وقت ضيق جدا منحه “الإطار التنسيقي” لصالح القوى الكردية، لحسم خلافاتها حول المرشح الرئاسي الذي سيدخل “قصر السلام” في بغداد، فهل ينجح “البارتي” و”اليكتي”، بتجاوز خلافاتهما قبل نهاية المهلة الممنوحة؟

يُسرّع “الإطار التنسيقي”، من وتيرته للمضي بتشكيل حكومة عراقية جديدة، وهذا اتضح أكثر من خلال منحه مدة أسبوع واحد فقط للقوى الكردية لحسم خلافاتها حول المرشح لرئاسة الجمهورية، تمهيدا لتشكيل الحكومة.

صراع شرس يقترب من العام بين “الحزب الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني”، الكردستانيين على أحقية كل منهما بمنصب الرئاسة، لم يُحسم حتى اللحظة، وسط تمسّك كل طرف بمرشحه لرئاسة العراق.

“الديمقراطي” أو “البارتي”، رشّح وزير داخلية إقليم كردستان العراق، ريبر أحمد، لسباق الرئاسة، بينما رشّح “الاتحاد” أو “اليكتي”، الرئيس الحالي برهم صالح، مجددا لرئاسة جمهورية العراق.

من الأرجح؟

الطرفان اجتمعا عشرات المرات طيلة 10 أشهر بين السليمانية وأربيل، وفي كل مرة يقول “البارتي” و”اليكتي”، إن المفاوضات توصلت لنتائج إيجابية، لكن الواقع يؤكد عدم الوصول لاتفاق نهائي بين “البارتي” و”اليكتي”، فهل ستُعجّل مهلة “الإطار” بحسم الصراع الكردي؟

قصر السلام

مهلة الأسبوع أتت في وقتها، بحسب حيدر شاكر، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، الذي يقول لـ “الحل نت”، إن مهلة “الإطار” ضيّقت الخناق على “البارتي” و”اليكتي”، وستدفع نحو تجاوزهما عقدة الرئاسة، لكن بعد عبور المهلة.

الالتزام بالمهلة صعب للغاية، لكن مجرد وضعها ستُشعر “البارتي” و”اليكتي”، أن الأمر لم يعد بيد أي أحد منهما، وأن سيناريو 2018 سيتكرر في حالة عدم اتفاقهما على مرشح واحد لرئاسة العراق، وفق شاكر.

في 2018، لم يتفق “البارتي” و”اليكتي” على مرشح لرئاسة العراق، فدخل كل حزب منهما بمرشحه لجلسة البرلمان الخاصة بانتخاب الرئيس العراقي، وفاز حينها مرشح “اليكتي” برهم صالح، على منافسه من “البارتي”، فؤاد حسين، وزير الخارجية حاليا.

يخشى كل طرف تكرار ذات السيناريو، خاصة “الديمقراطي”، كونه ليس حليف “الإطار”، عكس خصمه المتحالف مع قوى إيران منذ نهاية الانتخابات المبكرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، على حد قول، حيدر شاكر.

الخشية من سيناريو 2018، ستدفع بالحزبَين للتفاوض بجدية والدخول بمرشح واحد لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية؛ لأنه لا أحد يضمن مزاجية النواب ووقوفهم مع أي مرشح في جلية التصويت، حتى “اليكتي” يخشى من عدم فوز مرشحه ولو بنسبة أقل من “البارتي”، بحسب شاكر.

الخلاف بين “الديمقراطي” و”الاتحاد”، سببه محاولة الأول كسر تفاهمات سابقة له مع الثاني منذ عام 2006، نتجت عن منح رئاسة العراق لصالح “اليكتي”، مقابل رئاسة حكومة إقليم كردستان لصالح “البارتي”.

“الديمقراطي” يرى أنه الأحق بالرئاسة وكسر التفاهم مع “الاتحاد”؛ لأنه الفائز الأول على حساب القوى الكردية في الانتخابات المبكرة الأخيرة، مقابل تراجع واضح لخصمه “اليكتي”، ولذلك لم يعد بالضرورة الالتزام بالتفاهمات السابقة.

“الاتحاد” يرفض كسر التفاهمات، ولا يفكر بالتنازل عن “حقه” برئاسة العراق، بحسبه، إلا إن كان المقابل إعطاء رئاسة حكومة كردستان العراق له، ولذلك لم يتوصل أي طرف لحسم خلافاته مع الآخر بعد.

الواقع الحالي غير الأمس، فكفة “اليكتي” هي الأرجح؛ لأن حليفه “الإطار” هو من سيشكل الحكومة العراقية الجديدة، عكس السابق، عندما كان “التيار الصدري” حليف “البارتي”، هو الساعي لتشكيل الحكومة قبل انسحابه من العملية السياسية، كما يقول حيدر شاكر.

لا برهم ولا ريبر؟

الواقع، جعل “البارتي” يقتنع بصعوبة حصوله على منصب الرئاسة، بحسب شاكر، لذلك يفاوض “اليكتي” للدخول بمرشح تسوية يمثلهما، غير برهم صالح وريبر أحمد، مقابل تنازلات يقدمها كل طرف حول خلافاتهما العالقة في الإقليم.

برهم صالح

الخلافات داخل الإقليم عديدة بين الطرفين، منها اعتراض “اليكتي” على قانون الانتخابات الحالي هو ومعظم القوى الكردية الأخرى، كونه صُمّم ليضمن فوز “البارتي” بفارق كبير على الجميع، في كل عملية انتخابية تجري داخل الإقليم.

من الخلافات الأخرى بين القوى الكردية، هو منصب محافظ كركوك، وتقاسم النفط والغاز بين “البارتي” و”اليكتي”، وعدم تزويد السليمانية بالأموال اللازمة لها، منها تسديد رواتب الموظفين وكذا الخاصة بالمشاريع الاستثمارية من قِبل أربيل.

يُعد “البارتي” الحزب الحاكم في أربيل، بينما يعد “اليكتي” هو الحزب الحاكم في السليمانية. الأولى عاصمة إقليم كردستان العراق، والثانية هي المدينة الأكثر سكانا بين مدن الإقليم، وتعتبر الأولى مقرّبة من أنقرة، والثانية مقربة من طهران.

يتزعم “الحزب الديمقراطي”، رئيس إقليم كردستان العراق سابقا، مسعود بارزاني، بينما يتزعم “الاتحاد الوطني” بافل طالباني، نجل مؤسس الحزب ورئيس العراق الأسبق، جلال طالباني، الذي توفي قبل 5 أعوام من اليوم.

سيحل الطرفان نزاعاتهما، وسيدخلان بمرشح تسوية، غالبا سيكون من “اليكتي” بقبول “البارتي”، والأكيد أنه لا عودة لبرهم صالح، ولا وصول لريبر أحمد، إلى “قصر السلام”، غير أن ذلك يتطلب تمديد المهلة من “الإطار”، بحسب حيدر شاكر.

شاكر يختتم، أن “الإطار” سيمدّد المهلة لمدة شهر على أبعد تقدير، وإن لم تنته الخلافات بين الحزبين الكرديين خلال شهر، فإن سيناريو 2018 هو الحل الذي سيتخذه “الإطار” وقتئذ، وحينها ستنتهي أزمة رئاسة الجمهورية، لكن “البارتي” و”اليكتي”، سيدخلان بصراعات لا نهاية لها داخل الإقليم.

إصرار “الإطار” على حل الخلاف الكردي؛ لأن تشكيل الحكومة الجديدة يشترط انتخاب رئيس للجمهورية من قبل مجلس النواب، ويقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة المعنية بتشكيل الحكومة، لرئاسة الحكومة الجديدة.

يريد “الإطار” وصول مرشحه، محمد شياع السوداني، إلى القصر الحكومي بأسرع وقت؛ لأنه يعتبر مصطفى الكاظمي، رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية، “أميركي الهوى” وضد مصالحه، ويصطف مع “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، لذا يريد تشكيل حكومة إطارية، وبالتالي نهاية الأزمة السياسية.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

سبب استمرار الأزمة السياسية

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

مسعود بارزاني وبافل طالباني

الميليشيات “الولائية”، هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخّل فصيل “سرايا السلام”، التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.