحديد، يقول مسؤولو الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، إنه على الرغم من وعود “طالبان”، بقطع العلاقات مع “القاعدة” ومعارضة الجماعات الإرهابية مثل فرع “داعش” في أفغانستان، كما هو مقنن في اتفاقية الدوحة لعام 2020، مع الولايات المتحدة، لم يكن هناك سوى إشارات ضئيلة على إحراز تقدم.

الجنرال في القيادة المركزية الأميركية، كينيث ماكنزي، قال للمشرّعين في واشنطن في 15 آذار/مارس الفائت، “تحاول طالبان مواصلة الضغط لإنهاء تنظيم “داعش” لكنهم يجدون صعوبة في القيام بذلك”.

طبقا لما ذكرته “وول ستريت جورنال”، فإن هناك عاملان مسؤولان عن التهديد الإرهابي المتزايد في أفغانستان. أولا، تتمتع حكومة “طالبان” بصلات وثيقة مع العديد من الجماعات الإرهابية، بما في ذلك “القاعدة”، وقد سمحت لهم بإعادة بناء وإعادة إنشاء معسكرات التدريب في البلاد.

ثانيا، أفغانستان دولة ضعيفة وفاشلة، وهي شرط أساسي لملاذ إرهابي. إذ لا تسيطر “طالبان” على القانون والنظام خارج معظم المدن. بالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن حكومة “طالبان” من إنشاء الخدمات الأساسية، وانكمش الاقتصاد الأفغاني بنسبة 40 بالمئة، على الأقل منذ انسحاب الولايات المتحدة. ويمكن أن يصل معدل الفقر إلى 97 بالمئة، من السكان بحلول منتصف هذا العام.

الأقليات باب للتوسع

التفجير الانتحاري الذي استهدف مركزا تعليميا في أفغانستان، الجمعة الفائت، رفع درجة إحراج حكومة حركة “طالبان”، داخليا أمام خصومها من الحركات المعارضة والجماعات الإرهابية، وخارجيا أمام الجهات التي تتهمها بعدم القدرة على حفظ الأمن، خصوصا بعد أن ارتفعت حصيلة القتلى جراء تفجير مركز “كاج” في كابل، إلى 35 شخصا، كما ما أفادت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان.

ووفق باحثينَ أفغان تحدثوا لموقع “سكاي نيوز عربية”، فإن تكثيف الجماعات الإرهابية، خاصة “داعش-خراسان”، الهجمات ضد المواطنين ومصالح أجنبية، يدخل في إطار هدف “داعش” إزاحة “طالبان” عن أفغانستان، ما يضعها في موقِف محرَج أمام المجتمع الدولي الذي تعهدت أمامه بالحفاظ على أمن البلاد والدول المحيطة والمجتمع الدولي ككل.

قفزت أفغانستان إلى قمة قائمة مراقبة الطوارئ لعام 2022 الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية، حيث تقترب من انهيار جميع الخدمات الأساسية تقريبا. إن الجمع بين الدولة الضعيفة والاقتصاد المنهار، يمنح الجماعات الإرهابية حرية نسبية للعمل ضمنها ويوفر مجموعة من المجندين المحتملين، ومع تفاقم مشكلة الإرهاب، يحتاج المجتمع الدولي إلى تصميم وتنفيذ استراتيجية أكثر فاعلية لمكافحة الإرهاب للتخفيف من هذا التهديد.

الفرع الأفغاني لتنظيم “داعش” أو ما يدعى بـ”داعش خراسان”، هو عدو لدود لكل من “طالبان” و”القاعدة”، التي تربطها علاقات عميقة وطويلة الأمد مع قيادة “طالبان”. لكن تنظيم “داعش” في خراسان، هو أيضا أحد الجماعات التي استفادت أكثر من غيرها من سيطرة “طالبان” وخصوصا في تنفيذ هجمات على مناطق الأقليات وخصوصا “الهزارة”، لبسط نفوذ أكبر.

عندما أكدت قوات “طالبان” سيطرتها على أفغانستان، أفرغت العديد من سجون البلاد، بما في ذلك سجن “باروان”، في قاعدة باغرام الجوية، والتي كانت تحتجز المئات من مقاتلي تنظيم “داعش”، في خراسان، أعدم قادة “طالبان” بسرعة الزعيم السابق لداعش في خراسان أبو عمر خراساني، لكن سُمح للعديد من أتباع التنظيم الآخرين بالفرار.

في ذلك الوقت، قال مسؤولون عسكريون أميركيون، إن الإفراج عن السجون ساعد في تضخم صفوف التنظيم من عدة مئات إلى ما لا يقل عن 2000 مقاتل “متشدد”. الذي بادر إلى فرض نفسه عبر تفجير 26 آب/أغسطس 2021، في مطار كابول الذي أسفر عن مقتل 13 أميركيا، وأكثر من 170 أفغانيا.

تشير المعلومات الاستخباراتية وفقا لموقع “صوت أميركا”، التي تشاركها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى أنه منذ ذلك الحين، تضاعف حجم تنظيم “داعش” في خراسان تقريبا، إلى حوالي 4000 مقاتل، نصفهم قد يكون من خارج أفغانستان. فيما تشير نفس التقديرات الاستخباراتية إلى أن الجماعة، التي فقدت كل الأراضي الواقعة تحت سيطرتها في أوائل عام 2020، “تسيطر الآن على مناطق محدودة في شرق أفغانستان”، وأنها “قادرة على شن هجمات كبيرة ومعقدة”.

منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قالت أيلول/سبتمبر الفائت، إن تنظيم “داعش – خراسان”، هاجم بشكل متكرر “الهزارة” وغيرهم من الأقليات الدينية في مساجدهم ومدارسهم وأماكن عملهم. في حين لم تفعل سلطات “طالبان”، الكثير لحماية هذه المجتمعات من التفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات غير القانونية أو لتوفير الرعاية الطبية اللازمة، وغيرها من المساعدات للضحايا وعائلاتهم.

“طالبان” في موقف حرج

تصاعد الهجمات أثار قلقا متزايدا بين المسؤولين الغربيين، حيث توقع البعض أن تنظيم “داعش خراسان”، الذي غالبا ما يُعتبر تهديدا إقليميا، يمكن أن يكتسب القدرة على ضرب أهداف دولية في غضون ستة أشهر إلى 12 شهرا.

وفي الأسبوع الماضي، قال وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات، كولين كال، للمشرّعين في البيت الأبيض، إن قدرة “طالبان”، على ملاحقة التنظيم محدودة.

تؤكد تقارير كال، على القلق الأساسي لمجتمعات الاستخبارات الغربية، حيث لا توجد وسيلة كافية لقياس فعالية “طالبان” ضد التنظيم، فحركة طالبان، التي رفضت التعاون مع الولايات المتحدة في مواجهة التنظيم، تخوض بدلا من ذلك الحرب وفقا لشروطها الخاصة، من خلال تكتيكات واستراتيجيات، تبدو أكثر محلية من حملة حكومية ضد منظمة إرهابية.

من جهته، يرى كولن بي كلارك، محلل مكافحة الإرهاب في مجموعة “صوفان”، وهي شركة استشارات أمنية مقرها نيويورك، في حديثه مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن مقاتلو “طالبان” أصبحوا معتادين على القتال كمتمردين، حيث يعتمدون على مجموعة من الهجمات لاستهداف التنظيم، وهذا يضع الحركة ومقاتلوها في موقف حرج.

في تشرين الأول/أكتوبر 2021، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية في “طالبان”، سعيد خوستي، إنهم سيضمنون الأمن للأقليات الدينية: “بصفتنا حكومة مسؤولة، نحن مسؤولون عن حماية جميع مواطني أفغانستان، وخاصة الأقليات الدينية في البلاد”. ومع ذلك، لا يبدو أن طالبان وفّرت مزيدا من الأمن في مقاطعات كابول ومزار الشريف وقندوز، حيث قتلت الهجمات مئات الأشخاص منذ كانون الثاني/يناير 2022.

الباحث السياسي، عبيد الله بهير، المحاضر السابق بالجامعة الأميركية بأفغانستان، لفت في حديثه لموقع “سكاي نيوز”، أمس الأحد، إلى أن “داعش- خراسان”، تتعدى الأهداف التقليدية للحركات الإرهابية، إلى ما وصفها بـ”السيطرة التنافسية”؛ أي تعمد إظهار طالبان في موقف الضعيفة أمامه والعاجزة عن السيطرة.

ويتفق الباحث السياسي فضل القاهر قاضي مع بهير، قائلا إن “داعش- خراسان” يسعى إلى إحراج طالبان داخليا وخارجيا، بالتشكيك في قدرتها على تحجيم التنظيم، وهو ما بدأ يثمر بخروج المطالبات الدولية بالتحقيق في الانتهاكات ضد “الأقليات”.

ويصف قاضي قدرة “داعش خراسان”، على تحقيق هذه النتيجة بـ”الاختراق الأمني الكبير” للمنظومة الأمنية، مستدلا بقدرته على تفجير المساجد، واستهداف رجال دين مقربين من طالبان في هرات وكابل.

يعود تأسيس “داعش خراسان” بأفغانستان إلى عام 2015، كفرع لتنظيم “داعش”، الذي ظهر عام 2014 في سوريا والعراق، وجعل من جنوب آسيا وآسيا الوسطى نطاقا لعملياته، وعلى عكس “طالبان” التي تعتمد على الأفغان في تكوينها، يتكون داعش من عدة جنسيات.

استهدفت عمليات التنظيم في خراسان، القوات الأفغانية والأميركية، والباكستانية، وطالبان، والمدنيين. حيث يتبادل التنظيم مع طالبان العداء، إذ يعتبرها التنظيم تنظيما دخيلا يهدف إلى ابتلاع أفغانستان، و”داعش” يعتبر طالبان عقبة في تحقيق هذا الهدف.

إن عدم القيام بأي شيء، والأمل في أن تصبح “طالبان” أكثر فاعلية، يمثل مشكلة كبيرة للمجتمع المحلي في أفغانستان من جهة وللمجتمع الدولي من جهة أخرى، خصوصا وأنه من غير المرجح أن تستطيع “طالبان”، إضعاف “داعش” في خراسان بشكل كبير بعد توسعه الكبير، ولا سيما أنها ترفض مساعدة الولايات المتحدة، في ظل افتقارها إلى القدرات والسيطرة على الأراضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة