منذ أن أطلقت الصين مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، لتوسيع نفوذها الاقتصادي في آسيا وإفريقيا، تراكمت الديون الصينية لعشرات الدول في القارتين، ومع بدء الأزمة الاقتصادية منذ عامين، مع انخفاض توقعات النمو الاقتصادي، يبدو أن مئات ملايين الدولارات الصينية مهددة بالضياع، وسط عجز الدول عن سداد الديون.

أسباب التهديدات

تُعد مبادرة “الحزام والطريق”، من أبرز أسباب تهديد أموال الصين بالضياع، بعدما أصبحت الحكومة الصينية أكبر دائن حكومي في العالم للدول النامية، ما دفعها للجوء إلى صندوق النقد الدولي فيما يبدو أنه محاولة ضمان حصولها على أموالها أو جزء منها.

تتنوع القروض الصينية المقدَّمة لنحو 150 دولة في آسيا وإفريقيا، بين قروض مقدمة من الحكومة الصينية وأخرى من البنوك الصينية، وبعضها مقدم للحكومات وأخرى مقدمة لشركات تابعة للحكومة، ولكن ميزانيتها لا تظهر في ميزانيات الحكومات.

ورغم أن الرقم النهائي لحجم القروض غير معروف، إلا أن وزارة الخارجية الصينية، تؤكد أن البلاد قدمت خلال العقد الماضي نحو تريليون دولار، في شكل قروض واستثمارات ومنح وأموال أخرى لمشروعات التنمية لدول، مثل الإكوادور وأنغولا.

نحو 110 مليارات دولار أميركي، قيمة الديون لأفقر 68 دولة في العالم، للمقرضين الصينيين، وذلك حسب تقديرات مركز التمويل والتنمية الأخضر في جامعة فودان في شنغهاي، حتى نهاية 2020.

ينقل موقع “عربي بوست”، عن خبراء في الاقتصاد والديون الدولية، قولهم إن: “ما يقرب من 60 بالمئة، من قروض الصين الخارجية مملوكة الآن لبلدان تعتبر في ضائقة مالية، مقارنة مع 5 بالمئة، في عام 2010″، ذلك ما يزيد من التهديد بضياع الأموال الصينية.

مرحلة حساسة

هذه التهديدات الاقتصادية، دفعت الصين إلى إعادة النظر بمبادرة “الحزام والطريق“، حيث أقرّ الرئيس الصيني شي جين بينغ، العام الماضي، أن: “مشروع الحزام والطريق دخل مرحلة حساسة تجبره على التعامل مع مجموعة من القضايا “المتزايدة التعقيد“.

وتتجه الصين إلى تنفيذ مبادرة، من شأنها إعادة جدولة ديون دولة زامبيا، وهي واحدة من الدول المقترضة من الصين، في حين يتوقع خبراء أن تنفّذ هذه المبادرة، مع الدول الأخرى المَدينة لبكين.

قد يهمك: تدهور العلاقات الصينية اليابانية.. الأسباب والنتائج

ونتيجة لضغوط الديون المتراكمة، وافقت بكين أواخر عام 2020، على التوقيع على الإطار المشترك، وهو جهد دولي لتخفيف الديون أقرّته مجموعة العشرين يساعد في تنسيق مفاوضات الديون بين الدائنين.

صرّحت المصادر بأن ما دفع الصين إلى الموافقة على التوقيع، هو الاعتقاد أن المقرضين الصينيين سيكونون في وضع أفضل للدفاع عن مصالحهم إذا كانوا ينسقون مع دائنين آخرين، وذلك بسبب تعرضهم لاتهامات داخلية تتعلق بتضييع أموال البلاد.

تقرير لموقع “العربي بوست”، قال إن: “الأمر لا يزال يواجه بعض العقبات، منها المتعلق بسياسات داخلية في الصين، مثل تنافس الوزارات وقوة البنوك، ومنها المتعلق بسياسات خارجية، مثل علاقة الصين المتوترة مع الغرب، وقد أدى ذلك إلى بعض التأخير في تخفيف الديون“.

“على سبيل المثال، المسؤولون الماليون في بكين، غاية همهم الحرص على عدم اتهامهم بإهدار المال العام عبر توزيع قروض الصين بشكل غير سليم، أما وزارة الخارجية الصينية، التي يعنيها الحفاظ على صورة البلاد في الخارج والمخاوف من تضررها، فتميل أكثر إلى إعادة هيكلة الديون“.

وظهرت مؤخرا، السياسة الاعتباطية في منح الديون من قِبل المقرضين في الصين، لا سيما فيما يخص مسألة زامبيا، حيث أظهرت أحدث التقارير أن التنسيق والتنظيم، كانا غائبين بين المؤسسات والشركات الصينية، خلال منح القروض لإقامة مشاريع البنى التحتية، في إطار مبادرة “الحزام والطريق“.

وبيّنت معلومات مشاريع زامبيا، أن 18 مصرفا وشركة صينية مختلفة قدمت قروضا لمشروعات في زامبيا. ويبدو أن تلك البنوك والشركات لم تُحسن التواصل لتنظيم عمليات الإقراض فيما بينها، ولا يبدو أن أحدا في بكين يعنى بتنسيق الأمور في هذا الشأن، بحسب ما تقول الباحثة الأميركية ديبورا بروتيغام.

أضاف بروتيغام، أن: “انتشار الشركات المقرِضة نشأت عنه مشكلة عويصة من مشاعية القروض، فكل شركة ومصرف تبحث بمفردها عن زيادة أرباحها، وتموِّل المشروعات دون الاعتناء بالنظر في مسألة قدرة المقترضين على تحمّل هذه الديون، وديون المقرضين الآخرين، ومدى القدرة على السداد“.

أموال الديون للانتخابات

ومما يزيد الملف تعقيدا، استخدام بعض الدول المقترضة للأموال الديون لأغراض انتخابية، ما يعني أن هذه الأموال قد ذهبت دون رجعة، بسبب عدم توجيهها لمشاريع البنى التحتية، التي قد تؤدي إلى عائدات مالية تمكّن الدول المقترضة من سداد الديون لاحقا.

ويشير تقرير الموقع، إلى أن حكومة زامبيا، أقامت مشروعات جديدة لحشد التأييد لها في سنوات الانتخابات، وكانت غايتها زيادة أصوات مؤيديها في أقرب وقت، بدلا من تمويل المشروعات التي قد تعود عليها بأرباح مالية مضمونة على المدى الطويل.

وعادة الدول المقترضة، هي من تحدد المشروعات التي يتم توجيه الأموال إليها، فقد صمّم المسؤولون الأفارقة مشروع “ميناء لامو” في كينيا، وممر النقل بين جنوب السودان وإثيوبيا في شرق إفريقيا قبل زمن طويل من إعلان الصين عن مبادرتها العالمية.

وتسعى الصين حاليا إلى جدولة ديونها، في حين يؤكد خبراء في الاقتصاد الدولي، أن ذلك سيستدعي مزيدا من التدقيق من قِبل صندوق النقد الدولي، لا سيما أن الصندوق اشتد نشاطه في الآونة الأخيرة، فأعلن عن برامج لإقراض باكستان 3.5 مليار دولار، وسريلانكا 2.9 مليار دولار، وزامبيا 1.3 مليار دولار، فضلا عن المحادثات الجارية مع مصر وغانا، بشأن تمويل طارئ لهما.

وتتمثل السياسة التداخلية لصندوق النقد الدولي في قضية الصين، بدراسة قدرة دول الاقتراض على الوفاء بديونها، وإذا لم تكن كذلك، فسيتعين عليها بذل المساعي لإعادة هيكلة نظامها المالي، وستكون مبادرة “الإطار المشترك”، هي السبيل المعني بتنظيم ذلك.

كذلك يجري صندوق النقد الدولي فحصا لقدرة هذه الدول على تحمّل الديون والوفاء بها، وهو الفحص الذي يستخدمه الدائنون الحكوميون والدائنون غير الحكوميين، (مثل المصارف والبنوك الخاصة وحاملي الأسهم) دليلا لمقدار الإعفاء الذي ينبغي توفيره.

وتتعرض الصين لاتهامات بممارسة ما يعرف بـ“دبلوماسية فخ الديون“، وهي طريقة تتبعها لبسط نفوذها عبر إغراء البلدان الهشة اقتصاديا لاقتراض الأموال، في شكل مشاريع طموحة وكبرى تكلفتها ضخمة، بما يصعّب على تلك الدول سدادها.

تقول التقارير إن نحو 3000 مشروع حاليا تشرف عليه الصين في إطار مبادرة “الحزام والطريق“، وهي محاولة يؤكد خبراء أنها لتوسيع النفوذ الاقتصادي لبكين، مستغلة فقر دول في آسيا وإفريقيا.

وترجح وكالة “بلومبرغ” الأميركية، أن معدل النمو الاقتصادي الصيني قد ينخفض إلى الحد الأدنى له منذ أكثر من 40 عاما بحلول نهاية عام 2022، أما على مستوى الإنتاج فتقول الوكالة الأميركية إنه بحلول نهاية العام الحالي ستحقّق الصين ارتفاعا بنسبة 3.5 بالمئة، فقط بدلا من 5.5 بالمئة، التي أعلنتها الحكومة قبل أشهر.

وتقول أرقام بنك التنمية الآسيوي، إنه بدلا من تحقيق الصين إجمالي نمو للناتج المحلي بنسبة 5 بالمئة، لعام 2022 و4.8 بالمئة، لعام 2023 كما كان متوقعا، ستحقق بكين نموا بـ3.3 بالمئة، لسنة 2022 و4.5 بالمئة لسنة 2023.

ويبدو أن مبادرة “الحزام والطريق“، فضلا عن السياسات الفاشلة للديون في الصين، ستؤدي ربما إلى أزمة ضياع الأموال الصينية، في ذمة الدول المدينة، لا سيما مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، وعدم قدرة هذه الدول على السداد.

ما يزيد الوضع الاقتصادي تعقيدا في الصين، هو عدد سكان الصين الذي هو في طريقه إلى الانخفاض لأول مرة منذ المجاعة الكبرى بين الأعوام 1959 إلى 1961. في وقت انخفض معدل الخصوبة الإجمالي في البلاد من 2.6 في أواخر الثمانينيات إلى 1.15 فقط في عام 2021، وهذا أعلى بكثير من 2.1 اللازم لتعويض الوفيات.

يتوقع الباحثون أن السكان المسنّين في الصين سيتجاوزون السكان في سن العمل بحلول عام 2080.

سيؤدي الانخفاض في عدد الأشخاص في سن العمل إلى انخفاض النمو الاقتصادي بشكل كبير وارتفاع تكاليف العمالة، حيث سيتحول السكان إلى رعاية كبار السن، وفق ما أفاد به تقرير لمجلة “فوربس” وترجمه موقع “الحل نت“.

 أكبر دولة في العالم على وشك الانكماش

تمثل الصين أكثر من سدس سكان العالم. ومع ذلك، بعد أربعة عقود غير عادية تضخم فيها عدد سكان الصين من 660 مليون إلى 1.4 مليار، فإن سكانها في طريقهم للانخفاض هذا العام، لأول مرة منذ المجاعة الكبرى في الأعوام 1959-1961.

ووفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن “المكتب الوطني للإحصاء”، في الصين، فقد نما عدد سكان الصين من 1.41212 مليار إلى 1.41260 مليار فقط في عام 2021، وهي زيادة قياسية منخفضة بلغت 480 ألفا فقط، وهذا مجرد جزء بسيط من النمو السنوي البالغ ثمانية ملايين أو ما يقرب من ذلك منذ عقد من الزمان.

وفي حين أن الإحجام عن إنجاب الأطفال في مواجهة الإجراءات الصارمة لمكافحة جائحة “كورونا”، قد يكون قد ساهم في تباطؤ المواليد، إلا أنه يعود إلى سنوات سابقة للجائحة. 

فقد بلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الصين 2.6 في أواخر الثمانينيات، وهذا أعلى بكثير من 2.1 اللازم لتعويض الوفيات. وكان بين 1.6 و1.7 منذ عام 1994، وانخفض إلى 1.3 في عام 2020، ثم إلى 1.15 فقط في عام 2021.وبالإضافة إلى ذلك، يوجد في الصين عدد أقل من النساء في سن الإنجاب مما هو متوقع. ويقتصر الأمر على إنجاب طفل واحد فقط منذ عام 1980، ثم اختار العديد من الأزواج الإنجاب، ورفع نسبة الجنس عند الولادة من 106 أولاد، لكل 100 فتاة إلى 120، وفي بعض المقاطعات إلى 130.

وقد تقلص عدد سكان الصين بناء على افتراضات معقولة، حيث نما إجمالي عدد سكان الصين بانخفاض ما بعد المجاعة إلى 0.34 فقط في 1000 في العام الماضي.

وسيكون للانخفاض السريع في عدد سكان الصين تأثير عميق على اقتصاد البلاد. فقد بلغ عدد السكان في سن العمل في الصين ذروته في عام 2014، ومن المتوقع أن يتقلص إلى أقل من ثلث تلك الذروة بحلول عام 2100. 

ومن المتوقع أن يستمر عدد السكان المسنين في الصين (الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما وما فوق) في الارتفاع لمعظم ذلك الوقت، ليتجاوز عدد السكان في سن العمل في الصين بحلول عام 2080.

الكثير من المسنين والقليل من الشباب، وهذا يعني أنه في حين أن هناك حاليا 100 شخص في سن العمل متاحين لدعم كل 20 شخص مسن، فإنه بحلول عام 2100، سيتعين على 100 صيني في سن العمل إعالة ما يصل إلى 120 صينيا من كبار السن.

فمتوسط الانخفاض السنوي البالغ 1.73 بالمئة، في عدد السكان في سن العمل في الصين يمهّد الطريق لنمو اقتصادي أقل بكثير، ما لم تتقدم الإنتاجية بسرعة. 

ومن المقرر أن تدفع تكاليف العمالة المرتفعة، مدفوعة بالتقلص السريع للقوى العاملة، الصناعات التحويلية ذات الهامش المنخفض، والتي تتطلب عمالة كثيفة، الانتقال من الصين إلى بلدان وفيرة في العمالة مثل فيتنام وبنغلاديش والهند. وبالفعل تكاليف العمالة في الصين هي ضعف ارتفاعها في فيتنام اليوم.

قد يهمك: نجاحات أوكرانية متجددة.. هل ينتهي الغزو الروسي قريباً؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة