في خطوة طالما طالب بها عامة الشعب العراقي، دون أن تتضح ما إذا كان تطبيقها ممكنا، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، أمس الخميس، وضع خطة استراتيجية لحصر السلاح بيد الدولة، داعية إلى تسجيل الأسلحة الخفيفة بمراكز الشرطة، وجاء ذلك خلال اجتماع أمني حضرته الجهات ذات العلاقة.

حيث نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية “واع”، عن وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، قوله إنه، جرى عقد اجتماع موسع للجنة العليا لحصر السلاح بيد الدولة، بحضور المحافظين وقادة الشرطة وكذلك قادة العمليات في المحافظات، إذ تمت مناقشة الخطة الاستراتيجية لسحب وضبط السلاح بيد الدولة.

كذلك ناقش الاجتماع الكثير من المواضيع المهمة التي تعاني منها الدولة لحصر السلاح، منها الجوانب الإعلامية والجوانب القانونية بالإضافة إلى الجوانب الإدارية، بحسب الشمري، الذي شدد على أن، عملية اقتناء السلاح المتوسط والثقيل من قبل المواطنين سوف يعرضهم إلى مساءلة قانونية، داعيا الجمهور إلى تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة.

خطة استراتيجية للحد من السلاح المنفلت بالعراق

الشمري أشار إلى فتح قاعدة بيانات لتسجيل الأسلحة في مراكز الشرطة لكي لا يتعرض صاحبها إلى مساءلة أو مصادرة للسلاح، مؤكدا المضي بتنفيذ الخطة الاستراتيجية والبدء بعمليات تفتيش ومصادرة للأسلحة غير المسجلة، وذلك بينما كان الشمري قد أعلن في أواخر آذار/مارس الماضي، منح 4 فئات مجتمعية إجازات حيازة وحمل السلاح الناري.

القرار، بحسب أنباء متداولة، قد شمل المقاولين والتجار وصاغة الذهب وأصحاب محلات الصرافة، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه بعض المحافظات العراقية من تكرار الاشتباكات بين القبائل، باستخدام الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وفي الغالب تعمل الحكومة على فضّها عبر التصالح.

بالتالي إعلان وزارة الداخلية عزمها حصر السلاح بيد الدولة، فتح الباب على مدى سطوة السلاح المنفلت في البلاد، وتحكّمه بمصير القرارات المهمة، وما نتج عنه من انقسامات حادة داخل المجتمع، لاسيما بعد أن بات سلاح العشائر جزءا من ذلك الانفلات، بل يُتّهم أيضا بالإنحياز إلى جهات سياسية معينة.

سبب انتشار الأسلحة المتنوعة في المجتمع، يُعزا لتدفّقها إلى السوق السوداء عبر جهات عدة، وبالتالي تدفقها إلى أشخاص أو عشائر بأكملها، إضافة إلى تسليح بعض العشائر لأسباب مختلفة، منها مقاتلة الإرهاب، فيما بعضها يذهب إلى الأيادي الخطأ، أو للنزاع مع عشائر أخرى.

الأمر الذي حوّل من مدن بأكملها إلى جبهات قتال تستمر المعارك فيها لأيام، وهو ما سلّط الضوء على مدى قدرة وفعالية السلاح المنفلت الذي أكثر من مناسبة قالت الحكومات العراقية المتعاقبة، أنها عازمة على حصره بيد الدولة دون أن تتمكن في ذلك ولو بجزء قليل.

حول ذلك يقول الخبير الأمني والعسكري العراقي علاء النشوع، إن في هذه المبادرة كلّ الخير إذا ما حصلت على دعم داخلي، وكذلك خارجي من الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، مستبعدا أن تكون هناك صعوبة في الحصول على هذا الدعم بالشكل اللازم؛ لأنه بتعبيره القضية أكبر مما نتصور، وحتى الوزير يعلم جيدا أن الاستراتيجية التي يضعها صعبة التنفيذ لأسباب كثيرة، منها سياسي وأمني واجتماعي (عشائري)، بجانب التأثيرات الخارجية متمثلة في الجانب الإيراني.

قدرة السلاح المنفلت بالعراق

النشوع وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن، الفصائل المسلحة تمتلك أسلحة تتفوق حتى على ألوية وفرق الشرطة الاتحادية؛ وبذلك سيكون موقف وزير الداخلية محرجا عند المواجهة، إلا إذا حصل على إسناد أميركي ودولي في نزع أسلحة هذه الفصائل بالقوة والتهديد المباشر.

القوات العراقية تصادر مئات قطع السلاح غير المرخص/ (AFP)

أما العشائر، والتي تمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وبعضها ثقيلة، يعتقد النشوع أن كمية ما لديها مجهول، كما لا يمكن حصره؛ لأنه يتعدد لديها أماكن الإخفاء، خاصة في المحافظات الجنوبية التي تكثر فيها النزاعات العشائرية، مشيرا إلى أن بجانب هؤلاء وهؤلاء، يوجد تجار المخدرات الذين يمتلكون أسلحة لحماية تجارتهم وتنقلها عبر الحدود، ومرورها إلى العمق.

الخبير الأمني والعسكري العراقي، لفت إلى أن المناطق الغربية والشمالية؛ تكاد تخلو من الأسلحة الثقيلة وحتى المتوسطة؛ لأن الفصائل المسلحة تسيطر عليها، وتمنع وجود هذا المستوى من الأسلحة عند غيرها؛ حتى لا يكون مصدر تهديد لها، ولا توجد هذه الأسلحة إلا عند حراسات الشخصيات السياسية والأمنية.

فيما أكد أن، نزع السلاح يحتاج إلى أن تسبقه حملات توعية واسعة، ترسخ مفهوم سيادة الدولة، وفكرة أن الأمن الوطني هي مسؤولية كل مواطن، فإن حدث هذا، أمكن تعاون الشعب مع المسؤولين في هذه المهمة الكبيرة.

هذا ويعاني العراق منذ ما بعد 2003، وسقوط الدولة المركزية بنهاية نظام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، من فوضى هائلة في انتشار السلاح، سواء في يد العشائر، أو يد الفصائل والمليشيات المسلحة التي تكونت بعد الغزو، وتستخدمه في فرض أجندتها ونفوذها، ومصارعة خصومها من تيارات دينية وسياسية مختلفة.

خلال العام الجاري، اتخذت وزارة الداخلية قرارات عدة، بشأن تقنين وتقليص تراخيص حيازة الأسلحة، بعد انتشارها بشكل كبير وملحوظ، وزادت من عملياتها الأمنية لضبط كميات كبيرة من الأسلحة غير المرخصة، وضبطت كميات كبيرة من السلاح، متوزعة ما بين الخفيف والمتوسط، مع لوازم أخرى مثل المناظير وغيرها، لكن مع ذلك لم يؤثر هذا في معادلة السلاح المنفلت الذي بقي يفرض نفوذه على الجميع في البلاد.

إلى جانب السلاح الذي تمتلكه الفصائل المسلحة الشيعية والتي ينضوي أغلبها في هيئة “الحشد الشعبي”، تبرز معادلة السلاح العشائري الذي بات يمثل تهديدا آخرا إلى سلطة الدولة واستقرارها، وهو ما اعتبره البعض تخادما ما بين بعض شيوخ العشائر الذين يسعون إلى السلطة والمنفعة الشخصية، ومع أطراف سياسية وجهات ميليشياوية تستخدمهم كبطانة مجتمعية تحمي مصالحهم في المناطق ذات النفوذ والمصلحة الحزبية.

تحديات اجتماعية للسّلاح المنفلت في العراق

ذلك عزز الانقسامات والتجاذبات المجتمعية بشكل غير مسبوق، لسبب أن السلاح المنفلت في إطار المفهوم الأمني والعسكري؛ هو وقوع السلاح بكل أنواعه بأيدي غير مسؤولة قانونيا ولا تخضع إلى ضوابط وشروط الاستخدام ضمن مؤسسات الدولة بكل مفاصلها ومستوياتها من أعلى منصب إلى الأدنى، وبالعكس، كما يبيّن نشوع.

جانب من مظاهر سلاح العشائري في العراق/ إنترنت + وكالات

النشوع أشار أيضا، إلى أن الدولة تُعتبر هي الراعي الأول في فرض وتقويم وتنفيذ متطلبات الأمن الوطني وتحقيق السلم المجتمعي بقوة سيادتها الذي يعتبر السلاح أحد أهم مقوماتها في فرض سلطتها القانونية والقضائية، وأن أي خلل في هذا الموضوع سيؤدي إلى الانتقال لمرحلة عدم الاستقرار والفوضى، لهذا أن التعامل مع السلاح بالنسبة للدولة فيه من المحاذير التي قد تودي لسوء الاستخدام، أو وقوع السلاح بأيدي ليس لها صله بمؤسسات الدولة، بما في ذلك ما يمكن أن يصدر من اجتهادات شخصية من قبل بعض المسؤولين في موضع ما، وهو ما شكّله حقيقة السلاح المنفلت الذي دمّر العراق والكثير من مفاهيمه المجتمعية والمهنية وحتى السياسية والاقتصادية.

يشار إلى أن قضية السلاح المنفلت في العراق، شكلت طيلة السنوات الماضية معضلة كبيرة وتحديات أمام أي رئيس وزراء يتسلم رئاسة الحكومة العراقية في حصره بيد الدولة، حيث أحرجت الفصائل المسلحة الحكومات السابقة، لاسيما حكومة مصطفى الكاظمي التي سبقت الحكومة الحالية، عندما استعرضت قوة عسكرية أمام أنظارها في المنطقة الخضراء معقل الحكومة والبعثات الدبلوماسية ببغداد، احتجاجا على اعتقال أحد قادتهم المتّهم بجريمة اغتيال.

تلك الفصائل تمثل دولة عميقة داخل الدولة في العراق، وتمتلك قدرات اقتصادية ومالية وسياسية، ولديها مصانع للسلاح والصواريخ والطائرات المسيّرة داخل بعض المناطق في البلاد، وتتلقى التدريب والتسليح والدعم المالي من إيران، ما منح طهران نفوذا واسعا داخل الأراضي العراقية.

الجدير بالذكر، أن ثمة 71 مليشيا رئيسية تنشط في العراق، ويبلغ مجموع عناصرها أكثر من 135 ألف عنصر مسلح ينتشرون على طول خريطة بلاد الرافدين، وتمارس نشاطات أمنية وأخرى اقتصادية وسياسية.

هذه المجموعات التي تُصنّف موالية أو حليفة لإيران في العراق، تُعدّ كأبرز الوحدات المسلحة غير النظامية في البلاد، والتي يمتلك قسم كبير منها أجنحة سياسة مُنحت ترخيصا خلال السنوات الأخيرة بخاصة ما بعد 2014، وهو ما عزّز موقف السلاح المنفلت الضاغط على كل مفاصل الحياة بشكل كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة