في الوقت الذي يمر فيه الغزو الروسي لأوكرانيا بمنعطف مغاير لما بدأ به تماما، حيث تتكبد القوات الروسية خسائر فادحة في معاركها الدائرة ضد الجيش الأوكراني الذي بدأ يأخذ بزمام الأمور وطرد الجيش الروسي من مناطقه بوتيرة سريعة، سلّط الأستاذ الفخري لدراسات الحرب في كينجز كوليدج لندن، ومؤلف كتاب “القيادة: سياسة العمليات العسكرية من كوريا إلى أوكرانيا” لورنس فريدمان، الضوء على تبعات التعبئة العسكرية التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتينن عقب تراجع قواته، في مقال نشر بمجلة “فورين أفيرز“، وترجمه موقع “ميدان” القطري، وتابعه موقع “الحل نت“.

المقال يناقش تداعيات التعبئة العسكرية التي لجأ إليها الرئيس الروسي في 21 أيلول/سبتمبر الماضي، بشكل غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، وإعلانها في جيش بحجم الجيش الروسي وما يمكن أن تؤدي إليه في قلب الموازين العسكرية رأسا على عقب، وما يمكن أن تؤثر به من حيث تعميق أزمة موسكو بدلا من أن تحلها، مؤكدا أن قرار التعبئة الأخير سوف تكون له عواقب وخيمة على روسيا، ليس فقط في أوكرانيا، ولكن في موسكو نفسها.

فريدمان، وفي مقاله يقول، إن “في خطابه يوم 21 أيلول/سبتمبر عن الخطوات التي ينوي اتخاذها للانتصار في حربه بأوكرانيا، اضطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لشرح أسباب عدم تحقيق النصر حتى اللحظة، وقال إن المذنب هو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي اتهمه بتقديم دعم ضخم لكييف، وقد تعهد بوتين، بأن بلاده ستستخدم كل الوسائل المتاحة إذا تعرضت وحدة الأراضي الروسية للاختراق“، لكنه الكاتب أشار إلى أن بوتن، “ترك فحوى عبارته مبهما“.

وبيّن أنه “لا سيما مع صعوبة تحديد الخطوط الحمراء للأراضي الروسية المقصودة بالنظر إلى السيولة الشديدة للأوضاع على الأرض“، مشيرا إلى أن و“البعض قد رأى أن عبارته إشارة إلى الاستفتاءات التي عقدت مؤخرا في الأراضي التي استحوذت عليها موسكو في شرق وجنوب أوكرانيا، أما تهديده النووي فتوجه به صراحة إلى حلف الناتو كما فعل سابقا، كي يردعه عن الانخراط أكثر من ذلك في جهود دعم أوكرانيا“.

في غضون ذلك لفت إلى أنه “سرعان ما عرفنا الخطوة التي اقترحها بوتين، لقلب موازين الحرب لصالحه، وهي إعلانه إرسال المزيد من القوات، حيث أصدر مرسوما طالب كل الروس الذين تلقوا تدريبا عسكريا في الماضي بأن يتقدموا للخدمة العسكرية“، مبينا أنها “تعبئة وصِفت بأنها جزئية وإن لم تكن هينة“، مشيرا إلى أنه “وفقا للأخبار الواردة إلينا، يبدو أيضا أن الرجال الذين لم يتلقوا تدريبا عسكريا سابقا يجري جمعهم هذه الأيام لخوض القتال، بما في ذلك الطلبة الذي يُفتَرَض إعفاؤهم من الخدمة العسكرية“.

فرديمان، استدرك بالقول: “رغم أنه ليس واضحا ما إن كانت التعبئة ستحدث الفارق المرجو في مسار الحرب، فإنها رفعت المخاطر بالفعل لبوتين في الداخل، إذ يجري حشد المئات من الرجال في جو كئيب داخل حافلات قبل نقلهم إلى أرض المعركة، في حين يسعى آخرون للهروب من البلاد، أو الاحتجاج في الشوارع رغما عن الإجراءات الأمنية المشددة ضد الاحتجاجات في روسيا الآن“.

وفي ظل ذلك “لا يبدو إذن أن الفشل أمر يمكن لبوتين، أو حاشيته أن يقروا به حتى اللحظة، ففي كل مرحلة من مراحل الحرب ضاعف بوتين، من جهوده بلا كلل، بدءا من إجهاض هجومه الأول على كييف في شباط/فبراير الماضي، وحتى تقدمه البطيء في لوهانسك الصيف الماضي، وأخيرا، النجاحات المفاجئة التي حققتها القوات الأوكرانية مؤخرا في خاركيف في أيلول/سبتمبر، وبدلا من البحث عن طريقة لتقليص خسائره وإنهاء الحرب قبل أن تسوء الأوضاع أكثر، يصر بوتين إلى الآن على أن أهدافه قابلة للتحقق، وإن تغيرت أهدافه تلك طيلة الأشهر الماضية“.

اقرأ/ي أيضا: الانتخابات الرئاسية في البرازيل.. جولة إعادة وتنافس محموم

روسيا وسوء الفهم

 فيما أشار إلى “هرم القيادة العسكرية الروسي قد عانى لمواكبة عدوه الأوكراني الذي قاوم مقاومة عنيدة وخلاقة، ووضع الروس أمام مشكلات في تنفيذ العمليات على الأرض لم يتوقعوها ولم يتجهزوا لها جيدا، والأهم من ذلك أن قرار بوتين الأول بالغزو في شباط/فبراير كان مشوشا، فقد نظر الرجل إلى عدوه نظرة سفهت منه ومن جاهزيته العسكرية ومن الاتجاهات الشعبية داخل أوكرانيا“.

سوء الفهم الروسي ذلك قد أدى بدوره إلى اعتقاد متعجرف بأن المقاومة الأوكرانية ستنهار مع أول هجمة روسية، وأن البلاد ستخضع له بسهولة بعدئذ، يتابع الكاتب في مقاله، ويستطرد بأن الروس، اعتقدوا أنه لا يحتاج الأمر إلى معرفة عميقة بالتاريخ الأوكراني كي ندرك مدى صعوبة ذلك، لا سيما أن القوات الروسية لم تكن لتمتلك القدرة على إخضاع شعب بهذا التعداد الضخم بفرض أنها نجحت بالفعل في إجبار المقاومة على الاستسلام.

 ويردف، أنه “كما اتضح الآن، فإن تلك الافتراضات الخاطئة خلقت مشكلة أعمق، ولأن بوتين، لم يقر بأن غزو أوكرانيا صراع عسكري مكتمل الأركان بل كان عملية عسكرية خاصة كما سماه الإعلام الروسي، فإنه سرعان ما وجد نفسه معتمدا على عدد قليل جدا من المقاتلين لا يكفي بعد أن تحول هجومه الأول إلى حرب مميتة وبطيئة وطاحنة“.

 نتيجة لذلك، يبين فرديمان، أن “بوتين اضطر الآن إلى البحث عن وسائل جديدة لتجديد دماء قواته، ولكن بعد أن وصل إلى مرحلة يصعب معها تغيير المسار واستعادة الزخم“، متسائلا: “كيف وصلت روسيا إلى هذا المنعطف الاستثنائي؟“، واستدرك أنه “يجب علينا أن نفهم هذا الوضع، لا بوصفه نتيجة لصلابة واستبسال الأوكرانيين والدعم الغربي فحسب، بل أيضا بوصفه نتاجا لسلسلة من الأخطاء العسكرية التي ارتكبتها القيادة الروسية بدءا من استراتيجيتها الأولية التي شنت الغزو وفقا لها“.

وعضد ذلك بالقول إنه “في الأيام الأولى للحرب، كان صعبا تخيل أن روسيا تفتقد القوات اللازمة لإتمام المرحلة الأولى من غزوها أوكرانيا، فقد استمر حشدها العسكري الصلب طيلة أشهر قبل قرار الغزو في شباط/فبراير، ولأن بوتين ترك الجميع تقريبا بمن فيهم قادته العسكريون الكبار يخمنون كيفية استخدام تلك القوات، لم تخرج الاستراتيجية الروسية في الأخير بعد تفكير وتخطيط كافيين، ناهيك بأن قادة الجبهة العسكرية أُعلموا بنيّة الغزو متأخرا، فلم تمنحهم موسكو الوقت الكافي للإعداد“.

كذلك “قد اختار الكرملين خطوطا منفصلة وكثيرة جدا للزحف، حتى إن الحرب تحوّلت إلى سلسلة من الحروب الصغرى المنفصلة لكل منها هرم القيادة الخاص بها، دون آليات مناسبة للتنسيق ومشاركة الموارد العسكرية فيما بينها، ولذا أمكن دحر العديد من الخطوات العسكرية الروسية الأولى“.

اقرأ/ي أيضا: بوتين يورّط الروس.. مواطنون يلجؤون للقضاء هربا من القتال في أوكرانيا

أسباب الفشل الروسي

ليس ذلك فحسب، بل أن الكاتب أشار إلى الأهم من كل ذلك، قائلا إن “روسيا فشلت في الاستحواذ على كييف، وعجزت عن زعزعة القيادة السياسية الأوكرانية، حيث نجح الرئيس الأوكراني زيلينسكي في حشد شعبه من العاصمة، وفي تدبير العدة والعتاد اللازمين من الدول المتعاطفة مع أوكرانيا، ورغم تفوق الروس العددي دون شك، ظهر تباين واضح في فهم كل طرف لهدفه من الحرب، إذ إن الأوكرانيين يحاربون بوضوح من أجل الدفاع عن بلدهم وتحرير الأراضي التي احتلها الروس قدر الإمكان، أما الروس فلا تبدو لديهم أهداف واضحة، وقد وقفوا ينتظرون الأوامر ليس إلا بدأت الحرب بهدف روسي صريح هو إسقاط كييف والحكومة الأوكرانية، ثم سرعان ما أدى الإخفاق إلى تعديل البوصلة إلى السيطرة على الجنوب والشرق“.

وافترض المقال، أن “الدول العظمى التي تحارب بلادا صغير ينتظر دوما أن تملك عددا كافيا من قوات الاحتياط لمواجهة الإخفاقات المبكرة، ولكن بالنسبة إلى روسيا فإن القيادة العسكرية الرخوة للمعركة في أوكرانيا تخلّت عن هذه الميزة لديها باعتبارها واحدة من الدول العظمى“، مبينا أن “بعد شهر من الحرب أُجبرت القوات الروسية على الانسحاب من الشمال حتى تركز على العمليات التي تُشن في الجنوب والشرق“.

بيد أن “دونباس، هي المنطقة التي نظرت إليها موسكو بوصفها موطن النزاع ولبّه، وقد بدا لفترة أن مع تمركز القوات الروسية للاستيلاء على المنطقة باستعمال تكتيكات تقليدية مدعومة باستخدام قذائف مدفعية ثقيلة تضعف الدفاعات الأوكرانية سيكون الروس أصحاب اليد العليا في المعركة على هذه المنطقة“، لافتا إلى أنه “الأوكرانيين لم يجتاحوا كليا، كانت هنالك مخاوف في كييف، وفي أوساط حلفائها الغربيين من أن المجهود الدفاعي قد يتركهم بلا مقدرة كافية على شن هجوم مضاد“.

 ولذلك، يشير الكاتب فرديمان، إلى أن “بعض المحللين الغربيين شرع في طرح حجج مفادها أن من الممكن أن تنتهي الحرب مبكرا استنادا إلى المفاوضات، وهو أمر يستلزم تنازل أوكرانيا عن بعض الأراضي لروسيا من أجل السلام، غير أن هذه الأصوات لم تلق آذانا مصغية إلا نادرا في أوكرانيا، إذ أفضت المعاملة النكراء التي لاقاها الأوكرانيون العالقون في الأراضي المحتلة واستعداد روسيا لقصف المناطق المدنية عن بكرة أبيها إلى اشتداد عزيمة الأوكرانيين على مواصلة القتال والحرب“.

فريدمان علل موقف الأوكرانيين الثابت من الغزو رغم كل تهديداتها وفوارقها، لسبب أنه “لم يكن هناك محور دعائي لكسب العقول والقلوب في الحملة الروسية على غرار الحملة الدعائية التي بدأت بها الولايات المتحدة حربها على العراق عام 2003، ونجحت في اجتذاب شرائح من العراقيين إلى صفوفها في الأشهر الأولى من الغزو، ومن ثم تحفيز العراقيين لمهاجمة نظام صدام بأنفسهم بسبب حدقهم عليه“.

بالتالي “حملت القوات الأوكرانية على أكتافها خسارات فادحة كي تثبط التقدم الروسي، لكن الوقت الذي استغرقته هذه المقاومة الشجاعة كان كافيا للسماح بوصول أسلحة أكثر تطورا، على رأسها (هيمارس)، وهو نظام راجمات الصواريخ عالي التقنية المصنع أميركيا، وكذلك لإتاحة تدريب القوات الأوكرانية على استعمالها“، مبينا أنه في هذا الوقت وبينما امتلكت أوكرانيا تدريجيا القدرة على استهداف أهداف بعيدة المدى بدقة فائقة “كانت القوات الروسية قد استنفدت نصيب الأسد من مخزونها من الذخائر الموجهة“.

وعلى مدار شهر تموز/يوليو تعرضت “مستودعات الذخائر الروسية للقصف بانتظام، وكذلك مواقع القيادة والمواقع اللوجستية وأنظمة الدفاع الجوية الروسية، مما قوض قدرة موسكو على مواصلة هجماتها، ومن ثم مكن الأوكرانيين من شن واحدة من أكبر هجماتهم لتحرير منطقة خيرسون في الجنوب“.

نقطة التحول أوكراني وأخطاء روسيا الأربعة

الكاتب، لفت إلى أنه على الرغم من أن “الهجوم الأوكراني على خيرسون، قد بدا يحرز تقدما بطيئا ولكنه ثابت، فوجئ الروس في مطلع أيلول/سبتمبر بهجوم أوكراني مهيب على حين غرة استهدف قواتهم ذات الانتشار الهزيل حول خاركيف، مما أفضى إلى إيقاع الهزيمة بالقوات الروسية في العاشر من الشهر نفسه، وإلى تراجعها بشكل فوضوي“، مؤكدا أنه “الآن بعد سبعة أشهر من الحرب بات زمام المبادرة بيد أوكرانيا، فقد أدت هذه الأحداث إلى حدوث أزمة سعى بوتين، إلى حلها في بيانه الصادر يوم 21 أيلول/سبتمبر وإن كانت قرارته اللاحقة قد فاقمت من الورطة التي تواجهها القوات الروسية على أربعة أوجه“.

وحول ذلك السيناريو الذي وصفه فريدمان بـ “الأخطاء الأربعة“، يقول إن “بوتين وقع في خطئه الأول بمجرد أن اتضح له المسار السيئ الذي اتخذته الحرب بالنسبة إلى روسيا، فلم يستعمل الرئيس الروسي الوسائل الدبلوماسية لإنهاء الحرب والظفر ببعض المكاسب“، مبيّنا أنه “في الأسابيع التي عقبت بداية الغزو لم تنقص بوتين، فرصة فتح باب النقاش مع قادة العالم الآخرين، وفي الفترة من شباط/فبراير إلى نيسان/أبريل عقدت محادثات مباشرة بين وفدين من روسيا وأوكرانيا، بما فيها المحادثات التي رعتها تركيا وكانت على مستوى رئيسي وزراء البلدين“.

ويلفت، إلى أن “روسيا فشلت في إقناع الأوكرانيين بأن أي تنازلات ستحصل من جانبهم ستفضي إلى انسحاب روسي، على الرغم من أن المحادثات أحرزت بعض التقدم في الأفكار المتعلقة بالحياد الأوكراني المستقبلي مقابل تقديم ضمانات أمنية، ولكن لم تناقش التفاصيل بتاتا“.

إضافة إلى ذلك يواصل الكاتب قوله، بإنه “بعد كل ما جرى من جرائم روسية في ضواحي العاصمة الأوكرانية، تلاشت بالكامل قدرة كييف على الثقة بكلمات روسيا عن أي شيء، وقتلت أكاذيب بوتين، المتواصلة مصداقيته عند المحاورين الدوليين الذين توسطوا بين الطرفين، وعلى القدر نفسه من الأهمية لم يجد بوتين سبيلا إلى تقديم تنازلات ملموسة، لأن القبول بأقل مما طالب به يعني بالنسبة إليه ضربا من الهزيمة، وحينما قدم الكرملين مقترحا لوقف إطلاق النار الصيف الماضي ولاقى أصداء إيجابية لدى بعض العواصم الغربية، لم تُقدم روسيا أيضا تنازلا واحدا ملموسا لأنها لم تكن قد أحكمت قبضتها بعد على إقليم دونباس كاملا“.

أما الخطيئة الثانية يصفها الكاتب بـ “إساءة بوتين تقديره للنفوذ الذي يجنيه من الغاز والبترول الروسي، فقد راهن بوتين على أن أزمة الطاقة التي شنها بقطع إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا قد تدفع الحكومات الغربية إلى الاقتناع بالضغط على كييف لتقديم التنازلات، ومنع المساعدات العسكرية عنها“، وقد كان لقطع الإمدادات آثاره الوخيمة بالفعل على الاقتصاد الأوروبي، حيث تسببت في نقص الطاقة وارتفاع التضخم، بيد أن قطع الإمدادات أتى بنتائج عكسية على المستوى السياسي“.

ويبيّن أنه “لم يحصل لغط فيما بين الأوروبيين للتخلي عن أوكرانيا كي يتخففوا من الأعباء الاقتصادية بل على العكس من ذلك، بذل المسؤولون الأوروبيون ما في وسعهم من جهود باذخة حتى يقللوا من اعتماديتهم على الغاز الروسي، ومن ثم أفقدوا روسيا سوقا حيا لها في مجال الطاقة“.

والخطأ الثالث الذي ارتكبه بوتين، من وجهة نظر فرديمان، فأنه “يتمثّل في تركيزه على المكاسب الإقليمية في إقليم دونباس بعد فشل هجوم كييف الأول“، مشيرا إلى أنه “قد بدا الهجوم على الشرق أكثر جدوى ومنطقية من الناحية السياسية، وأمكن تنفيذه على نحو متأن ومنهجي، لكن ذلك عنى أيضا تركيز الموارد الروسية المتاحة على ما صار الآن شريطا ضئيلا من خط مواجهة طويل جدا، ومن ثم تحمل خسائر فادحة من أجل تحقيق مكاسب متواضعة.

اقرأ/ي أيضا: تفجر الأوضاع في اليمن بعد هدنة نصف سنوية.. ما التبعات؟

تعبئة دون جدوى

في حين أنه “في الوقت نفسه استمرت القوات الروسية في التقليل من قدرات الأوكرانيين، بينما كشفت مكامن الخلل الروسية مع تحسن القدرات الأوكرانية، سواء من حيث الأصول الروسية الحيوية التي لم تلق حماية كافية مثل مستودعات الذخائر، أو من حيث عدد المناطق التي أحكمت روسيا سيطرتها عليها ولا تستطيع الدفاع عنها الآن بالشكل الكافي“، مبينا أن “موسكو قد افتقدت القوات الاحتياطية لتعزيز دفاعاتها في المناطق الشمالية والجنوبية بإقليم دونباس، أي في خاركيف وخيرسون على الترتيب، وبعد أن اختارت أن تدافع عن خيرسون لأن أوكرانيا أعلنت صراحة نيتها شن هجوم هناك، فإن ذلك ترك القوات الروسية مكشوفة في خاركيف“.

أما عن الخطأ الرابع، يبيّن أن “الدفاعات الروسية غير المجهزة سلّطت الأضواء على ذلك الخطأ الناجم عن خيارات بوتين، فنظر إلى أن الاجتياح صمم ليكون عملية محدودة وسريعة كما تمنى بوتين، فلم تصاحبه تعبئة عسكرية كاملة، بل ولم تسمّ العملية حربا أصلا، مما يعني أن روسيا لم تمتلك عددا كافيا من سلاح المشاة منذ البداية، ومع مرور الوقت أفضت الخسائر الفادحة التي تكبدتها روسيا إلى إنهاك كل الأقسام الأخرى كما ونوعا“.

ويستدرك الكاتب، أنه “بدلا من أن يعترف بوتين، بالخسائر، راح يشجع الجهود على إيجاد مجندين جدد في أي بقعة يمكن العثور عليهم فيها، مستعملا وسائل عدة منها الرشوة والاستمالة والإكراه، لافتا إلى أن “الكثيرين ممن يرتدون الزي العسكري في سلاح الجو على سبيل المثال أُمروا بتنفيذ أدوار لم يدربوا عليها أصلا“، في حين “عرضت مجموعة “فاغنر”، وهي مجموعة روسية من المرتزقة على صلات وثيقة بالكرملين على السجناء الروس أن يتطوعوا في الجبهة لقاء إسقاط العقوبات عنهم“، على إثر ذلك “أضحت العمليات المعقدة أشد صعوبة في إدارتها بسبب تفكك الوحدات المقاتلة، وتشكلها من مجموعات لم تتلق تدريبا ملائما ولم تعمل بصورة جماعية من قبل“.

في مقابل ذلك، أن “كل مكامن الخلل هذه تعني أن الأوكرانيين كانوا قادرين على التحرك سريعا في هجومهم الذي شنّوه على خاركيف في أيلول الماضي، مع مقاومة روسية لا تذكر في معظم الأحيان، كما أن بوتين، يسعى حاليا إلى إصلاح العجز المزمن في القوة البشرية بتعبئة عسكرية لفئة كبيرة من الناس، بصرف النظر عن الخبرات التي يحملونها والأدوار العسكرية المطلوبة منهم“، مشيرا إلى أن ” هدف التعبئة الأولي يبلغ نحو 300 ألف جندي إضافي، رغم أن العدد النهائي ربما يكون أكبر من ذلك بكثير جدا“.

بيد أن حشد هذا العدد في الخدمة دون عتاد مناسب لاسيما والشتاء على الأبواب، ودون تدريب، ودون ضباط محترفين قادرين على توجيههم وقيادتهم، هو مخاطرة تنذر بحصول مذابح على أرض المعركة، كما يرى فريدمان، مشيرا إلى أن ذلك له تبعيات وردود فعل عنيفة داخل روسيا“، كما أن “في غضون ذلك، فإن مرسوم بوتين، يمنع هؤلاء الذين هم فعليا في الصفوف الأمامية ممن يؤدون الخدمة بعقود قصيرة الأمد عن المغادرة؛ مما قد يؤدي أيضا إلى تراجع الروح المعنوية والانضباط لدى الجنود، وهي المشكلات التي ابتليت بها القوات الروسية أصلا منذ البداية“.

الكاتب البريطاني اختتم مقاله، بالقول إن “هناك قول شائع في أوساط القلقين بشأن خطوة روسيا في المرحلة القادمة، هو إن بوتين، من المستحيل أن يقبل بالخسارة“، مؤكدا أنه “في الحقيقة يمكن أن يخسر فعلا، ولعله في الطريق إلى الخسارة“، مشيرا إلى أن “سلسلة من القرارات المروعة فقد أفضت به إلى تقويض المكانة الدولية لروسيا وأُفق اقتصادها المستقبلي، والإخلال بسمعة الفيدرالية الروسية بوصفها قوة عسكرية جادة، وإلى فشله في أهم مقامرة في مشواره السياسي“.

وبيّن أنه “كما هو الحال في كل الحروب، فإن المسار المستقبلي لهذه الحرب سيكون ذا جوانب غير متوقعة، لكن أوكرانيا باستراتيجيتها الواضحة وأسلحتها الجيدة وقواتها الملتزمة، قد أمسكت فعلا بزمام المبادرة“، مؤكدا أن “التعبئة العسكرية التي أعلنها بوتين، لن تغير من تلك الحقيقة، في حين أن استعمال الأسلحة النووية سيجعل من الموقف السيئ الآن كارثيا بكل ما تحمله الكلمة من معان“.

اقرأ/ي أيضا: صراع المئة عام.. هل تنتهي التوترات الأرمينية الأذربيجانية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة