انتخابات رئاسية هي الأشرس في البرازيل، انتهت جولتها الأولى، أول أمس الأحد، ولم ينتهِ السباق بعد، والحسم سيكون في جولة الإعادة، نظرا لعدم تمكّن الزعيم اليساري والرئيس السابق، لولا دا سيلفا، ومنافسه الرئيس اليميني الحالي، جايير بولسونارو، من الوصول إلى 50 بالمئة، من الأصوات.

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في البرازيل، مساء الأحد، أن انتخابات الرئاسة ستشهد جولة إعادة في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري بين بولسونارو ودا سيلفا، بعد أن حصل الأخير على 47.9 بالمئة، من الأصوات الصحيحة، مقارنة مع 43.7 بالمئة، لبولسونارو.

وكان 156 مليون ناخب برازيلي مدعوين الأحد، للتوجه إلى الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحتدمة التي خالفت نتائجها، ما أظهرته جميع استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الحملة الانتخابية في البرازيل.

كيف كانت استطلاعات الرأي؟

استطلاعات الرأي توقّعت، أن دا سيلفا، رئيس البرازيل في الفترة من 2003 إلى 2011، في طريقه لتحقيق الفوز من الجولة الأولى، رغم وجود 10 منافسين له، من ضمنهم الرئيس الحالي اليميني بولسونارو.

آخر استطلاع للرأي، أجراه “معهد داتالوفها” البرازيلي، توقّع فوز دا سيلفا، بحصوله على 50 بالمئة، من الأصوات مقابل 36 بالمئة، فقط لبولسونارو، وذلك خلال الجولة الأولى من الانتخابات، في وقت يُعتبر المرشح فائزا إذا حصد 50 بالمئة، زائد صوت واحد على الأقل من الأصوات الصحيحة.

لولا دا سيلفا

ومنذ فتح باب اللجان أمام الناخبين، تشكلت صفوف انتظار أمام مراكز الاقتراع، اصطف الناخبون في طوابير ممتدة، حيث غلب اللون الأحمر على مؤيدي دا سيلفا، بينما غلب اللون الأصفر، لون العلم الوطني، على مؤيدي بولسونارو.

وفي حال فوز لولا دا سيلفا، الذي طبع الحياة السياسية البرازيلية منذ نصف قرن، ويشارك في سادس انتخابات رئاسية في الجولة المعادة، فسيشكل ذلك عودة إلى الحياة السياسية لم يكن يأمل بها بعد سجنه المثير للجدل في قضايا فساد.

وأظهرت آخر مناظرة رئاسية، الخميس الماضي، عن مدى الكراهية بين المرشحَين الأبرَزين اللذين تواجها بشراسة وتبادلا اتهامات بـ”الكذب” و”الفساد”.

بولسونارو يشكّك

بولسونارو، أعلن أنه سيكون “من غير الطبيعي” ألا يحصل على 60 بالمئة، من الأصوات على الأقل، رافضا نتائج استطلاعات الرأي “الكاذبة”، على حد تعبيره.

شكك بولسونارو، بصورة متكررة في مصداقية نظام التصويت الإلكتروني المعتمد في البرازيل منذ العام 1996، ملوحا بتحرك عنيف، ما بعث مخاوف من وقوع أحداث شبيهة بالهجوم على “مبنى الكابيتول” في واشنطن، في كانون الثاني/ يناير 2021 بعد هزيمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أمام منافسه جو بايدن.

كما لوح الزعيم اليميني، مرارا بأنه قد لا يقبل النتيجة حال خسارته، إذ قال نصا: “الله وحده يمكنه هزيمتي”، وأضاف أن هذه الانتخابات لها 3 نتائج محتملة دون سواها بالنسبة له، وهي “الفوز أو السجن أو الموت”.

على المستوى الأمني، تم نشر أكثر من 500 ألف عنصر من قوات حفظ النظام لضمان الأمن في العملية الانتخابية، فيما تكفل عشرات المراقبين الأجانب بمراقبة حسن سير عملية التصويت.

ويعتبر تعامل إدارة بولسونارو، مع جائحة فيروس “كورونا”، أحد أهم الأسباب وراء انخفاض أسهمه وارتفاع أسهم منافسه اليساري دا سيلفا، في الجولة الأولى من الانتخابات، إذ استهان بالفيروس القاتل، وراح ضحيته أكثر من 868 ألف برازيلي، وشكك طوال الوقت في اللقاحات، لدرجة أن البرلمان فتح تحقيقا بهدف عزله من منصبه.

المواجهة بين المرشحَين الأبرزَين، بولسونارو (67 عاما) ودا سيلفا (76 عاما)، حجبت تماما المرشحين الـ 9 الآخرين الذين لم يكن لهم حضور يذكر في الانتخابات الرئاسية البرازيلية.

دا سيلفا، أدلى بصوته قبل ظهر الأحد في ساو بيرناردو دو كامبو، قرب ساو باولو، فيما صوّت بولسونارو، في ريو، قبل أن توجّهه إلى العاصمة برازيليا، لمتابعة النتائج الانتخابية.

من هو دا سيلفا؟

جمع دا سيلفا -زعيم حزب العمال- ائتلافا واسعا من 10 أحزاب، وصولا إلى يمين الوسط الذي اختار بين صفوفه مرشحه لمنصب نائب الرئيس، حاكم ساو باولو السابق جيرالدو ألكمين، في مسعى لطمأنة الأوساط الاقتصادية.

يحظى دا سيلفا، بغالبية أصوات النساء والشباب والطبقات الفقيرة، وهو سياسي يساري حكم البرازيل 8 أعوام، وأُدين وسُجن أثناء التحقيق في فضيحة الفساد التي أطلق عليها “عملية غسيل السيارة”، قبل أن تنقض المحكمة العليا الحكم.

تعهد دا سيلفا، أنه إذا تم انتخابه سيعمل على وقف إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية، في وقت ارتفعت وتيرة إزالة الغابات بنسبة 75 بالمئة، خلال عهد بولسونارو مقارنة بالعقد السابق.

وشهدت مسيرة لولا دا سيلفا، السياسية تحولات درامية كبرى، وقدّم خلال فترة حكمه برامج إصلاح اقتصادي، ركزت على الجانب الاجتماعي وتحسين حياة الفقراء بصورة أكسبته شعبية هائلة.

اهتم دا سيلفا، بالقضايا الدولية وبخاصة قضية التغير المناخي، واختارته مجلة “التايم” الأميركية عام ،2010 الزعيم الأكثر تأثيرا في العالم. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2011، أصيب بورم خبيث وخضع لعلاج كيماوي حتى شفي بالكامل.

في عام 2017، تعرض دا سيلفا، لمحاكمة بتهم الفساد وغسيل الأموال، وصفها هو ومؤيدوه بأنها محاكمة سياسية، وحكم عليه يوم 12 تموز/ يوليو من ذلك العام، بالسجن لمدة 9 سنوات ونصف.

في عام 2019، أسقطت المحكمة العليا في البرازيل الحكم عنه، ليخرج من السجن ويتجه مباشرة إلى “نقابة عمال الحديد والصلب” في البلاد، الذي كان قد أسسها، حيث استقبل استقبالا شعبيا جارفا.

ما علاقة نيمار؟

من جهته، يعتبر بولسونارو، مرشحا عن الحزب الليبرالي الصغير، ويحظى بتأييد كبير بين الإنجيليين ولوبي تجار المواد الغذائية وأنصار الحق في حمل الأسلحة الفردية، وبدعم أكثر تحفظا بين أرباب العمل، ويدافع عن القيم التقليدية، رافعا شعار “الله والوطن والعائلة”.

كان الرئيس بولسونارو، يمثل النقيض لكل ما يمثله دا سيلفا، خصوصا في مجال البيئة والتغير المناخي، حيث شهدت رئاسته ارتفاعا في وتيرة إزالة الغابات بالبلاد، وبخاصة غابة الأمازون المعروفة بأنها “رئة العالم”، بنسبة 75 بالمئة، مقارنة بموقف دا سيلفا، الذي تعهد بوقف إزالة غابات الأمازون في البلاد في حالة إعادة انتخابه.

يُلقّب بولسونارو بـ “ترامب البرازيل”، نظرا للتشابه الكبير بين السياسات الشعبوية له مع سياسات وشخصية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وجاء تشكيك بولسونارو، في نظام الانتخابات في البلاد ليؤكد ذلك التشابه.

بولسونارو زار في 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، منشأة خيرية لنجم منتخب البرازيل لكرة القدم، وقائد الفريق نيمار جونيور، للحصول على دعم نجم “السامبا”، على الرغم من أن نيمار، لم يكن موجودا في المنشأة، حيث يتواجد صحبة فريقه باريس سان جيرمان في العاصمة الفرنسية باريس.

لكن نيمار قدم دعمه لبولسونارو بطريقة مباشرة، حيث ظهر في مقطع فيديو يرقص فيه على أنغام أغنية الحملة الانتخابية لبولسونارو، وسرعان ما نشر الأخير المقطع المصور على “تويتر”، وربط مسعاه لنيل فترة رئاسية جديدة بمساعي البرازيل للفوز بكأس العالم للمرة السادسة.

بولسونارو

وتعرض نيمار، لانتقادات بسبب دعمه للرئيس الشعبوي، حيث علق نجم الكوميديا البرازيلي، يوري مارسيال، على ذلك، مذكرا نيمار بتجاهل بولسونارو وسخريته الدائمة من الفقراء والكادحين في البرازيل.

نجم “السامبا”، رد على تلك الانتقادات في تغريدة بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر المنصرم، قال فيها: “يتحدثون عن الديمقراطية والكثير من الأمور، لكن عندما يكون للشخص رأي مختلف، يهاجمه نفس من يتحدثون عن الديمقراطية، تخيلوا!”.

أخيرا، يترقب معظم البرازيليين من رئيسهم المقبل أن يكافح الفقر الذي يطال 30 مليونا منهم، والتضخم والبطالة اللذين ساهما في تصاعد الفساد وتردي الظروف المعيشية، وهنا وعد دا سيلفا، بتوفير لحوم للجميع وبـ “الديمقراطية ضد الفاشية”، في حال فوزه بالانتخابات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.