أربعة أشهر مرت منذ أن تسارعت وتيرة المفاوضات المتعلقة بملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، إلى أن توصل الجانبان أخيرا إلى صيغة نهائية للاتفاق بوسطة أميركية، فما هي مكاسب الجانبان من الاتفاق النهائي.

لبنان وإسرائيل، يواجهان تحديا الآن، في كيفية الاستفادة من الاتفاق، وما ينتج عنه من حصولهما على ثروات من الغاز المستَخرج من البحر المتوسط بواسطة شركات أجنبية، لا سيما وأن لبنان يفتقد للبنية التحتية ويعاني من آثار انفجار بيروت وفساد داخلي، كذلك إسرائيل بوتيرة أقل تعاني من تحديات سياسية وداخلية متعلقة بحكومتها.

اتفاق يرضي لبنان

الرئاسة اللبنانية أكدت الثلاثاء في بيان، أن الصيغة النهائية للعرض الأميركي بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل “مرضية للبنان وتلبي مطالبه وحافظت على حقوقه في ثروته الطبيعية“.

وحول المكاسب المتوقعة من الاتفاق، أشار تقرير لصحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن الاتفاق ينظم سبل استغلال حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، ونقلت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، قوله، إن “الصفقة ستعزز أمن إسرائيل وتضمن استقرار الحدود الشمالي، وستضمن ضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي“.

وفي وقت تعتبر السلطة في لبنان، الاتفاق بمثابة “انتصار لها“، فإن اللبنانيون يتمنون أن يساعدهم الاتفاق من الخروج من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، في حين تتخوف شريحة واسعة، من أن يؤدي الفساد في مؤسسات الدولة إلى ضياع الثروات وعدم الاستفادة منها، بما يضمن المضي قدما من إنهاء معاناة الشعب اللبناني على الصعيد الاقتصادي.

قد يهمك: مشاكل تهدد العلاقات الأميركية السعودية؟

لبنان يواجه أيضا تحديات كبيرة في الاستفادة من غاز المتوسط، لا سيما وأنه ما زال يعاني من تبعات انفجار بيروت، فضلا عن افتقار البلاد للبنى التحتية اللازمة لاستغلال الغاز، ما يفتح الباب أمام الحديث عن استعانة حكومة بيروت بخبرة الشركات الأجنبية لإدارة الغاز المستخرج من حقل “قانا“.

مكاسب هامة

الصحفية اللبنانية ميساء عبد الخالق، رأت أن الاتفاق سيساهم في مكاسب اقتصادية مهمة للبنان، مشيرة إلى أن الاتفاق يمثل أيضا أبعاد سياسية وأمنية، فضلا عن المكاسب الاقتصادية لكل من إسرائيل ولبنان.

ميساء قالت في حديث خاص مع “الحل نت“، “لا شك أن الاتفاق سيساهم في مكاسب اقتصادية للبنان، لا سيما في ظل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها، لأن لبنان وفقا لتصنيف البنك الدولي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ القرن التاسع عشر، وبالتالي هذا الاتفاق يعني فتح باب أمل للبنانيين، في ظل انسداد الأفق السياسي نظرا لتعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد، علما أن ولاية الرئيس الحالي تنتهي مع نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي وفي ظل فشل مجلس النواب في إعلان تشكيل حكومة جديدة لأن حاليا حكومة تصريف الاعمال“.

اتفاق ترسيم الحدود تعرّض للانتقاد من قِبل شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين اعتبروا أن الخط 29، هو النقطة الأحق للبنان بالإضافة إلى الخط 23، إذ يعتقد هؤلاء أن الاتفاق وفقا للخط 23، أضاع شيء من حقوق لبنان، لكن عبد الخالق، تشير إلى أن “هذا الاتفاق يبقى أفضل من غيره“.

في اعتقاد عبد الخالق، قأن للاتفاق أبعاد أخرى بعيدة عن الاقتصاد، فجاء الاتفاق ضمانا للاستقرار الأمني على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وحول ذلك تضيف، “الاتفاق أعطى اطمئنان على الحدود، أعتقد أن الوضع على الحدود سيبقى آمنا، يبدو أن التهدئة سيدة الموقف على الحدود بين لبنان وإسرائيل“.

بحسب ما أعلن لبنان، فإن الشركة الفرنسية “توتال”، ستبدأ عملية التنقيب عن النفط والغاز فور الانتهاء من مذكرة التفاهم بين لبنان وإسرائيل في شأن الحدود البحرية الجنوبية، لكن هناك فئة من اللبنانيين بحسب ما تنقل عبد الخالق، تتخوف من تعمل هذه الطبقة السياسية إلى تقاسم الحصص.

عبد الخالق توضّح هذه المخاوف قائلة، “نحن نتخوف في حال بدء لبنان بالتنقيب عن ثروته أن تعمل هذه الطبقة السياسية إلى تقاسم الحصص، نأمل أن يكون النواب الجدد استفادوا من التجارب السابقة وأن يعملوا للصالح العام من أجل خلاص لبنان، من براثن الأزمة الاقتصادية، بيان الرئاسة اللبنانية أمس كان واضحا أن السلطات اللبنانية، اعتبرت أن لبنان أخذ حقه في ملف الترسيم ولبنان راض عن هذا الاتفاق“.

وبعد الانتهاء من الوصول إلى الصيغة النهائية، يتوقع اليوم أن تصادق حكومة إسرائيل على مسودة الاتفاق، ويتم توقيعه خلال الفترة المقبلة، حيث أكدت العديد من الصحف الإسرائيلية أن الاتفاق أصبح ناجزا وفي مراحله النهائية.

الاتفاق يضمن لإسرائيل الحصول على كامل حقل “كاريش”، الواقع ضمن الخط 29 من الجانب الإسرائيلي، ستبدأ كذلك الحفريات في حقل الغاز المحتمل في الجانب اللبناني المسمى “قانا“، الواقع عند حدود خط 23، ما يعني أنه سيتم تعويض إسرائيل عن جزء من حقل قانا (الثلث تقريبا) الموجود ما بعد الخط 23 إلى الجانب الإسرائيلي، في حال بدأ استخراج الغاز من هذا الحقل.

كما أثار الاتفاق حفيظة شريحة من اللبنانيين، فقد شهدت الأوساط الإسرائيلية اعتراضا على مضمون الاتفاق، خاصة في صفوف المعارضة السياسية، التي انتقدت بنود الاتفاق كذريعة.

معهد دراسات الأمن القومي يقول، إن الأخبار عن الاتفاق أثارت العديد من ردّات الفعل في أنه ينص على تقديم تنازلات كثيرة، والتي تساءلت عمّا إذا كانت حكومة تصريف الأعمال مخولة بالمصادقة عليه أصلا، حسبما نقل “معهد دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي.

تقرير المعهد اعتبر أن التدقيق في بنود الاتفاق التي تم نشرها، يفضي إلى أن مضمونه، يضمن إيجابيات للطرفين معا، ويخلق بينهما وضع الفوز المتبادل.

حول ذلك يقول المعهد الإسرائيلي، “بالنسبة إلى لبنان، الذي يعاني جراء أزمة اقتصادية هي الأصعب في تاريخه، فإن الأرباح التي سيكسبها هي في الأساس أرباح اقتصادية، إذ ينص الاتفاق على أن الحفريات في حقل “قانا” ستبدأ مباشرة، بعد أن كانت الشركات تتفادى الاقتراب من هذه المنطقة“.

معلومات حول ثروات المتوسط

حقل “كاريش” للنفط والغاز الطبيعي، الذي ضمنته إسرائيل بموجب الاتفاق، يقع في المياه الإقليمية بحوض البحر الأبيض المتوسط، ويبعد 100 كلم عن السواحل الإسرائيلية، وحوالي 75 كلم عن ساحل حيفا، تقدر مساحة الحقل بنحو 150 كيلومترا مربعا، ووفقا لوزارة الطاقة اللبنانية، فإن الحقل يبعد نحو 4 كلم فقط عن حدودها مع إسرائيل، وتحديدا في البلوك رقم 8، و7 كلم عن البلوك رقم 9، وهما تابعان للمياه الإقليمية اللبنانية.

حجم الاحتياطات من الغاز الطبيعي في حقل “كاريش“، يقدر بنحو 1.3 تريليون قدم مكعب، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الاحتياطات يتراوح بين 1.5 تريليون إلى 2 تريليون قدم مكعب، بحسب تقرير لموقع قناة “الجزيرة“.

مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية يقدر بنحو 22 ألف كيلومتر مربع، في حين تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا.

يُقدّر حجم الاحتياطي البحري اللبناني من النفط بنحو 865 مليون برميل، وتقدر حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه البحر المتوسط بنحو 96 تريليون قدم مكعب.

جذور أزمة حقل “كاريش“، تعود إلى عام 2011، بحسب التقرير، حين أودع لبنان لدى الأمم المتحدة إحداثيات حدوده البحرية الجنوبية، معتمدا الخط رقم 23، بينما اعتمدت إسرائيل الخط رقم واحد.

ومع وصول الاتفاق إلى مراحله النهائية، استُبعدت خيارات المواجهة العسكرية بين الجانبين، وفي حين أن الجانب الإسرائيلي ضمن مكاسبه الاقتصادية والأمنية من الاتفاق، فإن لبنان تنتظره تحديات عديدة داخلية وخارجية، للاستفادة من الاتفاق لا سيما على الصعيد الاقتصادي.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.