الزيارات الدينية تكاد لا تنقطع في العراق، البلد الذي يحتضن العديد من المراقد والمقامات، حيث يقصده ملايين الزوار الأجانب من مختلف بقاع العالم، إلا أن هذه الزيارات بدأت تلفها المخاطر مؤخرا، بسبب ما تخلفه من كميات كبيرة من النفايات والتي تقدر بمئات الآلاف من الأطنان، حيث بدأ سكان المدن التي تحتضن المراقد الدينية، باستشعار الروائح الكريهة، إثر تصاعد الغازات السامة من مكبات النفايات التي يتم حرقها بطرق غير صحية، أو تركها لممتهني نبش النفايات، إثر ذلك، بدأ المواطنون يعانون من ثلاثة مخاطر بيئية ناجمة عن تلك النفايات، وهي التلوث في التربة والهواء والمياه، فضلا عن المشاكل البيئة الأخرى في العراق، والتي لم تجد حلولا إلى هذه اللحظة.

اقرأ أيضا: أكثر ثلاث مؤسسات عراقية تساهم في التلوث البيئي

مدينة كربلاء جنوبي العراق، تحتضن أكبر تجمع بشري في العالم بزيارة “أربعينية الحسين”، وتعتبر هذه الزيارة من أهم المناسبات عند الشيعة، حيث تخرج مواكب العزاء في مثل هذا اليوم ويتوافد مئات الآلاف من الشيعة من كافة أنحاء العالم إلى أرض كربلاء لزيارة قبر الحسين، ويقوم الملايين من الزوار بالحضور إلى كربلاء مشيا على الأقدام بأطفالهم وشيوخهم من مختلف مدن العراق البعيدة.

أطنان من الطعام تُستهلك خلال هذه الزيارات، وتصل إلى مئات الآلاف خلال زيارة الأربعين، وذلك بسبب أعداد المواكب التي تنتشر لتقديم الخدمات إلى الزوار المتوجهين إلى كربلاء. لا تبدوا مدن العراق في حاجة إلى مزيد من الأزمات في بلد يعاني سكانه الأّمرين، حيث لا تتعلق الأزمات في العراق بالأوضاع الأمنية والسياسية فقط، فثمة أزمات أخرى في قطاعات الماء والكهرباء والطرق والمستشفيات وغيرها.

ليس من المستغرب، تراكم النفايات وتبعثرها في أطراف المدن وتحولها إلى قنبلة بيئية وصحية موقوتة، حيث تفاقمت أزمة النفايات مع مر الأيام واتسعت المكبات على نحو غير مسبوق، وفي أفق لا تلوح فيه أي حلول حكومية في المدى المنظور على الاقل، يحدث هذا في بلد يتصدر دول العالم في الاحتياطات النفطية، مما يدفع العراقيين إلى التساؤل عن أسباب انهيار الخدمات في بلادهم، واختفاء الطرق الصحية في التخلص من النفايات. لكن واقع الحال وتهم الفساد التي توجه باستمرار إلى الحكومات المتعاقبة في العراق، ربما تؤشر إلى أن انتظار سكان العراق، لخدمات تتناسب مع ثروات بلادهم قد تطول، بينما تنتظر بيئة العراق الحلول.

تقع على عاتق الدولة

في هذا الصدد، تقول “العتبة العباسية”، إحدى المؤسسات الدينية في العراق، والتي تُعنى في الزيارات الدينية لدى الشيعة، إنها تمتلك الآليات والمعدات الخاصة بها، وعبر فرق خاصة تقوم بجمع النفايات خلال الزيارات الدينية، لكن مرحلة التخلص الأخيرة من النفايات تقع على عاتق الدولة.

مناطق الطمر الصحي لا تعود لـ “العتبة”، التي بدورها شخصت وجود مشكلة في عملية التخلص من تلك النفايات، لا سيما في مدينة كربلاء التي ينصب التركيز عليها، كونها تحتضن أكبر التجمعات البشرية في العالم، بحسب حديث مدير مركز الإعلام الوقائي لـ “العتبة”، جسام السعيدي، لـ “الحل نت”، حيث أكد أنه بعد 48 ساعة فقط من الزيارات، تتمكن فرق “العتبة” من رفع النفايات وإعادة الأمور على طبيعتها كليا.

الحديث عن مخاطر النفايات، من الأمور المضحكة التي تُصلح للطرفة، وفق السعيدي، لأن هنالك تهويلا كبيرا في قضية الزيارات الدينية، ويتابع هل تخلصنا من جميع المشاكل وبدأنا بتصنيع الطائرات والمركبات ولم تبقى لدينا سوى مشكلة الزيارات الدينية كالأربعين، هذا الكلام لا يليق بناس تدعي العلمية، حيث لا ننكر أن الزيارة ثقيلة وتحتاج إلى جهود، لكن السؤال هل هي من تسببت بالتلوث في العراق، وفق تعبيره.

يوجد مواكب خاصة تقوم بعزل النفايات وإرسال الطعام للدواجن، وعزل المواد البلاستيكية لغرض إرسالها للأماكن المعنية بهذا الأمر، من أجل تدويرها، لكن النفايات الأخرى تذهب إلى المكبات، ولا نعلم الآلية التي تعتمدها الحكومة للتخلص منها.

لا ننكر وجود قنوات لتصريف المياه الثقيلة وفضلات المواكب في قنوات المياه والأنهر، حيث أن هذه الأمور تتواجد في المواكب التي تنتشر على الطرق الخارجية، وبدأنا التحرك بشأنها وفرض عقوبات على المتجاوزين بهذا الأمر، بحسب السعيدي، كما أن “العتبة العباسية” بصدد فرض إجراءات أكثر تشديدا، ولدينا اجتماعات سنوية بجميع المواكب من أجل شرح الممنوعات، منها عدم رمي فضلات الحيوانات في بالوعات تصريف مياه الأمطار، وكذلك عدم نصب مراحيض عند المواكب، وتصريف المياه الثقيلة في قنوات المياه والأنهر.

“قنوات تثقيف”

“العتبة العباسية” تعتمد في توعية الزائرين على قنوات مختلفة، منها البروشورات والإذاعات الخاصة بها، وكذلك عبر تطبيق “حقيقة المؤمن”، كما تقوم بالتثقيف عبر فرق جوالة وقسم المواكب، فضلا عن اجتماعاتها الدورية والسنوية، ويكشف السعيدي أيضا، وجود تحركات مع الحكومات المحلية لوضع حاويات النفايات على طول الطرق التي يمر عبرها الزوار، حيث تشهد العتبة العباسية تقدما بنسبة 35 بالمئة في إجراءاتها، وسط انخفاض ملحوظ في الخروقات.

علي الحسيني، أحد أصحاب المواكب، يقول في حديثه لـ “الحل نت” إنهم يقومون بطبخ ثلاث وجبات يومية، أي أكثر من طنين من الأرز وأنواع من الأطعمة الأخرى، وما يزيد يتم رميه في النفايات وكذلك ما يتبقى من أكل الزائر يتم رميه أيضا، وأنهم يقومون بتقديم ثلاث وجبات يوميا من الأرز والمرق واللحم، بسبب أعداد الزوار الكبيرة.

بلدية كربلاء، صرحت مؤخرا، إنها قامت برفع أكثر من تسعين ألف طن من نفايات الطعام، خلال زيارة الأربعين الأخيرة وهذا كم كبير جدا، وأن هذه النفايات لا يمكن الاستفادة منها، والحكومة المحلية لكربلاء لا تمتلك معامل تدوير النفايات للاستفادة منها، حيث اقترحت البلدية على أصحاب المواكب بأن يقوموا بتوزيع كميات قليلة من الطعام على الزائرين، ومن يحتاج أكثر يُمكن منحه وجبة إضافية تفاديا من رمي الطعام في النفايات.

كأنك تتنشق موتك

جميع عمليات التخلص من النفايات في العراق لا تتم بطرق صحية، أما تركها في المطامر ويتم العبث بها من قبل “النباشة” أو حرقها، وفي الحالتين لها آثار كبيرة على الإنسان، بحسب حديث الخبير البيئي، شكري الحسن، لـ “الحل نت”، حيث يضيف بأنه حينما تتعرض هذه النفايات إلى الأمطار تترشح سمومها إلى باطن الأرض، وتختلط مع المياه الجوفية، وتقوم بتلويث المياه والتربة معا

قد يهمك: بغداد تعتزم توليد الكهرباء من النفايات

عملية حرق النفايات تنتج غازات سامة ومسرطنة، وتقع آثارها على الناس، حيث الضرر الأكبر يقع في المدن التي تشهد حجما كبيرا من النفايات وخصوصا المواد البلاستيكية، حيث تبقى آثارها السامة لمئات آلاف السنين، لصعوبة تحللها في التربة، مما يتسبب بأضرار وخيمة على الإنسان والحيوان والتربية، بالتزامن مع تجاهل الحكومة العراقية لهذه المخاطر وعدم إنشاء معامل للتدوير، إذ أن أغلب الدول بدأت تلجأ إلى هذه الطرق، وبعضها بات يعتمد اقتصاده كليا على هذا الأمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.