إضافة إلى مجموعة المشكلات التي يعيشها العراق، برزت مؤخرا مشكلة تتكرر بين الفينة والأخرى، وهي حالات الوفاة من جراء أخطاء طبية خلال العمليات الجراحية الخاصة، أو بسبب المضاعفات الصحية جراء تلك العمليات التي يُروّج لها على أنها آمنة وتجرى من قِبل كوادر طبية متقدمة ومختصة.

من أكثر تلك الأخطاء التي تتكرر بتلك الحالات هي جراحة قص المعدة، حيث يتوالى تسجيل حالات الوفيات بسببها في العديد من المستشفيات الخاصة في عدد من المحافظات العراقية.

ويقول البعض، إن الأخطاء الطبية في العراق تتكرر باستمرار، حالات مرضية بسيطة تنتهي بفقدان المريض لحياته، بسبب جرعات زائدة من التخدير أو نتيجة سوء التشخيص، مما عرّض سمعة الأطباء العراقيين للكثير من الضرر، ودفع كثيرا من المرضى العراقيين للجوء إلى السفر خارجا نحو الهند وتركيا والأردن وغيرها، بحثا عن السلامة وهربا من هذا المصير المأساوي.

ويأتي ذلك وسط تصاعد الدعوات من قِبل المواطنين للارتقاء بالقطاع الصحي المتهالك، وبتغليظ العقوبات على مرتكبي الأخطاء الطبية، وتشديد الرقابة على المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة، وخاصة فيما يتعلق بجراحات التجميل والتنحيف، التي يتم المطالبة بتشديد الرقابة حولها.

كما أن تداعيات تلك الأخطاء لا تقتصر على الوفيات فحسب، بل أنها تتسبب بعاهات مستدامة، والتي تسببت في عدد من الحالات إلى فقدان أصحابها إلى عافيتهم، لاسيما في عمليات التنحيف فضلا عن إصابات الشلل، وبحسب إحصائية كشفت عنها مصادر نيابية في البرلمان العراقي في وقت سابق، فإن المستشفيات العراقية شهدت نحو أربعة آلاف خطأ طبي منذ عام 2003، تسببت بالعديد من الوفيات وحالات الإعاقة.

وحول ذلك يقول (ع – ش) لموقع “الحل نت“، وهو طبيب في إحدى مستشفيات وزارة الصحة العراقية فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن “القطاع الصحي في العراق متردّي جدا، وطبيعي يكون ذلك وسط الفوضى التي يعيشها العراق منذ العام 2003 وحتى الآن بسبب الطبقة الحاكمة، ولا شك أن تدهور الوضع في أي مكان في العالم سينسحب ذلك على باقي مرافق الحياة في تلك البقعة“.

اقرأ/ي أيضا: آخر ضحاياها السيّاب.. النزاعات العشائرية تؤرق العراقيين

الفساد وعلاقتها بالأخطاء الطبية في العراق

المصدر الطبي، يضيف أن “القطاع الصحي في العراق يُعد أحد أكبر مصادر الفساد في البلاد لما يوفره من عقود ومناقصات حكومية بالتالي هذا المجال من حركة الأموال وتدفقها بشكل كبير يفتح شهية القوى السياسية الحاكمة على زمام الأمور، بالتدافع حول السيطرة على وزارة الصحة للسطو على الصفقات وغيرها ما توفره الوزارة من حيز مالي“.

بالتالي أن “من ضمن ذلك الحيز المالي، هو عملية التراخيص التي تُمنح للمراكز الصحية والتجميلية، والتي تستثمر فيها الجهة التي تسيطر على الوزارة، من خلال منحها من دون أي معاير لجهات ربحية لا غير، وهو ما أنتج عن بنية تحتية واسعة ركيكة في القطاع الخاص لا يمكن الوثوق بها“، حسبما يقول المصدر الطبي.

(ع – ش) كشف أيضا، أن “المراكز الطبية التي عادة ما يحصل فيها أخطاء طبية، هي غير مرخّصة ويكون العاملون فيها منتحلين لشخصيات طبية“، مشيرا إلى أنه “يمكن التأكد من ذلك من خلال متابعه مواقف وزارة الداخلية التي تعلن بين حين وأخر عن القبض على منتحل شخصية، أو إغلاق مركز غير مرخّص“، مبينا أن “تلك المراكز في الأساس تعمل أمام أنظار مراقبي الصحة لكن دفع الرشاوى يؤجل ملاحقتهم وإغلاقها، وهذا يكون على حساب المواطنين“.

كما أنه “إذا ما تمت العودة والتمعن جيدا في المراكز الصحية، وبخاصة التجميلية سنجد أن أغلبها إن لم تكن جميعها، مملوكة لجهات استثمارية من لبنان وسوريا، وحتى العاملين فيها هم من تلك الجنسيات، وواقعا هو ليس أكثر من جيب من جيوب جهات سياسية تملك أذرع مسلحة مدعومة من إيران، لخلق مصدر تمويل لمشاريعها السياسية، وهذا يشمل التخادم من حزب الله اللبناني وجماعات الحوثي التي صارت تنشط مؤخرا في مجال المطاعم على غرار نشاط الميليشيات العراقية وحزب الله في القطاع الصحي“.

من جانب آخر، يقول الخبير القانوني العراقي محمد السامرائي، “انتشرت مع الأسف بالآونة الأخيرة الأخطاء الطبية بشكل واسع بالعراق لأسباب عديدة، أهمها الإهمال وعدم الالتزام بالآليات والقواعد الطبية من قبل مرتكبيها، علما بأن العمل الطبي الجراحي بهدف المعالجة، مباح قانونا وفقا لأحكام المادة 41 من قانون العقوبات“.

“الأخطاء الطبية تتمثل وفق القانون العراقي في الإهمال والرعونة أو عدم اهتمام أو عدم أخذ الحيطة والحذر، وعدم الالتزام بالقانون، وفق المادة 35 من قانون العقوبات العراقي“، كما يشرح الخبير القانوني، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية“، ويضيف: “لا بد من أن تكون العمليات الجراحية تقتضيها المحافظة على الحياة وأن تكون ضرورية وملحّة، لذلك وبموافقة المرضى أو ذويهم، بعد قيام الأطباء بتنبيههم بمخاطر العمليات“.

اقرأ/ي أيضا: فشل النظام السياسي في العراق.. الملف نحو التدويل؟

الأخطاء الطبية والتبعات القانونية

فيما إذا ما لحق ضرر بالمريض أو توفي، نتيجة استشارات خاطئة أو صرف علاجات غير صحية أو إجراء عمليات جراحية خاطئة، وبشكل مباشر أو بمضاعفات، يؤكد السامرائي، أن “الخطأ الطبي هو السبب، والطبيب أو مقدِّم الخدمة الصحية يقع تحت طائلة المسؤولية القانونية، فإن حصلت وفاة عن طريق الخطأ الطبي، فوفق المادة 411 من قانون العقوبات، العقوبة تكون الحبس لمدة تتراوح ما بين سنة إلى 5 سنوات“.

أما إذا ترتّب على الخطأ الطبي أضرار أو عاهة مستديمة، فالعقوبة هي بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين، وفق المادة 2/416 من قانون العقوبات، بحسب المستشار القانوني، الذي أشار إلى أن “تزايد حالات العاهات المستديمة والوفيات نتيجة الأخطاء الطبية التي تمثل خروجا عن قواعد المهنة وأصولها، يستدعي الاسراع بتعديل قانون العقوبات وتشديد بنوده كي تكون رادعة للمستهترين بأرواح المواطنين“.

ولهذا طالب السامرائي، أنه “على البرلمان تشريع قانون المسؤولية الطبية، والذي يجب أن يتضمن بيان العمليات الجراحية المحظورة، وتشكيل لجان مركزية لتلقي الشكاوى عن الأخطاء الطبية كون العراق يفتقر لمثل هكذا قانون مهم، قياسا بالتطور التشريعي الطبي بمعظم دول العالم“، لافتا إلى أن “نطاقات العمل الطبي وجراحاته تطورت واتسعت، وباتت في العراق تزداد بوتيرة العمليات الجراحية التجميلية والتنحيفية، بيد أنها غير مغطاة قانونا“.

غير أنه من وجهة نظر المدير العام بوزارة الصحة العراقية نبيل حمدي بوشناق، “العراق كغيره من دول العالم فإن ثمة أخطاء طبية تقع بالطبع، وبعضها ربما يتم خلطها مع مضاعفات العمليات الجراحية التي قد لا تكون بالضرورة بفعل خطأ طبي“، مبيّنا أن “أي عملية جراحية تترتب عليها ولا شك مضاعفات تتراوح حدتها وخطورتها تبعا لطبيعة العملية، والحالة الصحية للمريض وغير ذلك من تفاصيل كل حالة، بل حتى أن أي حبّة دواء نأخذها عادة لها أعراض جانبية“.

لكن المسؤول الصحي عاد وأشار، إلى أنه علاوة على ذلك “كثيرا من العمليات الجراحية التجميلية مثلا أو المشابهة لعملية قص المعدة، وخاصة في عدد من المستشفيات والعيادات الخاصة، تجري بأيد غير آمنة وغير محترفة، حيث كل من هب ودب في غالبية المستشفيات الأهلية يقوم بإجرائها، فمثلا نحن كوزارة صحة نمنع إجراء عمليات غير ضرورية في المستشفيات الحكومية، من قبيل عمليات قص المعدة مثلا أو تعديل حاجز الأنف وتجميله، أو تصغير الثدي أو تكبيره، وغيرها من عمليات لا تعتبر منقذة للحياة، وعدم إجراءها أصلا لا يشكل خطرا حتى“.

الجشع والرقابة والأخطاء الطبية

بيد أن “المستشفيات الخاصة هي تحت رقابة نقابة الأطباء، ورغم أن النقابة أيضا متقيدة عامة بتعليمات ولوائح الوزارة حول شروط إجراء العمليات الجراحية المختلفة، لكن مع ذلك قد يحدث أحيانا خرق لها وإخلال من قبل مستشفيات القطاع الخاص“، وفق ما جاء في حديث بوشناق، لـ “سكاي نيوز عربية“.

وبيّن أنه “مثلا في عمليات قص المعدة يتم أحيانا وضع كابسات زهيدة الثمن لربطها، لكنها قد تفلت داخل المعدة فيما بعد مسببة نزيفا حادا بسبب رداءتها وقلة جودتها، فمتوسط تكلفة عملية ربط المعدة يبلغ نحو 5 آلاف دولار أميركي، لكن عندما يتم إجراءها مثلا بمبلغ 3 آلاف دولار، فإن هذا يعني ولا شك استخدام مواد وأدوات طبية رخيصة الثمن وغير آمنة“، موجها نصيحته إلى أنه “في حالة وقوع أخطاء طبية خلال تلك العمليات، نرجو من المتضررين من ذلك اللجوء لنا، نحرص ولا ريب على الدفاع عنهم وإحقاق حقوقهم وتعويضهم، ومحاسبة مرتكبي تلك الأخطاء الطبية، عبر الجهات القضائية“.

المدير العام في وزارة الصحة العراقية، بوشناق، اختتم قائلا: “هكذا بفعل الجشع لدى البعض في الوسط الطبي مع الأسف، والتنافس غير الشريف والبعيد عن أخلاق مهنة الطب النبيلة بين أطباء ومستشفيات خاصة، يتم إجراء عمليات كبيرة كجراحة تكميم المعدة بأدوات رديئة، وبطرق لا تستوفي الشروط الصحية الصارمة اللازم توفرها، سعيا وراء زيادة الأرباح على حساب صحة المرضى وسلامتهم“.

بالتالي، أن مراكز صحية كثيرة باتت تشكل خطرا صحيا على النساء والرجال الذين يقصدونها في العراق في حين على ما يبدو أن التحذيرات لن تمنع وجود مراكز التجميل المحمية من بعض الجهات السياسية، والمملوك بعضها لمستثمرين وجهات مدعومة من سياسيين عراقيين، ومراكز أخرى لمستثمرين لبنانيين وإيرانيين.

حيث أصبحت مراكز التجميل في العراق، من الجهات التي تشهد إقبالا واسعا عليها، ولا تقتصر على النساء فقط بل الرجال أيضا، حيث تم افتتاح العشرات منها في مناطق مختلفة ببغداد، أبرزها الجادرية، المنصور، الكرادة، زيونة، شارع فلسطين، وغيرها، فضلا عن المحافظات الأخرى، وتسببت العديد منها بمشاكل صحية ومضاعفات جراء عمليات حقن البوتكس، والفيلر، وعمليات شفط الشحوم والتنحيف.

وسط تلك الفوضى، يعاني القطاع الصحي في العراق من تدهور كبير، حيث تظهر إحصائيات أن نحو 190 مستشفى حكومي شيّد في العراق بين عامي 1956 و2001 تتوزع في أنحاء العراق، بينها 45 في العاصمة بغداد.

اقرأ/ي أيضا: الفساد في مناقصات المقاولات الحكومية بالعراق.. الأسباب والنتائج

مشكلة القطاع الصحي في العراق

غالبية هذه المستشفيات ضخمة وذات قدرات استيعاب كبيرة جدا، وبينها مستشفى الرشيد العسكري ومستشفى غالب بن عبد الله الليثي العسكري أيضا، الذي أُغلق بعد حل الجيش السابق، ونهبت محتوياته ما بعد العام 2003، في حين أن عدد المستشفيات الحكومية التي شُيدت بعد عام 2003 تسعة فقط، بينها أربعة بتمويل من منظمة الأمم المتحدة والجيش الأميركي، مقابل وجود 235 مستشفى خاص.

إضافة إلى أن اتساع القطاع الصحي الخاص على حساب القطاع الحكومي، يعكس واقع اعتبار القطاع الصحي استثمارا جيدا في العراق، علما أن هذه المستشفيات تقدم خدمات طبية بكلفة باهظة، ما يجعل روّادها من أصحاب الدخل المرتفع، في وقت يعيش أكثر من ربع الشعب العراقي تحت خط الفقر، بحسب إحصائية رسمية حديثة.

فيما لا يقتصر فقر القطاع الصحي في العراق على شح المستشفيات ورداءتها، بل أن هناك نقصا كبيرا في الكوادر الطبية، إذ تكشف إحصائية أن عدد الأطباء في البلاد لا يتجاوز 27 ألفا، مع وجود نقص حاد في تخصصات محددة مثل؛ التخدير وطب الأعصاب وجراحة المسالك البولية، حيث أدت عمليات الاغتيال التي استهدفت عشرات الأطباء بعد العام 2003 إلى هجرة أعداد كبيرة منهم خارج العراق أو إلى إقليم كردستان، مما أحدث فجوة كبيرة لم تستطع الحكومة تعويضها.

 وهذا كله بمعزل عن ما تعانيه المستشفيات الحكومية في العراق من نقص كبير في المستلزمات الطبية والأدوية وقلة النظافة، ناهيك عن أن القدرة الاستيعابية للمستشفيات لا تزال أقل من 45 ألف سرير، وهو رقم غير منطقي في بلد يسكنه أكثر من 40 مليون شخص.

بالمقابل، تُقدر حاجة البلاد إلى نحو 300 مستشفى، في وقت يجب هدم نحو 80 مستشفى باتت غير صالحة للاستخدام، كما أن إحصاءات رسمية تشير إلى أن نسبة الأطباء في العراق لا تتجاوز 0,8 لكل ألف مواطن، والممرضين 2,1 لكل ألف مواطن، أما عدد أسرّة المستشفيات فتبلغ 1,1 لكل ألف مواطن.

اقرأ/ي أيضا: لصدر يوافق على الحوار بشروط.. ما مصير العملية السياسية في العراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.