رغم العلاقات الاقتصادية التي تجمعهما والمستمرة منذ 50 عام، يبدو أن النزاعات التاريخية وتصرفات الصين العدائية مؤخرا، قد تجر العلاقات الصينية اليابانية إلى مزيد من التوتر، لاسيما بعد محاولات الصين التمدد باتجاه الجزر الواقعة بين البلدين، وتهديدها بعمل عسكري ضد تايوان.

احتفالات باردة

ما قد يوحي بتوتر العلاقات بين البلدين الآسيويين، أجواء إحياء ذكرى مرور 50 عاما على تأسيس العلاقات بين البلدين، الذي صادف الخميس، وجاء دون احتفالات تذكر، مع استمرار التوترات بشأن الخلاف البحري وتايوان، ولذا لم تكن هناك مراسم دبلوماسية كبيرة في ذكرى العلاقات بين البلدين كما هو معتاد.

غابت الأجواء المعتادة عن الاحتفال، حيث تمت قراءة رسائل من الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في حدث أقيم في طوكيو بدعم من الحكومة اليابانية والسفارة الصينية، استضافه لوبي الأعمال بين البلدين القوي.

رئيس الوزراء الياباني لم يكن حاضرا في الاحتفال، في حين حذّر برسالته التي بعثها، من القضايا والتحديات التي تواجه العلاقات بين الصين واليابان، وجاء في الرسالة: “العلاقات مع الصين رغم أنها تمتلك إمكانيات مختلفة، إلا أنها تواجه العديد من التحديات والقضايا“.

وهذه الاحتفالية تأتي على خلفية بدء العلاقات بين البلدين، عام 1972، عندما وقع رئيس الوزراء الياباني آنذاك كاكوي تاناكا، ورئيس الوزراء الصيني آنذاك تشو إنلاي، بيانا مشتركا اتفقت فيه حكومتا البلدين على “إقامة علاقات سلام وصداقة دائمين“.

اعترفت طوكيو بموجب هذا الاتفاق بجمهورية الصين الشعبية التي يقودها الحزب الشيوعي باعتبارها “الحكومة الشرعية الوحيدة” للصين، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع تايوان، والتي يطلق عليها رسميا جمهورية الصين.

ملف الجزر

أحد أبرز الملفات التي أشعلت الخلافات بين البلدين على مدار العقود الماضية، هي الجزر الواقعة في البحر بين البلدين، وهي جزر غير مأهولة، لكن اكتشاف ثروات وموارد فيها، أشعل الخلافات بعد أن كانت فاترة لعشرات السنين.

تخضع معظم هذه الجزر لسيطرة اليابان، إلا أن بكين بدأت بالمطالبة بها أواخر ستينيات القرن الماضي، وفي حين تقول الصين إن هذه الجزر تعرضت للسرقة من قبل اليابان عام 1895 وكان يفترض أن تعيدها نهاية الحرب العالمية الثانية.

ترد اليابان بالقول إن الصين لم تبدأ بالمطالبة بها إلا بعد اكتشاف هذه الموارد في تقرير للأمم المتحدة عام 1969، مشيرة إلى أن الجزر التي كانت تضم يوما مصنعا للمأكولات البحرية اليابانية، جزء من أراضيها، سواء تاريخيا أو بموجب القانون الدولي، حسب الرواية اليابانية.

وفي أحدث مراحل النزاع على هذه الجزر، هي مشاهد الاحتجاجات في الصين عام 2012، وما تبعه من دخول لخفر السواحل السواحل الصيني وقوارب الصيد بانتظام إلى منطقة الجزر في بحر الصين الشرقي، في انتهاك للمياه الإقليمية اليابانية، وذلك بعدما أعلنت الحكومة اليابانية تأميم جزر سينكاكو.

تقارير يابانية تحدثت مؤخرا عن تصرفات عدائية قامت بها الصين في منطقة طوكيو الاقتصادية، إذ تعتقد الصين أن الصواريخ الصينية سقطت في منطقتها الاقتصادية الخالصة، واحتجت طوكيو على ما تصفه بالانتهاكات الجوية والبحرية المتزايدة.

كذلك ساهم ملف تايوان بتعزيز التوتر بين طوكيو وبكين، حيث انتقدت اليابان إلى جانب حليفتها الأمنية، الولايات المتحدة، صراحة ارتفاع وتيرة الأنشطة الصينية في بحار الصين الجنوبية، وطالبت طوكيو أيضا بتحقيق السلام والاستقرار في مضيق تايوان.

وعبرت اليابان في وقت سابق عن قلقها، من تصاعد وتيرة التدريبات العسكرية الصينية مع روسيا بالقرب من السواحل اليابانية. كما عملت طوكيو على تعزيز تمركزها العسكري نحو منطقة جنوب غرب اليابان، التي تشمل أوكيناوا والجزر النائية الملاصقة لشرق تايوان.

قد يهمك: الاحتجاجات تدخل مدن إيرانية كبرى

بحسب تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية فإن: “أي غزو صيني لتايوان هو بمثابة تهديد محسوس للغاية لليابان، لأن البلدين قريبان جغرافيا (يوناجوني، آخر جزيرة في جنوب غرب أرخبيل أوكيناوا، تبعد حوالي 100 كيلومتر عن تايوان)، وبسبب العواقب الجيواستراتيجية التي قد تترتب على الغزو الصيني لهذه المنطقة بشأن حرية الحركة في مضيق تايوان، وهو عامل حاسم في ممر المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك لاستقرار المنطقة بأكملها.

ويبدو أن تهديدات الصين باتجاه تايوان، لا تطمئن اليابان أبدا بالرغم من العلاقات الاقتصادية التي تجمع البلدين، فالخوف من غزو محتمل للصين باتجاه تايوان، دفع اليابان لتعزيز قدراتها العسكرية وزيادة ميزانيتها. كذلك تراجع اليابان حاليا استراتيجية أمنها القومي، التي يُتوقع أن تنادي بامتلاك قدرات ضربة وقائية، يقول معارضوها أنها ستنتهك دستور البلاد السلمي.

وتحظى تايوان بتقدير كبير من قبل العديد من اليابانيين لعدة أسباب مختلفة، فالمحافظون معجبون بتاريخها المناهض للشيوعية والجهود المبذولة لمواجهة ضغوط الصين.

كذلك ويعجب الليبراليون بها لتقدمها نحو الديمقراطية التمثيلية والسياسات الاجتماعية التقدمية (مقارنة باليابان)، ويستمتع الكثير من اليابانيين بالسفر إلى تايوان وغالبا ما يكون لديهم أصدقاء أو زملاء من الجزيرة، بحسب ما نقل تقرير لموقع “عربي بوست“.

خلال الحرب العالمية الثانية، خاض الجانبان مواجهة انتهت بهزيمة اليابان عام 1945، ارتكبت خلالها اليابان قظائع بحق الصينيين، ويبدو أن بكين تنازلت عن الحق في تعويضات الحرب، مقابل اعتراف اليابان بالصين الحكومة الشرعية الوحيدة، خلال اتفاق عام 1972.

وبعيدا عن التوتر العسكري والجغرافي، فما تزال الصين هي أكبر شريك تجاري لليابان، في حين أن هذه الشراكة قد تضع طوكيو في موقف حرج، في شراكتها مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تخوض حربا اقتصادية ضد الصين.

وفي وقت تسعى الصين للضغط على العديد من الحكومات حول العالم لتبني مبادراتها الاقتصادية، تعمل اليابان بقيادة أميركا على طرق تتصدى بها للنفوذ الاقتصادي الصيني المتنامي في المنطقة. وترغب طوكيو أيضا في تعزيز أمنها الاقتصادي مع الديمقراطيات الأخرى في مجالات مثل سلاسل التوريد وحماية التقنيات الحساسة، لتقليل اعتمادها على الصين.

ترى الولايات المتحدة الأميركية أن الصين قد تشكل خطر شديد في حال صعود نفوذها حول العالم، ويؤكد خبراء أن العديد من القادة اليابانيين يتفقون مع هذا الرأي، وبالتالي هو يؤيدون التحالف الأمريكي الياباني ضد الصين.

ومع استمرار علاقات طوكيو وبكين لا سيما على المستوى الاقتصادي، يعتقد شريحة من الخبراء الأميركيين، أن اليابان لا لا تقدر الخطر الحقيقي للصين، فهي تنظر فقط إلى البعد الاقتصادي، دون تقدير خطر الصين العسكري وعلى مختلف المجالات.

حول كتب العقيد البحري المتقاعد غرانت نيوسهام، أن “اليابان لا تتجاهل الدفاع، لكن لا تقوم بما هو كاف، بسبب سيطرة التفكير الاقتصادي على سياسة البلاد“.

وربما ملف الغزو المحتمل لتايوان من قبل الصين، سيكون من أبرز الملفات التي سترسم ملامح العلاقات الصينية اليابانية، لا سيما مع تواصل التهديدات الصينية، وما قد تمثله تايوان من أهمية لليابان، كون التحرك الصيني قد يكون تمهيدا للتمدد إلى الجزر القريبة من اليابان بشكل عسكري.

مصير كارثي للصين

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أشار إلى أن الصين لن تشن هجوما على تايوان، لمجرد أن الصين لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة، لأنها ستواجه أيضا عقوبات أميركية وغربية مثلما فُرضت على روسيا أثناء غزوها لأوكرانيا، حسبما أوضح الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة، خلال حديث سابق لـ“الحل نت“.

وبحسب تقدير شحادة، فإن الصين ستواجه مصيرا كارثيا في حال غزت تايوان، لا سيما أن الصين لديها استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات في أميركا، وبالتالي إذا عوقبت الصين، مثلما عوقبت روسيا، فإنه من الممكن إعادة الصين إلى فترة ما قبل السبعينيات، لذا تدرس الصين التاريخ جيدا، خاصة فترة الاتحاد السوفيتي الذي كان يهدد سابقا بنقل الصواريخ إلى كوبا، قبالة الساحل الأميركي، وتحديدا فلوريدا، ومن ثم هددت بنقل الأسلحة النووية إلى بحر الصين الجنوبي، حيث كان هناك العديد من الإشكاليات حينذاك، ولكن في النهاية انهار الاتحاد السوفيتي، وانتصرت الولايات المتحدة، الآن الصين تقرأ كل هذا، ووفق اعتقاد شحادة، أنه لن يكون للصين رد فعل غوغائي أو عسكري، فهي الآن بحسب تقديره تدرس خطواتها بعناية، وتعلم أن أدواتها ليست قوية أو قادرة على مواجهة الولايات المتحدة.

وعليه، فإن هناك شرطا لاحتمالية أن تغزو الصين تايوان، والذي يتمثل بسحب التمويل والاستثمارات الصينية في أميركا، وقد لا يحدث هذا في الفترة المتوقعة لأنها تقدر بالتريليونات، فضلا عن وجود تداخلات استثمارية بين الصين وأوروبا، وبالتالي فإن الصين تعلم جيدا أنه إذا ما سحبت استثماراتها، فسوف يسحب الغرب استثماراته تبعا، ومن هنا يمكن القول إن الصين ستكون منهكة اقتصاديا إذا ما غزت تايوان، وبالتالي لا يمكن للصين أن تتحدى الولايات المتحدة، وفق تعبير شحادة.

كان الرئيس جو بايدن، أكد التزام واشنطن تجاه تايوان في مطلع العام الحالي، وفي أيار/مايو الماضي اعتبر الرئيس الأميركي أن الصين، “تلعب بالنار” في مسألة تايوان، وتعهد بالتدخل عسكريا لحماية الجزيرة إذا تعرضت لهجوم.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها أثناء زيارته لليابان، بدا بايدن، على خلاف مع سياسة الولايات المتحدة المتبعة على مدى عقود في هذا الشأن، على الرغم من إصرار البيت الأبيض على عدم وجود أي تغيير؛ إذ شبّه الرئيس الأميركي أي غزو صيني لتايوان، بغزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي أثار انتقادات غاضبة من بكين.

من الواضح أن التهديدات الصينية لتايوان، ستأتي بنتائج عكسية وسلبية على الصين، حتى قبل أن تُقدم الصين على أي تحرك عسكري من غير المتوقع أن يحدث، خاصة إذا ما نظرت الصين إلى نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، وما جلبه على روسيا من تدهور اقتصادي وقطيعة في العلاقات الدولية، ما سيجعلها تنظر في إعادة تفكيرها الاستراتيجي بالتعامل مع ملف تايوان، وغيره من الملفات.

قد يهمك: نجاحات أوكرانية متجددة.. هل ينتهي الغزو الروسي قريباً؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.