في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تخيم على الحياة اليومية للشعب السوري، يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للبحث عن وسائل متنوعة لتأمين متطلبات العيش. فمنهم من يلجأ إلى الاستدانة من الأهل والأصدقاء، وآخرون يتّجهون إلى المقرضين الذين يفرضون فوائد مالية، بل وصل الأمر ببعضهم إلى الاقتراض بالعملات الأجنبية، مع فرض الفوائد بها أيضاً.

وفي سياق متصل، أُثيرت مؤخراً مجدداً النقاشات حول إمكانية حذف الأصفار من الليرة السورية، في خطوة قد تبدو بسيطة لكنها تحمل في طياتها تغييرات معقدة. إذ يُعتقد أن حذف صفر واحد قد يكون كافياً لتسهيل التعاملات اليومية دون الحاجة لإعادة طباعة العملة بأكملها، خاصةً وأن التضخم لم يبلغ بعد مستويات تستدعي حذف ثلاثة أصفار أو أكثر. 

وهنا تُطرح الأسئلة حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستجعل من العملة الوطنية مجرد سلعة في سوق العملات؟

الدين بالفائدة

في ظل الأزمات المالية التي تعصف بالحياة اليومية، يروي شاب لموقع “أثر برس” المحلي، معاناته في تأمين تكاليف عملية جراحية باهظة الثمن، حيث اضطر للاستدانة من معارفه بشروط مالية مرهقة، متحمّلاً فائدة إضافية تقدر بملايين الليرات.

متظاهرون سوريون يحرقون الأوراق النقدية بالليرة السورية. (تصوير أنس الخربوطلي/غيتي)

ويشاركه القصة مواطن آخر، يجد نفسه مدفوعاً للعمل بعد التقاعد، فيلجأ إلى الاقتراض لتمويل مشروعه الخاص في صناعة الألبان ومشتقاتها، معرّضاً نفسه لدفع فوائد شهرية ضخمة، فمقابل اقتراض مبلغ 75 مليون ليرة للبدء بمشروعه، سيسدّد عبر دفعات بعد مضي 3 أشهر وكل شهر يدفع فائدة عليهم مليون ونصف.

تُضيف سيدة أخرى إلى السرد، حيث تحكي عن حاجتها الماسة لمبلغ مالي كبير وقدره 100 مليون ليرة سورية لتأمين سفر ابنها، مما دفعها للتعامل مع مقرضين يفرضون فوائد مالية بالعملة الأجنبية، تُثقل كاهلها شهرياً.

وفي هذا الإطار، يُسلط المحامي عبد الفتاح الداية، الضوء على الجانب القانوني لمسألة الفائدة في القانون السوري، موضّحاً الخط الفاصل بين الفائدة المشروعة و المراباة، ومؤكداً على العقوبات القانونية للفوائد المبالغ فيها والتي تتجاوز الحدود المسموح بها، مشدّداً على أن القانون يُجرم استغلال الحاجة المادية للأشخاص ويُعاقب على الرّبا الفاحش بعقوبات قد تصل إلى السجن.

في حوار معمّق مع الداية، يُلقي الضوء على بعض الجوانب القانونية الدقيقة المتعلقة بالديون والفوائد في النظام القضائي السوري. يُشدد على أن القانون يُعاقب بشدة على استغلال الحاجات المادية للأفراد، مُقررًا عقوبات تتراوح بين الغرامات الباهظة والسجن. 

يؤكد الداية على أن الفائدة المفرطة، التي تتجاوز الحدود المسموح بها قانونياً، تُعد جريمة يُعاقب عليها القانون، ويُمكن للمدين إثبات ذلك بوسائل الإثبات المتاحة، بما في ذلك الشهادة الشخصية واليمين الحاسمة، للدفاع عن حقوقه وتجنب الظلم المالي.

العملة الوطنية مهددة بالانهيار؟

في تحليله الدقيق لمسار الاقتصاد السوري، يُعرب الخبير الاقتصادي علي ديب، عن تحفظه في إصدار توقعات محددة بشأن مستقبل الليرة السورية، مُشيرا إلى أن مزيجاً من العوامل السياسية والميدانية والاقتصادية يُعقد المشهد.

المدير العام للمصرف التجاري السوري، محمود مثقال، وهو يقف أمام صورة الرئيس السوري بشار الأسد، يتفقد ورقة اليورو بعد أن أطلق سفير الاتحاد الأوروبي في سوريا مارك بيريني العملة الجديدة بتحويل اليورو إلى الليرة السورية في المصرف في دمشق. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

واستقر سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، خلال تداولات اليوم الاثنين 18 آذار/مارس 2024، في عموم المحافظات السورية. حيث بلغ سعر صرف الدولار، عند سعر شراء يبلغ 13850، وسعر مبيع يبلغ 14000 ليرة سورية للدولار الواحد.

يُقلل ديب من احتمالية حدوث انهيار مفاجئ للعملة، مُؤكداً على قدرتها المستمرة في أداء وظائفها الأساسية كوسيلة للتبادل، على الرغم من تناقص شأنها كأداة للادخار.

وفي حديثه لموقع “كيو ستريت” المحلي، يلاحظ الخبير زيادة الطلب على الليرة السورية، مدفوعا بضرورات الشراء الرمضانية والتحويلات المالية من المغتربين، مما أسهم في تراجع الطلب على الدولار وأدى إلى تحسّن طفيف في قيمة الليرة السورية.

لكن الخبير الاقتصادي يرى أن الحاجة ملحّة لإعادة صياغة السياسات الاقتصادية في سوريا، مؤكدا على ضرورة تطوير استراتيجية تتناسب مع الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد. ويشدد على أهمية التخلي عن النهج الاقتصادي السائد والتوجه نحو إدارة اقتصادية تتلاءم مع حالة النزاع، بعيداً عن إلقاء اللوم على العقوبات الغربية وحدها.

ويعلّق ديب على التحديات الراهنة، لافتا إلى أن تدهور قيمة الليرة السورية مقابل الدولار يمثل عبئاً إضافيا يثقل كاهل المواطنين، في ظل الحرب المستمرة. وهذا التدهور يُعمّق الفوارق الطبقية، وهو ما يتجلى بوضوح في العاصمة دمشق، في حين يكافح الغالبية العظمى من السوريين يومياً لتأمين الاحتياجات الأساسية للحياة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات