قوى تقليدية تتصارع منذ عام على تشكيل الحكومة، وأخرى صاعدة تحاول استغلال المشهد للإعلان عن نفسها كقوة سياسية جديدة تتبنى مطالب السواد الأعظم من العراقيين، الذين عبّروا عن رفضهم لأطراف النظام السياسي الحالي في احتجاجات العام 2019، ليفتح ذلك باب السؤال حول إذا ما كانت قادرة على شغل حيزا في الساحة السياسية كبديل ناجح؟

حيث تستعد الكيانات السياسية الجديدة التي انبثقت مما باتت تُعرف باحتجاجات “تشرين“، التي اندلعت في العام 2019، مطالبة بإجراء بإصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة السياسية بين الأحزاب السياسية في البلاد، من خلال تعديل قانون الانتخابات وإجراء انتخابات مبكرة، تستعد لإعلان تحالف جديد باسم “قوى التغيير“.

تحالف “قوى التغيير“، يأتي بعد فشل القوى السياسية التقليدية في تشكيل حكومة جديدة منذ انتهاء الانتخابات المبكرة بمثل هذا اليوم من العام الماضي، وهو ما عكس فشلا ذريعا في إجراء إصلاحات يمكن أن تُخرج البلاد من فوضى سوء الإدارة والفساد، حسبما يرى مراقبون، وبعد أن امتنعت أغلبها في المشاركة في الانتخابات بدعوى عدم توفر الأجواء المناسبة، لتعود مجددا إلى المشهد في ظل الحديث عن إعادة الانتخابات مجددا كحل للأزمة التي تعصف بالبلاد.

“قوى التغيير”، تضم الحزب الشيوعي العراقي، وحراك البيت العراقي، وحزب البيت الوطني، وحركة نازل آخذ حقي، وحزب الأمة، والتيار المدني الديمقراطي، وشخصيات سياسية مستقلة، إضافة إلى نواب مستقلين، منهم: سجاد سالم ونور نافع ومحمد نوري وداود العيدان وغيرهم، ومن المقرر أن يجتمعوا في الـ15 من الشهر الجاري في العاصمة بغداد، المصادف الأسبوع المقبل.

اقرأ/ي أيضا: انسلاخ “التيار الصدري” عن الطبقة السياسية العراقية؟

وجهة نظر

في هذا الشأن يقول المهتم في الشأن السياسي علي الشمري، لموقع “الحل نت“، إن “المُضي نحو إعلان تحالف جديد خطوة في غاية الأهمية وإن جاءت متأخرة كثيرا، فهي محاولة باتجاه لم شتات القوى المدنية وتوحيد قوتها، وتوزيعها في مناطق النفوذ“، مشيرا إلى أنها “الخطوة التي يجب أن تتم بعناية شديدة وبعيدا عن المصالح الشخصية والتدافع“.

ويضيف، أنه “لا يمكن الحُكم مبكرا على التجربة سواء بالفشل، أو النجاح، لكنها بالمُجمل في الوقت الحالي، هي خطوة مهمة وتمهّد لعقد سياسي جديد، لذلك لا بد من أن تراعي هذه الكيانات ذلك وتكون مدركة أنها محط تناول الجميع، وبذل أقصى الجهود لتذليل العقبات وتدارك الأخطاء بشكل نوعي“.

الشمري، لفت إلى أن “الفرصة سانحة جدا أمام القوى الجديدة، لاسيما مع فقدان الشارع العراقي للأمل بالقوى التي تسيّدت المشهد منذ العام 2003، ومع ما تمر به من صراع داخلي فيما بينها حول السلطة، فإذا ما تمت مراعاة كل هذه العوامل لا شك سيكون النجاح حليف القوى المدنية الجديدة“.

كما أشار، إلى أن “التوقيت مهم للغاية بخاصة على ما يبدو لا يوجد مخرج للأزمة الحالية بين القوى السياسة التي تعارض كلا منها مساعي الأخرى في تشكيل حكومة جديدة، بالتالي لا بديل عن إعادة إجراء الانتخابات، وإجراء انتخابات جديدة يعني في أقل التقديرات يحتاج إلى ما لا يقل عن العام من التحضيرات والاستعدادات ولذلك ستكون فرصة سانحة للتنظيم والاستعداد الجيد“.

تأتي هذه التطورات بعد أن اشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

اقرأ/ي أيضا: الميليشيات العراقية وصراع الوجود.. لماذا يتقاتل الخصوم على البصرة؟

الأزمة السياسية وسياقها

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع سببه مهاجمة القوات الأمنية المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها فصائل موالية لـ“لإطار“، ومنضوية تحت راية “الحشد الشعبي“، لأنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” الجناح المسلح التابع للصدر للدفاع عن أنصاره من المتظاهرين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

فشل مشروع الصدر

“إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

اقرأ/ي أيضا: الصدر يُجمّد “السرايا”.. هل ينجح الكاظمي بكبح جماح الميليشيات العراقية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.