مجموعة “أوبك بلس” التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” وبلدان من خارج “أوبك” مثل روسيا، اتفقت على تخفيض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من تشرين ثاني/ نوفمبر القادم، ويصنف هذا التخفيض بالأعلى تاريخيا منذ أزمة انخفاض أسعار الطاقة الناتجة عن جائحة “كورونا”. بحسب مجموعة “أوبك بلس” جاء التخفيض بعد توقعات بدخول الاقتصاد العالمي لحالة من الركود، لاسيما في الصين ودول الاتحاد الأوروبي، والذي ترافق مع تراجع الطلب على النفط في السوق الدولية للطاقة. لكن الولايات المتحدة الأميركية اعترضت على قرار منظمة “أوبك” بلاس واعتبرته خطرا على الاقتصاد الأميركي.

قد يهمك: توتر العلاقات بين أميركا والخليج بسبب “أوبك بلس” فرصة للتمدد الإيراني؟

مع تخطي الأسعار مستويات 80 – 125 دولار لبرميل النفط طالبت أميركا السعودية، بزيادة إنتاجها وضخه في الأسواق الدولية، لكن الرياض لم تستجيب للطلب الأميركي، وتعهدت بالتزامها بقرارات “أوبك بلس”، ولجأت الولايات المتحدة الأميركية بعد ارتفاع الأسعار على مدار الأشهر الماضية، إلى السحب من المخزون الاستراتيجي للنفط  بغية السيطرة على ارتفاع الأسعار، وقد أعلنت واشنطن عزمها عن توقيف السحب من المخزون الاستراتيجي، وإذا تم تنفيذه بطبيعة الحال سينعكس على ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وسينعكس هذا الارتفاع على حظوظ بايدن في تخطي الانتخابات التجديدية النصفية المقبلة. كما تتهم واشنطن الرياض بمساندة روسيا بالتزامها في تخفيض الانتاج، لأن ذلك سيعود على الروس بإيرادات مالية ضخمة نتيجة ارتفاع أسعار موارد الطاقة، وكل ذلك دفع الرئيس الأميركي إلى التلويح بتفعيل قانون “نوبك”.

في هذه السطور نناقش قانون “نوبك” وآلية عمله، وسيناريوهات وانعكاسات تفعيله من قبل الولايات المتحدة الأميركية ضد منظمة “أوبك” لاسيما السعودية.

قانون “نوبك”

الولايات المتحدة تضغط على منظمة “أوبك” ولاسيما على السعودية من خلال التلويح بتفعيل قانون “نوبك” الذي يسمح للمحاكم الأميركية برفع دعاوى قضائية ضد منظمة “أوبك”، بتهمة الاحتكار وتقييد إنتاج النفط أو الغاز أو تحديد أسعارهم، وتصنيف ذلك مخالفا للقانون الأميركي. وقبل إحالة القانون إلى المحاكم القضائية الأميركية لابد أن يجتاز التصويت من قبل مجلسي الشيوخ والكونغرس ويحصل على موافقة رئيس الدولة بايدن، وفي حال تم تمرير القانون من الكونغرس ومجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين سيكون القانون بشكل رسمي نافذا، من دون توقيع الرئيس الأميركي عليه، بمعنى لا يستطيع الرئيس الأميركي استخدام حق “الفيتو” على تمرير القانون، لكن يبقى للرئيس سلطة في أن يأمر وزارة العدل الاتحادية بإعادة النظر في القانون وفي الدلائل المتوفرة مما يؤخر من تطبيق القانون ربما لسنوات.

تاريخيا تم تمرير قانون “نوبك” من الكونغرس ومجلس الشيوخ في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش، لكن حينها بوش تجاهل القانون، ولم يستخدم حق الفيتو ولم يطبق القانون، وأعيد تمرير القانون في عهد الرئيس الأسبق أوباما، الذي تجاهل أيضا التصديق على القانون. وفي عهد ترامب لم يمرر الحزب الجمهوري القانون من مجلسي الشيوخ والكونغرس، بحكم متانة العلاقات بين الرئيس ترامب والسعودية في ذاك الوقت.

سيناريوهات وانعكاسات تمرير قانون “نوبك”

السيناريو الأول تمرير القانون وتطبيقه، إذا أُقر المشروع بشكل نهائي، فإن من شأنه أن يعرض دول “أوبك” لتجميد كافة استثماراتهم في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة السعودية التي تبلغ قيمة استثماراتها نحو تريليون دولار، ومن المهم ذكره أن تحقق هذا السيناريو لا يستند فقط على ارتفاع اسعار الطاقة عالميا، بل في رغبة أميركا خنق روسيا التي تستفيد ماليا من واردات أسعار الطاقة المرتفعة.

انعكاسات هذا السيناريو خطيرة على سوق الطاقة الدولية من جهة، وعلى علاقة أميركا بالسعودية من جهة أخرى.

من المتوقع أن تبدي دول “أوبك” بما فيهم السعودية ردة فعل سلبية تجاه سوق الطاقة الدولية، وقد يكون قرار تخفيض إنتاج النفط هو أول قرار تتخذه دول “أوبك”، والذي سيؤدي إلى حدوث أزمة طاقة دولية تنعكس بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي وعلى داخل الولايات المتحدة الأميركية. من جهة انعكاس القرار على علاقة أميركا بالسعودية فقد نشهد تحول يمكن القول عنه جذري في علاقة البلدين، لاسيما أن أمريكا تشهد عملية إعادة انتشار لقواتها حول العالم، وتسحب جزء من قواتها من الشرق الأوسط في سعيها لمواجهة الصين، أيضا السعودية في الفترات الأخيرة تحاول بناء علاقات يمكن القول عنها أنها استراتيجية مع الصين، لاسيما في مجال الاقتصاد والصناعات العسكرية.

السيناريو الثاني تمرير القانون مع عدم تطبيقه، وهو السيناريو الأرجح والذي نشهده خلال الفترة القادمة، وسيكون تطبيقه كما في المرات السابقة، لن تسمح مؤسسات الدولة العميقة للولايات المتحدة الأميركية بتمرير القانون حتى لو تم  تمريره من قبل الكونغرس ومجلس الشيوخ ووقع عليه الرئيس بايدن، فيستطيع الرئيس أن يأمر المحكمة العليا بالبحث عن دلائل لإثبات تورط “أوبك” في التلاعب بأسعار النفط، وهذه العملية تحتاج لوقت طويل، وقد تخرج بنتيجة سلبية في نهاية المطاف، بمعنى سيكون تمرير القانون أداة في يد الرئيس الأميركي جو بايدن، لاستخدامه بمثابة ورقة لمساومة السعودية ودول منظمة “أوبك” الأخرى للتراجع عن تخفيض إنتاج النفط.

السيناريو الثالث عدم تمرير القانون، وهو سيناريو مستبعد في الوقت الحالي ونقصد هنا في المدة المتبقية للانتخابات النصفية، لأن بايدن بأمس الحاجة له كأداة للضغط على منظمة “أوبك” والسعودية للتراجع عن التخفيض.

بالنتيجة تحاول حكومة بايدن الحالية تحصيل مكاسب من السعودية عبر التهديد بتفعيل قانون “لا أوبك”، والذي قد يؤدي تمريره بشكل فعلي إلى تراجع العلاقات بين البلدين إلى نقطة قد تنتهي معها العلاقات الاستراتيجية، وقد تتجه السعودية إلى الشرق ونقصد هنا الصين وروسيا. لكن أميركا تعي جيدا الاضرار من تفعيل قانون “نوبك” على سوق الطاقة الدولية والاقتصاد الدولي، وعلى فقدان حليف قوي مثل السعودية في الشرق الأوسط، لذلك من المستبعد أن يطبق القانون وقد يتم تمريره فقط للتهديد به. 

يضم تحالف “أوبك بلس” 23 دولة، من بينها السعودية وروسيا، ويجتمع بصورة منتظمة لاتخاذ قرارات بشأن حجم إنتاج النفط الخام عالميا، ويضم التحالف أعضاء منظمة “أوبك” الأساسيين وهم 13 دولة.

يمثل خفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل نفط يوميا، والذي سيدخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حوالي 2 بالمئة من إمدادات النفط عالميا.

اقرأ أيضا: هل تُقر واشنطن قانون “نوبك” لمعاقبة “أوبك”؟

قرار خفض الإنتاج جاء بعد أن انخفضت أسعار النفط عالميا إلى 79 دولارا للبرميل الواحد، وبعد خفض كمية الإنتاج عادت أسعار النفط لترتفع إلى 95 دولار للبرميل الواحد.

واشنطن اعتبرت قرار خفض الإنتاج لمساندة روسيا من قِبل السعودية والإمارات وبقية أعضاء منظمة “أوبك”، وذلك ما يجعل موسكو التي تُعد ثاني دولة مصدّرة للطاقة في العالم، تستفيد من إيرادات النفط باستمرار غزوها لأوكرانيا.

منظمة “أوبك” تأسست في بغداد عام 1960 ومقرها في فيينا، وهي مجموعة من البلدان التي تدير تكتلا يتحكم في أسعار وإنتاج النفط في جميع أنحاء العالم، مع الدول الشريكة لها في “أوبك بلس”، بما في ذلك روسيا، وتسيطر على 70 بالمئة من جميع النفط المتداول دوليا، و80 بالمئة من جميع احتياطيات النفط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.