“ناس بتصرف ملايين وناس بتصرف مو ملاقية تاكل” تقول رهف بصمه جي، وهي سيدة تعيش في دمشق مع عائلتها المكونة من ستة أفراد، وذلك تعليقا على انتشار عمليات التجميل في سوريا، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد.

انتشار التجميل

رغم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتراجع القدر الشرائية لمعظم السوريين، كان لافتا انتشار عمليات التجميل والمراكز المسؤولة عن هذه العمليات في سوريا، وذلك رغم الأسعار المرتفعة لهذه العمليات التي قد تصل للملايين في بعض الأحيان.

بصمه جي قالت في حديث لـ“الحل نت“، “نعم عمليات التجميل منتشرة بشكل مخيف، دائما حديث الصديقات والأقارب خاصة الإناث عن عمليات التجميل، وأي العيادات أفضل وأي المراكز أرخص، وهذه العمليات تكلف مئات الآلاف وأحيانا ملايين“.

استغربت بصمه جي، مما سمته بـ“البزخ” في الصرف على عمليات التجميل، بينما هناك أناس لا يستطيعون تأمين الأساسيات، وحول ذلك أضافت: “هناك أشخاص يصرفون الملايين على هذه العمليات، بينما هناك أشخاص فقراء حولهم، لكل شخص أولويات لكنني أرى أن الأولى مساعدة الفقراء بدلا من هذا البزخ“.

أشارت بصمه جي، أن عائلتها تعيش على راتب زوجها الموظف في مؤسسات الدولة، إضافة إلى عمله بعد دوامه الرسمي، كسائق مكرو، وذلك لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية في ظل غلاء المعيشة.

وتزيد بالقول، “لا يمكن للموظف الحكومي التفكير بهذه الكماليات، سمعت في بعض التقارير أن المليارات يتم صرفها على عمليات التجميل، وكأن هؤلاء يعيشون في كوكب آخر، وليست في نفس البلد التي لا نجد فيها أبسط مقومات الحياة، ونعاني إذا ارتفعت أسعار السكر والرز قليلا“.

قطاع الطب التجميلي، أصبح من أبرز القطاعات في الاقتصاد السوري مؤخرا، حتى أن قرار منع استيراد مواد التجميل، تسبب بضرر للاقتصاد، بحسب ما أكد خبراء اقتصاديون، وذلك قياسا على الإنفاق الشهري والسنوي في هذا القطاع.

وتعد الجراحات الترميمية، والمعالجة عن طريق الحقن، من أبرز أقسام التجميل المنتشرة في سوريا، وتشمل “تجميل أنف، تكبير صدر عن طريق زرع حشوات، حقن البوتوكس“.

قد يهمك: “المواطن ما حدا مراعيه“.. أسعار جديدة تناسب الكلفة التشغيلية في سوريا

صحيفة “الوطن” المحلية، قدّرت الإنفاق الشهري للسوريين على قطاع التجميل بمليارات الليرات، مشيرة إلى أن “معظم هذا الإنفاق يصرف على الإجراءات التي تعتمد على الحقن والحشوات، وكلاها لا تشملهما قائمة المواد المسموح باستيرادها، فأصبحت تُعامل معاملة الممنوعات مع العلم أنها لا تُنتج محليا وليس لها بديل“.

أسعار بالملايين

حول أسعار عمليات التجميل في سوريا، أوضح طبيب التجميل طلال يازجي، أن أسعار الحق التجميلية تتراوح بين 300 إلى 400 ألف ليرة سورية، بالنسبة للبوتكس التي يُعاد حقنها للزبون (نساء ورجال) كل ستة أشهر، حيث تتم هذه العملية في عيادة الطبيب.

يازجي أضاف في تصريحات للصحيفة المحلية، “عمليات التجميل الترميمية؛ (تكبير وشد الثدي أو الأرداف) يقوم بها الطبيب في المشفى وتصل تكلفتها إلى ملايين الليرات، حيث يبلغ سعر الحشوة المخصصة لتكبير الثدي مليونان إلى مليونين ونصف المليون ليرة، تضاف إليها أجور الطبيب والمشفى“.

كذلك أشار الطبيب إلى أن قرار منع استيراد مواد التجميل، ساهم بارتفاع أسعار هذه المواد، بعدما أصبحت تدخل البلاد بطرق غير قانونية، كما أصبحت تصل بجودة أقل ومن دون الاهتمام بشروط النقل والتخزين.

لفت يازجي إلى أن “سعر حشوات السيليكون المخصصة لترميم الثدي ارتفع إلى خمسة ملايين أي ما يقارب الضعف إضافة إلى أنها لا تخضع للرقابة الصحية، ما قد يعرضها للتلوث الجرثومي، وبالتالي تصبح مهددة لصحة المريض وسمعة الطبيب“.

بدورها تتحدث مها السيد، عن تجربتها في إجراء عملية تجميل الشهر الماضي، مؤكدة أن عمليات التجميل أصبحت تشكل أولوية لدى البعض، لكن بأشكال متفاوتة، فالبعض يرى في الأنف والأسنان مثلا أولوية بالنسبة له.

تشرح السيد وجهة نظرها خلال حديثها لـ“الحل نت“، وتقول “منذ ثلاث سنوات وأنا أعمل من أجل التوفير لهذه العملية، كانت أولوية بالنسبة لي، وكنت أعاني طبيا وتجميليا، في كل مرة أنجح في تجميع المبلغ كانت الأسعار ترتفع، إلى أن قررت أختي المقيمة في ألمانيا الشهر الماضي، مساعدتي ودفع ما تبقى من مبلغ العملية“.

وتضيف “ليس كل من يتوجهون لمراكز التجميل، هم من أصحاب الثروات، بعض الأشخاص أصبحت عمليات التجميل من أولوياتهم، وربما يفضلونها على شراء الهاتف المحمول مثلا، هناك أيضا الجرحى الذي يتم علاجهم بالتجميل، وهناك كذلك من يصرف الملايين دون أن يهتم فعلا للفقراء“.

الخبير الاقتصادي شادي أحمد، أكد من جانبه على ضرورة إعادة السماح باستيراد المواد التجميلية، حيث أن استيراد هذه المواد “رفد خزينة الدولة في حال تم إصدار قوانين تنظم هذه العملية، بحيث يتم من حسابات المستوردين الشخصية من دون تمويل من البنك المركزي كي لا تؤثر على سعر الصرف“.

أحمد اعتبر أن هذه التجارة تخدم عددا كبيرا من الأشخاص، وذلك بحكم وجود الكثير الإصابات بين السوريين من جراء الحرب، مما يحتم ضرورة القيام بعمليات ترميمية وتجميلية، بحسب ما صرّح لـ“الوطن“.

أسئلة لم تعد غريبة على صفحات التواصل الاجتماعي، وضمن محادثات النساء والرجال أيضا، مع الإقبال الكبير على عمليات التجميل، كما يصفه أصحاب المهنة، والرغبة الشديدة لدى الكثيرين بتصحيح عيوبهم كما يروها، ومن أبرز هذه الأسئلة: “صبايا بدي دكتور تجميل شاطر أعمل أنفي بمين بتنصحوني؟“، “حابة أعمل نحت جسم، حدا بيعرف دكتور شاطر ومو غالي؟“.

اختصاصي الجراحة التجميلية، وأمين سر الرابطة السورية لأطباء الجراحة التجميلية والترميمية، الدكتور رزق الفروح قال في تصريحات سابقة، إن “عمليات التجميل في الآونة الأخيرة، شهدت إقبالا كبيرا من الرجال والنساء، فربما لم تعد مساحيق التجميل كافية لتلبية الرغبة في إظهار الجمال أو تغطية العيوب“.

الفروح أردف، في حديث لوسائل إعلام محلية قبل أسابيع قائلا: “بات الكثير يلجؤون إلى الحقن، والشد وتجميل الأنف دون مراعاة الآثار الجانبية الكارثية أحيانا، إن تمت بيد غير خبيرة في مراكز التجميل غير المرخصة من وزارة الصحة، والتي انتشرت بكثرة أيضا وبحاجة إلى رقابة صارمة” من قبل الجهات المعنية.

تتفاقم الأزمات الاقتصادية في سوريا، مع تواصل ارتفاع تكاليف المعيشة ومختلف أسعار السلع والخدمات الأساسية، في ظل عدم تقديم الحكومة في دمشق، أي خطة من شأنها تحسين دخل المواطن ليتناسب مع التضخم الحاصل في البلاد

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، الإثنين الماضي أشارت إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

وجاء في الدراسة أيضا، “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط“.

عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي، أكد قبل أيام أن جور العاملين في الجهات العامة باتت منفصلة عن الواقع، ومن غير المنطقي أن تعطي أجرا لموظف عن شهر كامل لا يكفيه لأكثر من يومين.

تيناوي أوضح، في تصريحات صحفية سابقة، أن: “حاجة الأسرة السورية اليوم لا يقل عن 1,5 مليون ليرة شهريا، وهو ما يعادل 10 أضعاف الأجور التي يحصل عليها معظم العاملين في الجهات العامة وللذين لا يزيد أجرهم الشهري على 150 ألف ليرة“.

استقالة أصحاب الكفاءات

نتيجة لتدني الأجور والرواتب في القطاع الحكومي، فقد شهد الأخير خلال السنوات الماضية، آلاف الاستقالات لأصحاب الكفاءات في مختلف الاختصاصات، ذلك ما اعتبره تيناوي، “مؤشرا واضحا على تردي الحالة المعيشية وبحث أصحاب الاستقالات عن فرص عمل بديلة“، محذرا من تحول “لاستقالات إلى ظاهرة تسهم في تفريغ المؤسسات العامة من الخبرات والعاملين الذين لديهم مؤهلات“.

قد يهمك: الكهرباء لمواجهة الشتاء في سوريا.. “على الوعد يا كمّون”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.