لا يكاد يمر أسبوع في سوريا إلا وترتفع فيه أرقام التضخم، وتضرب موجات جديدة من ارتفاع الأسعار مختلف السلع والخدمات في البلاد، حتى أصبح التساؤل عن جدوى رفع الرواتب والأجور في البلاد، ومدى تأثيره الإيجابي على تقليل حجم الفجوة بين مصاريف الأسرة السورية ومتوسط الدخل.

يبدو أن قطار الأسعار تجاوز خطط الحكومة في محاولاتها مساعدة السوريين على مواجهة الصعوبات المعيشية، حيث أن المسؤولين الحكوميين يتحدثون منذ نحو عام عن خطة لزيادة الأجور والرواتب، ومنذ ذلك الوقت ضربت موجات عديدة من الارتفاع أسعار المواد الأساسية بما فيها المحروقات، ولم يتم إقرار خطة الزيادة بعد.

في اعتراف منه على عجز الحكومة عن وقف تحليق الأسعار في سوريا، قال أمين سر “جمعية حماية المستهلك” في دمشق عبد الرزاق حبزة، إن الغلاء مستمر بشكل يومي بالإضافة إلى إحجام بعض الموزعين للمواد الغذائية وغير الغذائية عن البيع، مشيرا إلى أن التعامل فعليا لجميع الفعاليات التجارية والصناعية في السوق أصبح بالقطع الأجنبي ما دفعهم للحذر أثناء البيع خوفا من الخسارة نتيجة ارتفاع سعر الصرف.

تضخم غير منطقي

حبزة اعتبر في تصريحات نقلتها منصة “غلوبال نيوز” المحلية، أن “التضخم مؤخرا في الأسواق السورية أصبح غير طبيعي وغير منطقي”، لكنه لم يتحدث عن أي خطة حكومية لمواجهة ارتفاع الأسعار، حيث أن ضبط الأسواق يعتمد بالدرجة الأولى على الإجراءات الاقتصادية الحكومية، أما عن خطة زيادة الرواتب فبرأي المسؤول الحكومي “ستؤدي إلى تفاقم المشكلة وليس حلها”.

ارتفاع الأسعار في سوريا لم يتوقف منذ بداية العام الجاري، فالفترة التي تلت عيد الأضحى الفائت فقط، ارتفعت الأسعار فيها بمعدل وسطي بلغ 25 بالمئة، في وقت أن الجهات المعنية “في دائرة مغلقة ولا تعرف كيف ستخرج منها” حسب تصريحات حبزة، الذي دعا أيضا إلى اتخاذ إجراءات سريعة وفورية للحد من ارتفاع سعر الصرف لما له من آثار سلبية وانعكاس مباشر على الأسواق.

“لم يعد لها قيمة” يصف الخبير الاقتصادي محمد شيخ خالد، خطة الحكومة السورية المتعلقة برفع الأجور والرواتب التي يتم الحديث عنها منذ أشهر، مؤكدا أن أي خطة لزيادة الأجور يجب أن تتجاوز نسبتها 1000 بالمئة، حتى نتحدث عن تحسّن ملحوظ في مستوى معيشة السوريين.

قد يهمك: الكهرباء تزيد من معاناة السوريين.. كيلو “البوظة” بـ 70 ألف ليرة

شيخ خالد أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “الخطة متأخرة كثيرا، منذ نحو عام كان الحديث عن زيادة بنسبة 50 بالمئة، وهي نسبة لا تُغني ولا تُسمن من جوع، ومنذ ذلك الوقت ارتفعت الأسعار بما يزيد عن 150 بالمئة، المعادلة أصبحت صعبة، يجب أن تتضاعف الأجور عدة مرات حتى يتم الحديث عن تحسّن مستوى المعيشة شريطةَ أن تكون هناك خطة لثبات الأسعار وإلا بقينا في ذات الدوامة”.

ارتفاع الأسعار لم يوفر حرفيا أي مادة في سوريا، وكان الأساس ارتفاع أسعار المحروقات الذي أثر بشكل سلبي وسريع على جميع السلع، لدوره الأساسي في عملية الإنتاج، وخلال العامين الماضيين شهدت أسعار هذه المواد ارتفاعات متكررة، ففي العام 2020 كان سعر مادة البنزين 575 ليرة، بينما وصل سعره اليوم إلى 8600 ليرة.

معظم الموظفين في القطاع العام يتفقون على أن الراتب لا يكفي، فالأجر الشهري الذي قد لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية، في أحسن الأحوال لا يكفي لتغطية مصروفات العائلة لأكثر من 48 ساعة. وقد يكون ذلك الراتب كافيا لشراء منظفات ومحارم لمدة يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، ولا يمكن أن يغطي باقي متطلبات المعيشة الأساسية الأخرى.

ارتفاع بالملايين

بحسب تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية الصادر مؤخرا، فإن متوسط تكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أفراد، قفز إلى أكثر من 6.5 مليون ليرة سورية، في حين وصل الحد الأدنى إلى 4.1 مليون ليرة سورية، بحسب “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة”، في الوقت الذي لم يزد فيه الحد الأدنى للأجورعن 92 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 10 دولار تقريبا.

التقرير الذي رصد ارتفاع متوسط تكاليف المعيشة، اعتمد على الحاجات الأساسية للفرد من الغذاء الضروري، وبناء على الارتفاع في أسعار السلع الغذائية، فقد سجل شهر تموز/يوليو الجاري، ارتفاع متوسط معيشة الأسرة في سوريا بحوالي 890 ألف ليرة سورية، وذلك عن متوسط التكاليف التي سجلها مؤشر “قاسيون” في نهاية شهر آذار/مارس الماضي.

الحد الأدنى لراتب الموظف الحكومي الثابت عند 92 ألف ليرة، كان غير قادر في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، على تغطية سوى 1.6 بالمئة، من متوسط تكاليف المعيشة، ومع الارتفاع في أسعار مختلف السلع أصبحت مشاركته في متوسط التكاليف لا تتجاوز 1.4 بالمئة.

فقط خلال الثلاث أشهر الماضية، رصد التقرير ارتفاع أسعار اللحوم في سوريا بحوالي 17.8 بالمئة، في وقت ارتفعت فيه أسعار الحلويات بمقدار 10.3 بالمئة، أم الألبان والأجبان فارتفعت بمتوسط نسبة 12.5 بالمئة، وهناك العديد من المواد الغذائية ارتفعت بنسب كبيرة كالبيض الذي سجل ارتفاعا وصل نسبته إلى 41.7 بالمئة، حيث انتقلت تكلفة 50 غرام منه يوميا من حوالي 667 ليرة في آذار/مارس، إلى 944 ليرة في تموز/يوليو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات