أزمة جائحة كورونا وتداعياتها التي أثرت على معظم الاقتصادات العالمية وساهمت في ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وما زاد الطين بلة هو الغزو الروسي لأوكرانيا الذي ألقى بظلاله أيضا على الاقتصاد العالمي، من نقص سلاسل التوريد والعرض والطلب داخل الأسواق، إلى ارتفاع أسعار النفط عالميا، الأمر الذي يلعب دورا هاما ورئيسيا في معدلات الأسعار، وما يترتب على ذلك من ارتفاع في مستويات التضخم في معظم الدول، بما في ذلك دول الخليج وخاصة السعودية.

التضخم في السعودية

على إثر نتيجة زيادة أسعار الأغذية والمشروبات والسكن ارتفع معدل التضخم في السعودية، لشهر أيلول/سبتمبر الفائت، إلى 3.1 بالمئة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، التي صدرت اليوم، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.

الهيئة العامة للإحصاء، عزت في تقرير لها، هذا الارتفاع إلى زيادة أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 4.3 بالمئة، وأسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع وقود أخرى بنسبة 3.2 بالمئة، موضحة أن قسم الأغذية والمشروبات، تأثر بارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 4.6 بالمئة، والتي تأثرت بدورها بارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 6.5 بالمئة.

هذا وكان لارتفاع هذا القسم تأثير كبير في ارتفاع التضخم السنوي في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، نظرا لوزنه في المؤشر (18.8 بالمئة). الهيئة أردفت في تقريرها أن قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع وقود أخرى، تأثرت بارتفاع أسعار إيجارات السكن بنسبة 3.6 بالمئة، فيما سجل قسم النقل ارتفاعا بلغت نسبته 3.8 بالمئة، متأثرا بارتفاع أسعار شراء المركبات بنسبة 4.6 بالمئة.

بحسب البيانات، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.3 بالمئة على أساس شهري في أيلول/سبتمبر الفائت، مقارنة مع آب/أغسطس الفائت، حيث تأثر مؤشر التضخم الشهري بارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 1 بالمئة.

بحسب الخبراء الاقتصاديين، فإنهم أرجعوا التضخم في السعودية في وقت سابق إلى “ارتفاع معدل ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب ارتفاع في أسعار السلع العالمية الأساسية وغير الأساسية، هذا فضلا عن أن السلع المستوردة انعكست أيضا على السلع المحلية بشأن نسبة التضخم، إضافة إلى زيادة الطلب على السكن”.

الخبراء أشاروا أيضا، إلى أن زيادة الانفاق خلال فترة الصيف، يساهم أيضا في زيادة نسبة التضخم في قطاع النقل والمواد الغذائية، وخاصة بعد رفع الحظر نسبيا زاد من ارتفاع الطلب في قطاع المواد الغذائية، والتي تأثرت أيضا بالقيمة المضافة.

قد يهمك: تبعات قرار “أوبك بلس” بخلطة سياسية اقتصادية.. من تتحدى الرياض؟

معدل البطالة في السعودية

محافظ البنك المركزي السعودي، فهد المبارك، كشف أن الاقتصاد السعودي استمر بتحقيق معدلات نمو مرتفعة، حيث تشير التقديرات للربع الثاني من عام 2022 إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 11.8 بالمئة على أساس سنوي. جاء ذلك خلال أعمال اجتماع الدورة الاعتيادية السادسة والأربعين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، الذي تستضيفه المملكة ممثلةً بالبنك المركزي السعودي في جدة، وفق تقرير لصحيفة “عكاظ”، مؤخرا.

المبارك، أوضح أن مستويات التضخم في المملكة لا تزال ضمن المعدلات “المقبولة”، حيث سجّل معدل التضخم ارتفاعا سنويا نسبته 3 بالمئة في شهر تموز/يوليو للعام الجاري، مضيفا “في ظل هذه التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي أشرت إليها، أما في ما يخص قطاع العمل، فقد استمر الانخفاض في معدل البطالة العام ليصل إلى 6 بالمئة للربع الأول للعام الحالي، كذلك استمر الانخفاض في معدل البطالة للسعوديين ليصل إلى 10.1بالمئة في الربع الأول من العام الحالي، محققا تحسنا ملحوظا مقارنة مع عام 2020، حيث سجلت البطالة 12.6 بالمئة، والذي بلغت فيه نسبة البطالة العالمية معدلات عالية بسبب أثر الجائحة. ويتماشى هذا الانخفاض مع خطط المملكة في تخفيض نسبة البطالة وصولا إلى المعدل المستهدف في عام 2030 وهو 7 بالمئة”.

بدوره، أفاد رئيس الدورة محافظ البنك المركزي التونسي الدكتور مروان العباسي، أن المصارف المركزية تضطلع بدور محوري في ترسيخ فرص الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي، وتنسيق السياسات لمواجهة التحديات الراهنة وتعزيز سلامة القطاع المالي والمصرفي، حيث تبرز في ضوء هذه الظروف أهمية المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي الكلي، كشرط أساسي ولازم لمواجهة التحديات الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.

رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، عبدالرحمن الحميدي، قال من جانبه، “التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي وفقا للتقديرات الأخيرة للمؤسسات المالية الدولية سيحقق معدل نمو بنحو 3.2 بالمئة لعام 2022، و2.9 بالمئة لعام 2023، بعد أن كانت تلك التقديرات متفائلة نسبيا في بداية العام نحو 3.5 بالمئة، و4.4 بالمئة على التوالي، ليعكس هذا الخفض في التوقعات وضع حالة عدم اليقين وما ستسفر عنه التطورات العالمية واحتمالية دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ما يسمى بالتضخم الركودي، حيث تشير آخر التقديرات إلى ارتفاع معدل التضخم العالمي، ليبلغ نحو 8.3 بالمئة في عام 2022، و5.7 بالمئة في عام 2023 مقارنة بمعدل 3.2 بالمئة، و4.7 بالمئة في عامي 2020 و2021 على التوالي”.

قد يهمك: ما موقف أميركا من السعودية بعد قرار “أوبك بلس”؟

كيف تأثر الخليج بالتضخم العالمي؟

مما لاشك فيه، أن دول الخليج لم تكن بمنأى عن التأثيرات التي أصابت الاقتصاد العالمي على خلفية جملة من الأحداث والتطورات التي عصفت بالساحة الدولية. وعلى الرغم من أن النفط، الذي شهدت أسعاره ارتفاعات قياسية خلال الشهور الماضية، يشكل الرافد الأساسي لاقتصادات دول الخليج، إلا أن ذلك لم يعفها من التأثر بالتضخم الذي أصاب حتى كُبريات الاقتصادات في العالم.

حيث أن أزمة جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما رافقه من ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط وبالتالي ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات حول العالم، كانا من الأسباب في حدوث التضخم بدول الخليج.

جهاز التخطيط والإحصاء القطري، أعلن منتصف أيار/مايو الفائت، عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين خلال نيسان/أبريل الماضي، بنسبة 4.66 بالمئة على أساس سنوي بدعم من ارتفاع أسعار 8 مجموعات رئيسة. وبحسب بيانات الجهاز، فإن السكن والكهرباء والماء والوقود والثقافة والترفيه والغذاء والمشروبات، هي أبرز القطاعات التي تدعم معدلات التضخم في تلك الدولة الخليجية.

كما وسجلت الكويت أكبر ارتفاع في نسب التضخم، بين دول مجلس التعاون الخليجي، إذ فاق 4.5 بالمئة، ويعود ذلك إلى اعتماد الكويت على الاستيراد بشكل كبير، إذ تستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجتها من المواد الغذائية من الخارج، وهي مواد ارتفعت أسعارها بسبب ارتفاع تكاليف النقل والشحن، وفق تقرير سابق لشبكة “بي بي سي”.

بحسب بيانات الإدارة الكويتية المركزية للإحصاء، سجّلت الكويت ارتفاعا في الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين بنسبة 4.52 بالمئة في أيار/مايو الماضي على أساس سنوي. تعتبر الأرقام القياسية لأسعار المستهلك أداة لقياس مستويات الأسعار إما بشكل شهري أو سنوي، وهو ما يساهم في قياس نسبة النمو أو الانكماش الاقتصادي لأي بلد، ما يسمح للدولة المعنية بوضع خطط اقتصادية ومالية ونقدية.

في إطار الأسباب، قال عدة باحثين اقتصاديين، إن “أسبابا عدة أسهمت مجتمعة في ارتفاع معدلات التضخم حاليا، منها الانفتاح الاقتصادي بعد الإغلاق الكبير بسبب أزمة كورونا، وقابل ذلك الانفتاح ضغوط عالية على الطلب في ظل انخفاض معدلات الإنتاج وانخفاض آخر في سلاسل الإمداد العالمية، واكب ذلك ارتفاع أسعار حاويات الشحن البحري لتصل إلى مستويات قياسية بسبب ارتفاع أسعار النفط والطاقة نتيجة اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية وما ترتب على ذلك من فرض عقوبات على موسكو”، وفق تقرير لموقع “اندبندنت”.

الباحثون الاقتصاديون، أشاروا إلى إن “ارتفاعات أسعار النفط أخيرا في ظل استمرار أزمة روسيا وأوكرانيا ساعدت في زيادة إيراداتها، وهو أمر إيجابي لصالح تقليص عجز الميزانية، ورفع مستوى الإنفاق في البلد، وتحريك العجلة الاقتصادية”.

هذا ووفقا لأرقام الوكالة، جاءت قطاعات “المواد الغذائية والمشروبات والسجائر والألبسة والمفروشات والخدمات السكنية والاتصالات”، في مقدمة القطاعات التي سجّلت أرقاما قياسية. ووفق أرقام البنك الدولي تتصدّر الكويت قائمة البلدان الخليجية التي سجلت ارتفاعا في معدلات التضخم تليها سلطنة عمان ومن بعدها الإمارات، فالبحرين وقطر، وتأتي السعودية في المرتبة الأخيرة مع نسبة تضخم بنحو 2.5 بالمئة.

قد يهمك: مشاكل تهدد العلاقات الأميركية السعودية؟

ما الإجراءات؟

في إطار الإجراءات للحد من التضخم، أصدرت البنوك المركزية في دول الخليج العربي مطلع أيار/مايو الفائت، قرارات بزيادة الفائدة، والتي تُعد من بين أدوات السياسات المالية الحكومية لسحب السيولة من الأسواق وخفض معدلات التضخم محليا بهدف الحفاظ على النمو الاقتصادي وعدم تدهوره.

بحسب تقرير الخبراء الاقتصاديين، فإنه “بلا شك التضخم له آثارا سلبية كبيرة، لا سيما وأنه يشكل عائقا للنمو الاقتصادي، وذلك لسبب رئيس وهو، أن ارتفاع الأسعار يؤدي في نهاية الأمر إلى تدهور قيمة العملة المحلية، وبالتالي القضاء على قيمتها الادخارية، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بها، وهروب المستثمرين إلى قنوات استثمارية أكثر أمانا وحدوث مشاكل اقتصادية كبيرة”.

بالتالي، فإن أحد أهم حلول، هي تلك التي تأتي من داخل البنوك المركزية كإحدى أهم أدوات السياسات النقدية، برفع معدلات الفائدة، والتي بدورها تسحب المعروض النقدي داخل الاقتصاد للسيطرة على معدلات التضخم في المستويات المعقولة، بحيث لا يعيق ذلك النمو الاقتصادي.

كانت السعودية قد قرّرت في وقت سابق تخصيص 20 مليار ريال سعودي (5.3 مليار دولار) لدعم الأسر المستحقة في مواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية. بحسب وكالة “الأنباء السعودية”، فإنه سيتم تخصيص نصف هذا المبلغ، حوالي 10.4 مليار ريال (2.77 مليار دولار) كمساعدات نقدية مباشرة لمستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن الذي أطلقته السعودية عام 2017، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، بينما ستخصص بقية المبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية والتأكد من توفرها.

قبل الإعلان السعودي كانت حكومة الإمارات أقرّت إعادة هيكلة “برنامج الدعم الاجتماعي لمحدودي الدخل” بنحو 7.6 مليار دولار أمريكي تخصص للأسر الإماراتية ذات الدخل المحدود، أي تلك التي لا يتجاوز دخلها 25 ألف درهم شهريا (نحو 6800 دولار أميركي شهريا). كما وتعتبر الإمارات، التي لا تتجاوز نسبة مواطنيها الـ 20 في المئة من إجمالي سكانها، من أكثر البلدان ارتفاعا في مؤشر غلاء المعيشة.

هذا وقد أدى ارتفاع التضخم على نحو قياسي في أنحاء العالم إلى رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة، وهو ما يهدد بركود عالمي. أما التضخم في الخليج خاضع لسيطرة أكبر بفضل إجراءات تطبقها الحكومات مثل فرض سقف لأسعار الوقود وما إلى ذلك، حيث حتى الآن، تبقى نسب التضخم في الدول الخليجية، في حدود مقبولة، خاصة إذا ما قورنت بالارتفاع الذي شهدته دول صناعية كبرى، تراوحت الزيادة في نسب التضخم فيها بين 8 و 10 بالمئة.

قد يهمك: توتر العلاقات بين أميركا والخليج بسبب “أوبك بلس” فرصة للتمدد الإيراني؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.